تغلغل إسرائيل الناعم عربياً
د. منذر الحوارات
ليس مستغرباً أن تكون النظرة الى اسرائيل بهذا الشكل الداعم في الولايات المتحدة والدول الغربية فالقناعات هناك تأسست على مدى قرون من الزمن بواسطة الجذر المشترك للنصوص الدينية، فالعهد القديم هو قاعدة أساسية في إنشاء الشخصية الغربية حيث قصص اليهود ومعاناتهم تحتل المكانة الاولى فيه، فالقصة اليهودية حاضرة بكل تفاصيلها وتضع الاساس الذهني لمستقبل الاجيال هناك، ولا يقتصر الأمر على ذلك فالرواية التوراتية التي مسحت تماماً تاريخ فلسطين لتضع مكانه التاريخ اليهودي حاضرة في المدرسة الابتدائية وبعدها الثانوية من خلال المدرسين اليهود ولا ننسى الكم الهائل من الأكاديميين والكتاب والمؤرخين والفلاسفة اليهود والذين ملأوا الدنيا الاميركية والاوروبية طولاً وعرضاً وصنعوا الذهنية العامة هناك بما يتفق مع الرؤية الاسرائيلية، هذا الامر يؤكد ان السياسي والمواطن لا يتحدد موقفه من إسرائيل انطلاقاً من تأثير مجموعة ضغط هنا أو هناك بل هي قناعة راسخة رُسمت عبر حياته وهو الامر الذي ادى الى تكوين هذا الموقف المتعاطف والداعم بلا حدود مع دولة الاحتلال.هذا بالنسبة للغرب والولايات المتحدة فما عسى الأمر ان يكون مع العرب، فدولة الاحتلال نجحت خلال سني نشأتها الأولى أن تكرس القناعة لديهم بأنها دولة حرب وقوة لا تقهر، ولِمَ لا فقد هزمتهم مجتمعين في موقعتين رئيسيتين وهي الدولة الصغيرة المعزولة والقليلة السكان والتي بالكاد بدأت، وبعدها توالت هزائمهم أمامها فزرعت في أعماق عقولهم احساساً بالعجز وفقدان الحيلة أمامها وأصبح هذا المنطق لديهم هو السائد، لذلك تنامت الرغبة لدى العديد من الدول العربية بأنها لا تريد أن تبقى علاقاتها رهينة للقضية الفلسطينية، وهذا ما غذته اسرائيل وبدأت تدفع هذه الدول تجاهه واستثمرت في ذلك دعماً غير محدود من الادارات الاميركية وبالذات ادارة دونالد ترامب التي دفعت العديد من تلك الدول دفعاً لإقامة علاقات مع دولة الاحتلال وهذا ما كان.لم تشأ اسرائيل ان تبقي علاقاتها اسيرة النظام الرسمي العربي بل عملت من خلال ما تمتلكه من أدوات ناعمة على استدراج المواطنين العرب اليها والوسائل لديها عديدة فمن خلال التكنولوجيا الفائقة دخلت في مشاريع مشتركة مع شركات ومواطنين ودول، وفي مجال الزراعة الذكية والتعليم غير الرسمي وإدارة المياه والتنمية الريفية، والمشاريع الطبية المشتركة واستدراج المرضى إليها وتكريس القناعة بأنها وحدها القادرة على مداواتهم طبعاً الغاية هنا اقامة علاقة تفاعلية بين الناس العاديين ودولة الاحتلال فمنذ لحظة إليها تقوم بعملية إبهار ممنهجة لعواطفهم وعقولهم بما لديها من تطور وتقنيات فائقة ومع تكرار الزيارات تنمحي تدريجياً فكرة أن إسرائيل هي عدو احتل أرض العرب ويستبدل مكانها اسرائيل المتطورة وتنغرس في الأذهان أنها دولة عادية ومع تكرار التجارب وتناقلها بين الناس يتضاءل عدد المؤمنين بالقضية الفلسطينية والداعمين لها، وهنا تنتقل من فكرة الهيمنة بالقوة العسكرية الى الهيمنة بالمعرفة والتقنية.وبهذا يكون على الفلسطيني ان يدفع الثمن مرةً تلو الاخرى بسبب المقدرة الفائقة لعدوه على هندسة التاريخ والمستقبل بطريقة تخدم مصالحه بشكل متأنٍ ومحسوب يعتمد في جزء كبير منه على استثمار ضعف الطرف الآخر وتخاذله وعدم ثقته بنفسه واستسلامه غير المبرر للمشاريع والمؤامرات العالمية، ففي الوقت الذي تتلقى فيه اسرائيل الدعم من القوى النافذة في العالم تتوالى خسائر الفلسطيني حتى من اقرب الناس اليه، وبهذا تهزمنا إسرائيل حضارياً مرتين مرة بالحرب ومرةً بوسائل أخرى وفي كل المرات هزمتنا بضعفنا.(الرأي)