إلى متى سيبقى محاسبة الذين مضوا مُتحفّظ عليه؟
الدكتور: رشيد عبّاس
لا يوجد على هذه البصيرة معضلة أو مشكلة (وليدة الساعة) كما يقال, إنما المعضلة أو المشكلة هي تراكمات من الأخطاء التي تُركت بقصد أو دون قصد دون تشخيص لها ومعالجتها أولاً بأول خلال وقتها الخاص بها, الأمر الذي قد يؤدي بدوره إلى ظهور تحديات يصعب التعامل معها وعلاجها بعد عشرات السنين.
لا شك أن مشاكلنا اليوم ناتجة عن أخطاء ارتكبتها الحكومات السابقة قبل عشرات السنين وظهرت فقاعاتها اليوم على السطح, وأخطاء الحكومات اليوم ستظهر بالضرورة بعد عشرات السنين وستظهر فقاعاتها فيما بعد أمام الاجيال القادمة, وهكذا تظهر المشاكل مع الاختلاف في الشكل والمضمون والمكان والزمان في طبيعتها,..الامثلة عديدة وعديدة جداً, ويمكن التوقف عند البعض منها كأمثلة قد ستفاد منها لا للحصر.
مشكلة الخروف الجورجي لدينا اليوم, هي فقاعات ناتجة عن فشل ذريع في نظام التعليم لدينا منذُ عشرين عاماً, فقد فشل بكل صراحة نظام التعليم لدينا منذُ عشرين عاماً في مسار التعليم الزراعي, وبالذات في الإنتاج الحيواني, ونسأل وزراء التربية والتعليم رحمهم الله (والرحمة تجوز عل الأحياء منهم والأموات) والذي استلموا وزارة التربية والتعليم منذُ أكثر من منذُ عشرين عاماً مضت, نسألهم أين مزارع إنتاج الخروف الأردني اليوم, فالمشكلة ليست خروف جورجيا الخالي من اللية والشحوم..المشكلة يا سادة يا كرام هي كيف ننتج اللحوم؟
ثم أن فشل عدم إنتاج (خروف أردني) اليوم سيؤدي بعد عشرات السنين من الآن على ظهور أشكال وأنماط جديدة من المشاكل والتحديات قد تتمثل في تصحر مناطق واسعة من أراضي جنوب وشرق المملكة, وانقراض جميع شركات إنتاج الأعلاف الحيوانية, وعدم التفكير في أنشاء شركات لتعليب لحوم تلك الخراف لاستهلاكها محلياً, أو ربما لإيجاد أسواق خارجية لها وتصديرها لرفد صندوق الواردات, وسيؤدي ذلك لاحقاً إلى تراجع توظيف الايدي الأردنية العاملة في مثل هذه المصانع والشركات, وظهور بطالة واسعة في أطباء البيطرة, وربما إغلاق كليات الزراعة وبالذات الإنتاج الحيواني في الجامعات الأردنية..هكذا تتشكل لدينا التحديات.
وأستغرب أيضاً هنا كيف أن كليات الزراعة وبالذات قسم الإنتاج الحيواني في الجامعات الأردنية والتي يتواجد فيها عشرات الدكاترة والبروفسورات المختصين منذُ أكثر من خمسين عام في الإنتاج الحيواني وتبرز لدينا للأسف الشديد مشكلة كبيرة حول (لية) وشحم الخروف الجورجي!..أعرف جيداً أن هؤلاء الدكاترة والبروفسورات يقوموا بإعطاء محاضرات صماء داخل غرف مقفلة فقط, ثم يمتحن بها الطلبة, وتوضع لهم علامات, وكفى الله المؤمنين القتال.
لو فرضنا أن مستوردو اللحوم من رومانيا أو من (جورجيا) أو غيرها من الدول توقفوا عن استيراد تلك اللحوم لسبب او لآخر, أو لو فرضنا أن الدول المصدرة للحوم تلك البلدان توقفوا عن تصدير تلك اللحوم إلينا, كيف سيجيب رؤساء الحكومات السابقة (قبل عشرين عام) مثلاً, عن سؤال من نوع أين مشاريع الانتاج الحيواني التي اسّستم لها يا أصحاب المعالي والدولة؟ نعم تقصير الأمس يظهر اليوم, وتقصير اليوم سوف يظهر غداً, وأن حرف (السين) في بداية الأفعال المضارعة في بيان الحكومات السابقة سيسقط بعد أخذ الثقة مباشرة, وأن السؤال عن تقصير الماضي بات من المحرمات والكبائر لدينا.
مشكلة استيراد (ليّة) الخروف الجورجي تكشف لنا بكل وضوح مشاكل وتحديات أخرى كبيرة ناتجة عن تقصير حكومات ما قبل عشرات السنين, وهذا يجعلنا أن نتوقع ونتنبأ ظهور مشاكل جديدة بعد عشرين عام من اليوم ناتجة عن تقصير حكوماتنا اليوم.. والسؤال العالق هنا هو إلى متى سيبقى محاسبة الذين مضوا مُتحفّظ عليه؟