د. ماجد الخواجا يكتب..العبثية الإلكترونية
جولة صغيرة عبر موقع التيك توك تمنحنا عديد من الشواهد المؤشرة على حجم الإنحدار القيمي الإلكتروني.
لقد أضحى الموقع فيما يمكن تسميته بالمحتوى العربي لا يتعدى أحد الفئات الآتية:
- التسول الإلكتروني : حيث يمكن مشاهدة فيديوهات تدعو الاستجداء بالحث على زيادة المتابعات والإعجابات والمشاهدات ومنها من يطلب صاحبها/ صاحبتها تحت بند المساعدة مبالغ بذريعة المرض أو الإعاقة أو اللجوء أو لظروف الحياة الصعبة وقلة فرص العمل والبطالة وعدم وجود معيل وهكذا.
- الدعارة الإلكترونية : وهنا يتم استعراض جسدي وخاصة من قبل الفتيات عبر الموقع، منهن من تعرض جزءا من جسدها أو تعرضه كلهن ومنهن من تعرض الغواية والفحش بسوقية الكلام أو الألفاظ أو التحرش الجنسي المباشر، ومنهن من تتطرف في الحرفة لتصل إلى مستويات الإباحية شبه الكاملة، ومنهن من يمكن أن يشكلن ابتزازا إلكترونيا عبر الغواية والإغراء ومن ثم التهديد والوعيد.
- السفه الإلكتروني : هنا يقوم البعض بممارسات خرقاء حمقاء لا غاية منها إلا استقطاب المشاهدين والمتابعين، كأن يقوم بعمل غريب في وسط الشارع أو بين الناس أو لوحده، أو يؤدي شيئا يتم تكراره بشكل مستمر أو يردد جملة تصبح هي بمثابة الواجهة للشخص على الموقع، ومن ذلك جملة “حدا سأل عني” وجملة ” ابن النايمة” وجملة ” كل الحب والاحترام والتقدير” ومنهم من يعرض إفطاره أو كيفية نومه أو صحيانه أو طبيعة الحوار بينه وبين أمه أو أخيه أو أبيه، وهكذا.
- استهلاك الوقت الإلكتروني : وهذا يتم عبر ما تدعى باللايفات المباشرة والتي يكون فيها شخصان يمارسان لعبة الفوز والخسارة من خلال حصد أكبر عدد من الجوائز المقدمة لهما من المتابعين، حيث تنتهي المهزلة بتنفيذ الخاسر لأحكام مهينة وأحيانا معيبة ومذلة، والغاية من تلك اللايفات الحصول على أكبر مبلغ أو عائد مالي بحسب شروط التيك توك. وفي هذا المجال يقال أنه تم اقتحام هذه اللايفات خاصة عند كبار الأشخاص أصحاب المشاهدات الأعلى، من قبل الجهات المعنية بغسل الأموال، حيث يتم الدعم المباشر بعشرات الآلاف من الدولارات والتي يتم استعادتها بنسب معينة متفق عليها كما يقال.
- الذل والهوان الإلكتروني : هنا يتم استخدام كافة الوسائل والأشخاص لغايات حصد أكبر عدد من المشاهدات والمتابعات، كأن يقوم الشخص باستغلال زوجته أو زوجها، أمه ، أبيه، أخته، أخيها. وصولا إلى القيام بسلوكيات عجيبة وربما شاذة وغير معتادة ، لكنها كافية كي تجلب للشخص المتابعات والمشاهدات المؤهلة للحصول على الأموال.
- الشذوذ الإلكتروني : نعم لقد أتاح الموقع فضاء واسعا لكافة الممارسات الغريبة والشاذة وغير الاجتماعية، فهو أتاح المجال للشذوذ الجنسي عبر المشاهدات أو الألفاظ أو التعبير عن ذلك بالإيحاءات المختلفة. فأصبح من الطبيعي مشاهدة فيديوهات لشواذ من اللوطيين والسحاقيات وحتى الحديث في المحارم والمحرمات.
- العنصرية والفتنة الإلكترونية: ساعد الموقع الكثيرين ممن لديهم نزعات جهوية أو عنصرية أو طائفية على بث سمومهم عبر الموقع تحت مسميات حرية الرأي.
- التضليل الإلكتروني : ساهم الموقع في نشر الكثير من الأخبار المضللة والكاذبة والمبالغ فيها وغير الواقعية.
- الابتزاز الإلكتروني : ساهم الموقع على تفشي وتسهيل الإبتزاز الإلكتروني من خلال استخدام أساليب الغواية والإغراء واستغفال المتابعين.
- السرقة الإلكترونية : ساهم الموقع في تواجد صفحات مزورة باسم أشخاص مشهورين بهدف التحريض عليهم أو بهدف حصد المتابعات الوهمية حيث ما أن يصل الشخص المزور إلى عدد كبير من المتابعين فيقوم بتغيير الإسم إلى اسمه الحقيقي بغية جني الأموال.
- الاستغلال المعيب للبشر : هنا يتم استدرار التعاطف مع شخص ذو إعاقة ذهنية أو حركية أو سمعية أو بصرية أو نفسية، فيتم تصويره بشكل دائم لتبدأ عملية حصد المشاهدات والمتابعات.
هذه جملة من الشواهد على طبيعة المحتوى العربي الإلكتروني في مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة موقع تيك توك، لكن ذلك لا يعني عدم وجود إطلالات مبشرة برفد المحتوى العربي بما يستحق الاحترام، حيث هناك العديد من الصفحات التي تتناول الشأن العام ومشكلات الحياة وتفاصيلها ، وهناك فيديوهات إبداعية وعاطفية تنشر المحبة والفرح والتفاؤل وبمهنية رفيعة المستوى. وهناك فيديوهات جميلة رائعة يتم تقديمها مفعمة بالفكاهة الخفيفة اللطيفة. وهناك فيديوهات تخدم فئات تستحق الخدمة.
لكن النسبة العظمى من المحتوى العربي الإلكتروني هو على شاكلة السفة والتفاهة الإلكترونية التي ستبقى تجلب وتحصد وتجني الأموال والمتابعات والمشاهدات، طالما بقيت نظرية ” الجمهور عايز كدة “