مسميّاتُ الغَدِ بين الرّجاءِ والواقعيّةِ!
كتب المقال: الشاعرة لما حداد
"إنّ غدًا لناظرِه قريبٌ" عبارةُ قُرادٍ ابنِ أَجدعٍ الشهيرة. ذَكَرها في شِعرهِ بِقصد الإشارةِ للصّبر والانتظار. ويستخدمُ هذه العبارةَ الكثيرُ منّا كدعوةٍ للتفاؤلِ والترقُّبِ الجميلِ. ربما نتفاءلُ بالغَدِ لأنّنا ندركُ معاركَنا وخساراتِنا اليومَ، ونخافُ المستقبلَ لعدم عِلْمِنا بحيثيّاتِه القادمةِ. مُغفِلين مِن اللّحظاتِ أجملَها وأسهلَها؛ ففي الحياةِ عُسرٌ وصعوباتٌ تَتأتّى تِباعًا باطّرادٍ والقادمُ لا شكَّ أصعبُ. ألمْ يَقُل عليُّ الغامديّ " أيّها الغَدُ..كُنْ كالأمسِ"؟ وكأنه يَصِفُ رجاءَنا الحزينَ ب "القادمِ الأجملِ"؛ أي الغَد. ولن يكون!
أتذكّرُ دائمًا مقولةَ سواهي سيفانندا " اليوم ملكُكَ أما الغَد فقد لا يأتي مطلقًا"..الحقيقةُ أنَّها مزدوجةُ الرسالةِ إذا تأملتم في جوهرِها جيدا؛ كأنّ القائلَ يدعو بشكلٍ مبطّنٍ للخوفِ من الغَد على أنّه حافزٌ للعملِ اليومَ بجديةٍ وفرحٍ؛ في حين أنه عبّر بواقعيةٍ قاسيةٍ بعضَ الشيء. شاركَه هذا التعبيرَ القاسيَ عمرُ الخيّامُ حين قال" كم يخيبُ الظّنُ بالمُقبِلِ" أي الغَد. أمّا أنا فأرى في الحياةِ لا ثباتٌ حتى المُسمَيّات. فلو أخبَرونا " غدًا هو آخرُ غد"؛ لاستبدَلْنا ما كُنا نُسميّهِ " قريبًا" بِ " ما قبلَ الّلَحد"! عرفتم ما أقصد؟
إذا تمعنّتم فيما قاله أوج ماندينو " الغَدُ غالبًا ما تجدُه في مفكراتِ الحمقى والمجانينِ"..تجدُ أنه إما واقعيٌّ جدًا حيث اعتبر الحالمين بالغد حمقى ومجانين أو أنّه متشائمٌ جدا بالغد. أخالفُه بالحالتيْن على حدٍّ سواء، وأعتقدُ أننا نقعُ في خطأٍ كبيرٍ إذا انغمسْنا في الأحلام فقط دون واقعيةٍ أو في الواقعيةِ وحدها دون أملٍ ,أحلامٍ وطموح.
أشير بأنّ بُثينةَ العيسى وصفتْ حالَ الغدِ بشكلٍ أدقّ ، وصدقتْ بشأنِه في مقولتِها " أَلَمُ اليومِ أقلُّ قسوةً مِن أَلَمِ الغَد". لستُ من المتشائمين على الإطلاق، لكن بسبب الأحداثِ الصّعبةِ التي تحاصرُ أملَنا وتستنزفُ صبرَنا؛ بدأتُ أُدركُ أنّ الناسَ، الأحلامَ، اليومَ وربما الغدُ هم مشاةٌ في جنازاتِ الحياة، وأنّ الظروفَ شاراتٌ في مدفنِ الذكرياتِ تحملُ جميعُها اسمَ "الواقع"!
رغم إدراكِنا هذا كلَّه؛ نظلُّ نُبقي على المسمّياتِ الجميلةِ التي نعرفُها، نعيشُ اليومَ الجميلَ بقبولٍ ولا نركِّزُ على قلقِ الغَد.