عن الزعامة والقيادة
بلال حسن التل
من الأزمات التي نعاني منها, ولها تداعيات خطيرة, أزمة افتقارنا إلى قيادات وزعامات حقيقية في مختلف المجالات, من نماط الزعامات القادرة على قيادة الناس وسياستهم واقناعهم, وهي أزمة تتفاقم كلما أمعنا بتحطم الإطر التي تربي القيادات كالعشيرة والحزب والنقابة, التي اعتدنا منها على فرز القيادات الحقيقية التي تخرج من رحم الناس وتظل ملتصقة بهم, وهذه الزعامات هي التي تصقلها نيران التجارب ولا تهبط على الناس بمظلات المناصب فتصغر بهم المناصب, فالمناصب لا تصنع قائداً ولا زعيماً, لكنها تصنع موظفاً كبيراً قراره بل مصيره ليس بيده, والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى, فكم رئيس وزراء يتذكره الأردنيين من ثلاثة وأربعين رئيساً تولوا رئاسة الوزراء في بلدنا, وبعضهم شكل الحكومة مرات عديدة ومع ذلك لا يتذكره الناس, بينما يتذكرون هزاع المجالي الذي ترأس الحكومة مرتين كانت واحدة منهما لأيام معدودة كان فيها رجلاً قادراً على المواجهة, لأنه زعيم مفطور جاء من رحم الناس وصقلته نيران التجربة, كما يتعلق الأردنيون بالشهيد وصفي التل رغم مرور نصف قرن على استشهاده لأنه كان يعبر عن كل واحد منهم, ولأنه كان يمثل النموذج الذي يبحث عنه الناس, وهذا هو الزعيم والقائد الحقيقي, الذي لا ترتبط قيمته بالمنصب فكمال الشاعر كانت تخطب وده قيادات دول رغم أنه لم يتولى منصباً وزارياً وعاكف الفايز لم يكن يوماً رئيساً للوزراء لكن رؤوساء الوزراء كانوا يسعون لرضاه بأعتباره زعيماً وقائداً, وعبد الحليم النمر مازال ملىء السمع والبصر, رغم أنه لم يكن رئيس وزراء, بل لعل عظمته أنه أعرض عن المنصب حتى لا يخون مبادئه ورفاقه, وهذه من أهم صفات الزعيم المفطور الذي يعلو على المناصب لإيمانه بأنه أكبر منها كما كان يتعلم الأردنيون في دواونيهم ومضاربهم, فأنا أبن عشيرة كان يتزعمها رجال بعضهم لم يتبؤ منصباً حكومياً, ومع ذلك كان ينقاد لهم من عشيرتي ومن عشائر أخرى من تولوا ارفع المناصب في الدولة وأكثرها أهمية وحساسية, لقدرة هؤلاء الرجال على الصبر والتحمل, والسعي في خدمة الناس وإصلاح ذات بينهم, وحمل همومهم وحسن الاستماع اليهم.
ومثلما لا يصنع المنصب زعيماً وقائداً, كذلك فإن المال لا يصنع زعيماً حقيقياً, واقصى ما يمكن أن يفعله هو استقطاب بعض المنافقين والمنتفعين وهو أمر لا ينسجم مع الزعامة والقيادة لأنهما منظومة أخلاقية, تجعل صاحبها يملك نفسه عند الغضب ويمسح الزلة, ولذلك قال الشاعر
لايصلح الناس فوضى لاسراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
والجهل هنا ليس هو أمية الحرف والكلمة, بل الطيش والرعونة والتسرع, وكلها صفات تتناقض مع صفات الزعيم والقائد ودوره في مجتمعه وهذه آفة علينا أن نعالجها إن أردنا أن نعالج أوضاعنا السياسية والاجتماعية ونحافظ على تماسكنا ونسيجنا الاجتماعي.
Bilal.tall@yahoo.com