جائحة تضرب “الصحافة الالكترونية” .. والحلول بـ “الجراحة” وليس بـ “مطعوم”
كتب نشأت الحلبي
جائحة بكل ما تعني الكلمة باتت تهدد الوسط الصحفي، ولا سيما الالكتروني منه، مع صدور النص المعدل لنظام رسوم وبدل ترخيص المطابع ودور النشر والتوزيع والدراسات والبحوث ودور قياس الرأي العام ودور الترجمة ومكاتب الدعاية والإعلان والمطبوعات الدورية، والذي تضمن فرض رسم سنوي مقداره 500 دينار عند تجديد رخصة المطبوعة الاكترونية.
إذن، فقد قفز رسم تجديد الترخيص السنوي لأي موقع الكتروني من 50 دينار الى 500 دينار مرة واحدة، وهذا ما رأى فيه الصحفيون بأنه استهداف مباشر للمواقع الإخبارية على وجه الخصوص، وأن الهدف النهائي ولا شك، تخفيض عدد المواقع الاكترونية العاملة الى عدد أصابع اليد الواحدة لا أكثر.
الأمور لم تقف عند هذا الحد فقط، بل أن الحديث في الوسط الصحفي، الذي يشهد حالة غليان كبيرة، يؤكد بأن هذه مقدمة ليس إلا، لقرارات مالية أكثر إنهاكاً مثل فرض رسم يصل الى 2500 دينار على كل موقع يقوم بالبث عبر منصاته على السوشال ميديا مثل برامج أو حتى بث حي “لايف” لأي حدث، هذا فضلاً على التلويح بتفعيل نص قانوني في قانون نقابة الصحفيين، وبأثر رجعني منذ عام 2017، يفرض على كل موقع صحفي دفع مبلغ 1000 دينار سنوي بدل إعلانات، هذا فضلاً عن دفع ما نسبته واحد في المائة عن كل إعلان، وهي أعباء تُضاف الى الضرائب الأخرى التي يتكبدها كل موقع الكتروني مثل ضريبة المبيعات وغيرها.
ما يجري أعاد الصحفيين الى بدايات قيام الحكومة بالتضييق على المواقع الالكترونية منذ سنوات مثل فرض أن يقوم كل موقع الكتروني بتعيين رئيس تحرير عضو في نقابة الصحفيين وبشروط محددة، واستئجار مكتب، وتسجيل شركة، واستخراج رقم ضريبي، وكل هذا بحجة “تنظيم القطاع” وهو ما أدى الى خروج كثيرين من القطاع الصحفي الالكتروني، وهو الأمر الذي ينسحب على الأجواء الآن، فالصحفيون يرون بأن الإجراءات والقرارات التي اتخذت، والتي ستتخذ لاحقاً، كفيلة بإخراج كثيرين أيضا من العمل الصحفي لا سيما الصحفيين الذي أقاموا مشاريع صحفية بعد أن أُغلقت في وجوههم كل فرص العمل الممكنة لما تعانيه الصحافة أساساً من إرهاصات مالية، فهؤلاء لن يجدوا لهم مكاناً في العمل الصحفي الذي سينحصر فقط على من يستطيع أن يدفع، وهو ما سيعمل على بقاء المشاريع الصحفية كمشاريع ربحية وليس كمشاريع إعلامية يُمارَس فيها العمل الصحفي المحترف، بل ستصبح شركات علاقات عامة لا أكثر، ويقودها رجال أعمال!
الصحفيون وجدوا أنفسهم الآن أمام معركة فُرضت عليهم عنوانها “الدفاع عن أرزاقنا” بعد أن كانت معركتهم الدفاع عن الحريات والعمل الصحفي المحترف، وعليه فإنه جرت الدعوة للقاء موسع في نقابة الصحفيين في بحر الأسبوع المقبل مع رئيس هيئة الإعلام المحامي طارق أبو الراغب لبحث تداعيات هذا القرار على الوسط الإعلامي الأردني والعمل على إيقافه، لكن كثيرين يؤكدون تشاؤهم من أي تحرك وبأن الحكومة ستنفذ قرارها ولا شك، بل أن التشاؤم وصل الى حد الحديث عن قرارات أكثر عمقاً في ضرب العمل الإعلامي لربما سيجري تنفيذها لاحقاً، هذا في الوقت الذي اعتقد فيه الصحفيون بأن الحكومة ستقدم لهم المساعدات المالية بعد أن تم تصنيف قطاعهم في ظل جائحة كورونا بأنه من القطاعات المتضررة، وبأن تعمل على تنظيم العمل في منصات التواصل الاجتماعي غير المرخصة والتي باتت تخطف الإعلان من المواقع الاكترونية دون حسب أو رقيب، لكن رياح الحكومة تسير صوب “العصف” بالصحافة لا مد يد العون لها.
هي لحظة فاصلة بين حكومة بشر الخصاونة والوسط الصحفي الآن، فلربما تُسجل هذه الحكومة، وللتاريخ، بأنها الحكومة التي دقت المسمار الأخير في نعش الصحافة الأردنية والحريات الصحفية، وما يبحث عن الصحفيون في القطاع “الالكتروني” هو البحث عن حل “جراحي” ينسف تلك القرارات التي “ستنسفهم” وليس عن “مطعوم” فاعليته قد لا تتعدى بعض الشهور فقط.