اختلاف الرأي لا يُفسد للودّ قضية


أنباء الوطن -

 بقلم / المهندس رائد عليان

 يظهر على السطح فى الآونة الأخيرة- أكثر من أى وقت مضى- حدة فى النقاش وعناد فى الرأى ورفض لخيارات الآخر مع الخروج أحيانًا عن آداب الحوار والرفض الكامل لثقافة الاختلاف، وهو ما يدعونا لمناقشة هذه الظاهرة التى تشير إلى حالة توتر ذاتى مع قصور فى الثقافة وغياب للوعى السليم. وكلما رأيت المشهد هكذا تذكرت المقولة الشهيرة فى الحضارة العربية الإسلامية للإمام «الشافعى» (رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب)، أو المقولة المرادفة فى الحضارة الأوروبية المسيحية عندما يقول «فولتير» إنه على استعداد لأن يدفع حياته ثمنًا للدفاع عن حرية رأى يختلف معه، ذلك هو النهج الأوروبى الذى يشير إلى التواصل الإنسانى والفهم العميق لآداب الحوار .  لقد رأيت أنه من المفيد ان اتوقف قليلاً عند مسألة تعتبر مفصلاً من الناحيتين الأخلاقية، والإجرائية وهي مسألة كيف نتحاور؟ .فـ للحوار الرفيع آفاقه، خاصة حين نختلف , فإذا كنا ديموقراطيون حقاً، ونحترم التهدئة ولسنا غائيين، فعلينا قبول الآخر ما دامت الأمور تحت سقف واحد . أنه من السهل  إجراء حوار هادئ وهادف في أحلك الظروف وعقلاء القوم هم من يتولون الحوار الذي يحتاج لبيئة مواتية لإنجاحه , والحوار هو سلوك جوهري اجتماعي وحضاري  ويتوجب أن يكون الحوار بعيدا عن العصبية ومحاولة تشويه صور وقيم الآخرين. ومن هنا يرى مثقفون أن الجامعات خرجت أجيالا من المتعلمين، أصحاب الشهادات العليا، الذين لا يمكن أن نطلق عليهم صفة “مثقف”، إلا ما ندر.فـ صفة “متعلم غير مثقف” هي صفة أطلقها عامة الناس على بعض خريجي الجامعات، فهم يرون أن المثقف يجب أن يكون ذا إنتاج فكري، صاحب رأي، يمتلك قدرا من الوعي والسلوك الحضاري، مطلع على ثقافات وعلوم شتى ليكون صاحب قرار . وكثيرا ما نصادف أشخاص لم يوفقوا في الحصول على القدر الكافي من التعليم، إلا أنهم يملكون فكرا وثقافة تتجاوز المتعلمين بمراحل، وربما يجيد هؤلاء لغة أو اثنتين، دون أن يلتحق بأية مؤسسة تعليمية، ليطلق عليه عرفا “مثقف غير متعلم” , فـ الغبي المتعلم أخطر من الغبي الجاهل.  كثيرا ما نرى حوارا بين شخص امي مثقف وشخص متعلم غير مثقف وفي الحوار ينجح الامي على المتعلم لان المتعلم لم يراعي ان  الحوار لغة تواصل وتفاهم بقلب وعقل مفتوحين لتبادل الآراء ووجهات النظر بشكل موضوعي على أساس الاحترام المتبادل، وهي لغة بعيدة كلّ البعد عن التعصّب في الرأي بهدف الوصول إلى نتيجة إيجابية، أو على الأقل انتهاء الحوار باختلاف فكري مع الاحتفاظ بحبل الودّ مع الآخرين على مبدأ “اختلاف الرأي لا يُفسد للودّ قضية”. إن الحوار يتطلب أولا وقبل كل شيء الاعتراف بوجود الآخر المختلف، واحترام حقه ليس في تبني رأي أو موقف أو اجتهاد مختلف فحسب، بل احترام حقه في الدفاع عن هذا الرأي أوالموقف أو الاجتهاد، ولكن ليس على حساب مضرة نفسك ,  وللأنسان حرية الإختيار .