إسرائيل غير مؤهلة والعرب غير قادرين


أنباء الوطن -

الدكتور: رشيد عبّاس

المعادلة الصعبة بعد مسيرة ثلاثة وسبعين عاما من المعاناة بين العرب وإسرائيل تتمثل في أن إسرائيل دولة غير مؤهلة للسلام مع العرب, وأن العرب كل العرب غير قادرين على شن أو خوض الحرب ضد إسرائيل, والسؤال هنا, ما مقومات عملية السلام التي لا تمتلكها إسرائيل؟ وما مقومات خوض الحرب أوشنّها التي لا تمتلكها الدول العربية؟  

كثير من اتفاقيات السلام فشلت مع إسرائيل وربما ستفشل في قادم الأيام, والسبب وراء ذلك يعود إلى أن إسرائيل غير مؤهلة لعملية السلام تماماً, أي انها لا تمتلك مقومات السلام مع العرب على الإطلاق, بمعنى أنها تريد بناء مشروع سلام مع العرب وفق الشروط الإسرائيلية لا الشروط العربية والاقليمية, وذلك لاعتقادها انها الأقوى في معادلة الصراع, فجميع الحروب التي خاضتها إسرائيل منذُ عام 1948م إلى يومنا هذا تؤكد حقيقة مفادها أن الهدف الاول والاخير من هذه الحروب هو احتلال وأبتلاع مزيد من الأرض والتوسع فيها, وهذا يؤكد لنا أن الديانة اليهودية تهتم  بالأرض, وأن الديانة المسيحية تهتم بالقيم, في حين أن الديانة الاسلامية تهتم ببناء القيم على الأرض.   

إسرائيل غير مؤهلة لعملية السلام وستبقى في حالة من القبول والرفض إلى ما شاء الله في هذا الاتجاه, لأن السلام بالنسبة لها يعني ببساطة التخلي أو التوقف عن سياساتها التوسعية على الأرض, وأكبر مثال على ذلك هو عكس ما جاء في روايتهم المزعومة عن أسباب حرب الــ(67), والتي قالوا فيها أن سبب الحرب هو الدفاع عن النفس على حد زعمهم, والصحيح أن الأسباب الرئيسية لحرب الــ(67) كانت بهدف احتلال أرض سيناء, وهضبة الجولان, والضفة الغربية والتوسع الاستراتيجي فيها.

ثم, بالله عليكم قولوا لي, كيف نفّسر عقيدة رئيسة وزراء الكيان الصهيوني غير المأسوف على رحيلها «جولدا مائير» التوسعية في مطلع السبعينات, حين وقفت على شاطئ خليج إيلات ناظرة الى الجزيرة العربية متنهّدة قائلة: (إني أشم رائحة أجدادي في خيبر),..انها عقيدة الأرض المقدّسة بالنسبة لها, ومن يريد الأرض ويغتصبها عنوّة فهذا غير مؤهل للسلم والسلام.

وفي المقابل الدول العربية دون استثناء وحتى اللحظة وللأسف الشديد ليس لديهم أي من مقومات لشن حرب على إسرائيل, أو حتى مجرد التفكير في هذا الاتجاه والاستعداد لذلك, ولعل ذلك يعود إلى جملة من الأسباب تتلخص بنشر بريطانيا لسياسة (فرّق تَسُدْ) بين الدول العربية, وقد نجت بريطانيا نجاحاً باهراً في جعل عوامل الوحدة العربية كالعوامل الطبيعية, والتاريخية, والدينية, واللغوية, والحضارية وغيرها من العوامل.. جعلها عوامل تفرقة لا عوامل وحدة, ونجحت في وضع ملفات خلافية موقوته في العوامل الطبيعية, والعوامل التاريخية والعوامل الحضارية بين الدول العربية, ناهيك عن تشجيع وتمويل (أحزاب دينية) مختلفة الشكل والمضمون بين الدول العربية, وداخل الدولة العربية الواحدة.             

 سياسة (فرّق تَسُدْ) جعلت الدول العربية غير موحّدة أمام إسرائيل, وجعلتها غير مستعدة لشن حرب على إسرائيل, وقد نجحت بريطانيا في العقود السابقة على تحريك ملفات خلافية بين الدول العربية وحسب الحاجة الصهيونية لها, وقد أسّست لذلك بكل حنكة ومهارة, وقد جاءت بعد ذلك أمريكا وروسيا وغيرها من الدول على هذه الأنقاض لتستثمر الخلافات العربية لصالح إسرائيل, من خلال التحالفات العربية تارةً مع الغرب وتارةً أخرى مع الشرق, حتى أصبحت الدول العربية غير قادرة على خوض الحرب مع إسرائيل أو حتى الاستعداد بعيد المدى له.

جميع دعوات الوحدة العربية وئدت في مهدها, أن كان هناك مهداً يُذكر.

وبعد,

 دولة إسرائيل غير مؤهلة للسلم والسلام, والدول العربية غير قادرة على خوض أو شن الحرب, من هنا ولدت (المقاومات).. لعلها تُهذّب المعادلة الصعبة.