تطلعات ترامب ونتنياهو… يحققها بايدن وبينت
د. ابراهيم بدران
تجتاح المنطقة عاصفة سياسية هادئة نسبيا، تقودها الولايات المتحدة وإسرائيل. وعاصفة أخرى طبيعية بيئية شديدة تحركها التغيرات المناخية والاحتباس الحراري. وكلا العاصفتان ستترك آثارا عالية الخطورة.
كانت سياسة اليمين الصهيوني، كما جسمها نتنياهو، ازاء الصراع العربي الإسرائيلي والفلسطيني الإسرائيلي، وعلى مدى أربعة عشر عاماً، ترتكز إلى العنصرين الأكثر أهمية لدى الدول وهي “العسكرية والاقتصاد”. وكذلك كان ترامب يؤمن بأن القوة الأميركية في جانبها العسكري والاقتصادي هي مفتاح الحل لأي مشكلة. ومن سوء الطالع للمنطقة، وحسن حظ الإدارتين الأميركية والإسرائيلية على السواء، ان الجانب العربي فقد قدرته على العمل السياسي الفعال المشترك منذ ثلاثين عاما أو أكثر، كما فقد قدرته على أية مواجهة أو ردع عسكري. وأصبحت المنطقة العربية، في خضم الازمات التي يعانيها كل قطر، تبحث عن مجرد الاستمرار، واستعذبت الكثير من الأنظمة البقاء تحت المظلة الاجنبية، وخاصة الأميركية الرحبة في جوانبها المالية والدفاعية والسياسية مع استعداد غير معلن للاستجابة لما يطلب صاحب المظلة، وما يضع من شروط. وهذا ما شجع حكومة نتنياهو وبعده حكومة بينيت الحالية على التوحش في التعامل مع الفلسطينيين، وعلى تصعيد النهم الاستعماري لابتلاع مزيد من الأراضي في أقصر فترة ممكنة، ونشر مزيدا من التهويد وقتل واعتقال الابرياء حتى لو كانوا نساء أو شيوخاً أو أطفالا. وقدم ترامب خطة للسلام قلص فيها مساحة الأرض للجانب الفلسطيني لا تتعدى 12 % من مساحة فلسطين التاريخية تخترقها المستوطنات في كل مكان.
وتسارعت اقتحامات الأقصى من قبل الإسرائيليين تحت حماية الشرطة، لتتزايد يوما بعد يوم، وتشتد في كل مناسبة، وأصبح غض النظر العربي والإسلامي هو الحالة الاعتيادية. وأصدرت المحكمة الإسرائيلية قرارا يسمح لليهود الصلاة في ساحة الأقصى، تمهيدا للاقتسام الزماني والمكاني.
ومن جانب آخر، اكتشفت الإدارة الأميركية ومن تجاربها المريرة والباهظة التكاليف في فيتنام والصومال والعراق واخيرا في افغانستان، ان القوة العسكرية يمكن ان تهزم الأنظمة ولكنها لا تهزم الشعوب. واستقر في العقل الأميركي الرسمي اليوم ان كلفة الحروب المباشرة باهظة ولا حدود لها. والبديل الأفضل هو الاكتفاء بالحروب بالوكالة من خلال تمويل المرتزقة من أهل البلاد أو خارجها، سواء كانوا افرادا ام جماعات، أو إعلاما أو مواقع تواصل اجتماعي.
لقد قررت الإدارة الأميركية تخفيف انتشار قواتها العسكرية في المنطقة، والاكتفاء ببضع قواعد تستخدمها عند الضرورة، وفي نفس الوقت احاطة إيران الخصم الذي لم يتم التوافق معه حتى الآن بسبب المسألة النووية، احاطته بتحالف عربي تشارك فيه بشكل غير مباشر إسرائيل، كما تشارك اذربيجان من حدودها مع إيران، خاصة وان إدارة ترامب من خلال سياسة العصا والجزرة نجحت في دفع الدول العربية للتوسع في تطبيع علاقاتها مع إسرائيل. ولم يقتصر التطبيع على الجانب السياسي بل اخذ الجانب الاقتصادي واللوجستي يتقدم بسرعة، وفي قطاعات مفصلية. وقبل أيام حطت لأول مرة طائرة الخطوط الجوية المصرية الرسمية في مطار اللد (بن غوريون) كما شاركت إسرائيل في معرض اكسبو في الإمارات المتحدة، واشترى الأردن 50 مليون متر مكعب من المياه ليواجه العجز المائي بعد اتفاقية شراء الغاز، والعمل على الخطوط الحديدية لم يتوقف. وحصلت لقاءات أردنية مصرية عراقية وتقارب سوري أردني ولكن ما تزال الأمور في اطار الزيارات والرسميات ولم يتم التوافق على أي مشروع مشترك يمكن أن يكون عمود ارتكاز لعلاقات مستقبلية دائمة. ان فتح الحدود لغايات التجارة شيء إيجابي ولكنه غير كاف من جهة ويمكن ايقافه في أي لحظة من جهة أخرى.
وفي الجانب البيئي الطبيعي فإن التغيرات المناخية أصبحت كاسحة، وسوف تشتد افقيا وعموديا خلال السنوات المقبلة بوتيرة أسرع ما يتصور الكثيرون. وأبرز تأثيراتها الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، مما سينعكس سلباً وبقسوة على توفر الماء والغذاء.ان المنطقة العربية بكاملها تعاني منذ اليوم نقصا شديدا في المياه والغذاء، والأردن على رأس القائمة حيث وصل نصيب الفرد لدينا من المياه 80م3 سنوياً. يعود ذلك لانعدام المياه السطحية وتراجع الأمطار. اما الأنهار فقد تمت السيطرة على الجزء الأكبر منها من دول المنبع بواسطة السدود والتحويلات سواء تركيا للفرات أو إيران لدجلة أو سورية لليرموك أو اثيوبيا للنيل أو إسرائيل لنهر الأردن. والخشية ان تضطر المنطقة للبحث عن المياه والغذاء من الخارج لأنها ما تزال غير مستعدة لمواجهة التحدي والانخراط في مشاريع وطنية أو عربية مشتركة بهدف مواجهة تقلبات المناخ بكل متطلباتها العلمية والتكنولوجية، سواء بتحلية المياه أو بناء السدود الصغيرة أو توليد المياه بتكنولوجيات متنوعة، أو تطوير السلالات النباتية والحيوانية الأكثر احتمالا للحرارة والجفاف. ومن المتوقع ان يرتفع العجز الغذائي إلى أكثر من 50 مليار دولار سنويا بحلول العام 2027 على المستوى العربي و5 مليارات دولار على مستوى الأردن، إضافة إلى تناقص الرقعة الزراعية وتعمق التصحر. هذا بينما تعمل إسرائيل بكل امكاناتها للتقدم في مجال الزراعة الذكية واستخدام أحدث المنجزات التكنولوجية في الزراعة وفي تحلية وتوليد المياه حتى تكون هي المسيطرة في إنتاج الغذاء والماء والغاز، وتكون في موقف المزود للدول العربية.
ونحن في الأردن لا بد وان نتحلى بالحكمة والتروي، وان لا نتحرك في كل اتجاه دون ضمانات ونتائج حقيقية. فالعلاقات مع سورية والعراق ولبنان ومصر ضرورة وطنية وسياسية وعروبية واقتصادية لا جدال فيها ولكن حصة الأردن من مياه اليرموك يجب ان تعود على الأقل كما حددتها اتفاقية العام 1987 بعد أن غدا سد الوحدة اليوم شبه فارغ. والعلاقات مع العراق ايضا ضرورة وطنية كما هي مع سورية ولكن التفاوض مع العراق على أنبوب النفط مضى عليه أكثر من 42 عاماً دون أي تقدم حقيقي. وقد اتجهت العراق مؤخرا لتشغيل خط النفط عبر تركيا مما يضائل أهمية خط إلى العقبة. والعلاقات مع لبنان بنفس الأهمية ولكن متطلبات الغاز والكهرباء تحتاج الى ترتيبات مستقرة دائمة مع سورية ومع مالكي خط الغاز العربي، وتحتاج الكهرباء إلى دراسة معمقة من جانبنا لاستقرار الشبكة الكهربائية الأردنية للتأكد من سلامة الاداء فيها. والعلاقات مع مصر بنفس الأهمية ولكن العقبات الإدارية أمام السلع الأردنية كبيرة للغاية ولم تتحرك المعاملة بالمثل نحو التفاصيل.
واخيرا فإن ما يقوم به بايدن وبينيت من ضغط على دول المنطقة واستعمالها ضد إيران كما تريد إسرائيل، وتمكين إسرائيل من تحقيق ما تريد، كل ذلك يتم بهدوء، ودون الضجيج الذي برع فيه نتنياهو وترامب. إن التغيرات المناخية سيكون لها تأثيرات سلبية على الإعمار والسكان والاقتصاد الوطني والذي لا يبنى الاّ من الداخل، في حين أن المعونات والقروض ما هي إلا حبوب تهدئة وليس دواء لمواجهة المستقبل.