الأردن بعيد كل البعد عما صدر بأنه يقترب بسرعة من اعتباره دولة مفلسة


أنباء الوطن -

زياد الرفاتي

على ضوء الاجتهادات الفردية التي صدرت بتاريخ 16/4/2022 بأن الأردن يقترب بسرعة من اعتباره دولة مفلسة .
فقد جانب ذلك الصواب والواقع والحقائق ، من خلال بيان ما يلي :-
ان مفهوم الافلاس في القوانين المدنية والتجارية يقوم على عدم قدرة المدين على الوفاء بالتزاماته وديونه تجاه الغير.
وعدم الوفاء يكمن في العسر المالي الدائم وليس المؤقت ، والنقص الشديد في السيولة ، وعدم امتلاك أصول مالية أو عينية قابلة للتسييل تكون قادرة على تغطية الالتزامات ولا سيما المستحقة وغير المسددة منها ، وعلينا أن نفصل هنا بين الديون المستحقة التي طالب بها الدائنون وعجز المدين عن سدادها وبين الديون التي لها اجال استحقاق مستقبلية لم يحن موعد استحقاق دفعها بغض النظر عن حجم الدين القائم .
وبتطبيق عناصر ذلك المفهوم ، نجد أنه لا ينطبق على الدولة الأردنية ، فهي لا تواجه عسرا دائما أو نقصا شديدا في السيولة يمنعها من سداد التزاماتها وديونها ولم يطالبها وتعثرت وليس أقرب مثال على ذلك سداد فوائد وأقساط الديون الداخلية والخارجية في مواعيد الاستحقاق ، ودفع فاتورة الرواتب الشهرية للجهازين المدني والعسكري في مواعيدها دون تأخير ، ومطالبات الموردين وادامة العمليات التشغيلية دون خلل فيها ، وامتلاكها الأصول المالية والعينية .
ولو تعثرت لقامت فورا مؤسسات التصنيف الدولية بتخفيض تصنيف الدولة الائتماني بما يزيد من مخاطرها ويخفض فرصة الحصول على تمويلات جديدة ، بل العكس من ذلك فان التصنيف الائتماني الدولي الأخير لها بدرجة B+ مريح وذو نظرة مستقرة
واعتمادا على ذلك التصنيف وشهادات مؤسسات التمويل الدولية بأداء الاقتصاد الأردني التي تتم بموجب مراجعات دورية وميدانية وباجتماعات مع فريق العمل الحكومي ، يتم منح القروض والمنح الخارجية للأردن سواء لدعم الخزينة أو الدعم للجوء السوري أو تمويل المشاريع الاستراتيجية والحيوية االكبرى كمشاريع النقل والطاقة والمياه واخرها الناقل الوطني للمياه من خليج العقية بكلفة تصل الى 2،5 مليار دولار , ولو كانت المؤشرات سلبية أو حرجة لتردد المقرضون والمانحون في تقديم التمويل .
ويفترض النظر الى هذه الأمور من خلال هذا المنظار بعيدا عن أي اعتبارات أخرى غير مقنعة وغير مجدية وغير عملية .
ان زيادة حجم الدين العام حتى وان وصل الى 34 مليار دينار أردني بما يعادل 110% من الناتج المحلي الاجمالي لا يشكل خطورة كبيرة ولا يوقف ذلك عملية الاقتراض طالما كان موجها للمشاريع الاستراتيجية والتنموية والاستثمارية التي تحفز الاستثمار والنموالاقتصادي وتشغل الأيدي العاملة وتحقق عوائد منها عند الانتهاء من انجازها وتشغيلها .
علاوة على ذلك ، فان النظرة العامة للدولة في بعض الأحيان تنظر الى المشروع كمنفعة تتحقق للمواطنين أكثر من نظرة العائد المالي منها ، باعتبارها أنها تقدم خدمات وتطور البنية التحنية أكثر من نظرتها الى الربح المادي ، مثل بناء المستشفيات وتشييد الطرق واقامة السدود المائية وتطوير مشاريع المياه والبحث عن موارد مائية جديدة لتوفير ديمومتها لمستخدميها.
وفي هذا السياق ، نشير الى أن كثيرا من دول العالم ومنها الولايات المتحدة والصين واليابان وهي دول صناعية كبرى ودول أسيوية وعربية مثل تونس ومصر موازناتها مثقلة بالديون وتفوق ناتجها المحلي الاجمالي ، ولم تعلن أي منها انها اقتربت من الافلاس بسبب تلك الديون .
وهذه المناسبة نبين ، أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر أكبر دولة مدينة في العالم وعليها ديون بمقدار 2000 مليار دولار .
أما الاقتصاد العالمي ، فان حجم الديون على دول العالم تعادل ثلاثة أمثال حجم الاقتصاد العالمي .
أما عجز الموازنة فاذا نظرنا اليه كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي فانه يقع ضمن الحدود الطبيعية ، والبطالة والفقر فهما ظواهر اجتماعية وليست اقتصادية ولا تقودان الى الافلاس ، والتضخم ضمن النسبة المستهدفة في الموازنة للعام 2022 المقدر 2،5% وهو ناتج بالأساس عن أرتفاع أسعار سلع مستوردة وليست منتجة محليا .
أما الضرائب ، فقد مرت موازنتي العام 2021 والعام 2022 بدون فرض ضرائب جديدة وهو ما حرصت عليه الحكومة والتزمت به .
وعملت مؤخرا على تخفيض نسبة ضريبة المبيعات على العديد من السلع لتعزيز القدرات الشرائية للمواطنين .
ويمكن وضع خطة حكومية تنفذ تدريجيا وعلى مدى عدة سنوات للتخفيض التدريجي لنسب ضريبة المبيعات على السلع والخدمات للوصول بها الى الحدود الدنيا أو الصفرية عند توفر الموارد المالية البديلة التي ترفد الايرادات العامة في موازنة الدولة باعتبارها تشكل بندا رئيسيا فيها ، وبخلاف ذلك ستبقى ضريبة المبيعات مصدرا رئيسيا للايرادات الحكومية شئنا أم أبينا .
ان الأردن يتمتع باحتياطيات من العملات الأجنبية والذهب بما يقارب 18 مليار دولار أمريكي وتكفي لتغطية مستوردات البلاد فترة تسعة أشهر ، وهي كافية لنسف فكرة ان الأردن يقترب من الافلاس .
كما أن الأردن يحتل المرتبة الثامنة عربيا في احتياطي الذهب ، ويسبق دول عربية أخرى .
عدا عن العائدات المنتظمة من السياحة الخارجية والحوالات وتدفقات الاتستثمارات الأجنبية والمساعدات والمنح التي تغذي الاحتياطيات ، وتجعلها تحافظ دوما على استقرارها والتي يعمل البنك المركزي الأردني على ادارتها بكل كفاءة وفعالية وبما يحقق الاستقرار المالي والنقدي والسيطرة على معدلات التضخم بفعل سياساته الحصيفة في ذلك ، ومتابعته المستمرة للمستجدات الاقتصادية الخارجية والدولية واتخاذه الاجراءات والقرارات المناسبة بشأنها .
ان الجهاز المصرفي الأردني يعتبر بمثابة المرأة التي تعكس أوضاع الاقتصاد الوطني .
ولو استعرضنا أبرز المقاييس والمؤشرات المالية لذلك الجهاز ، لوجدنا تمتعه بالقوة والمتانة والملاءة المالية .
فالميزانية العامة المجمعة للبنوك المحلية تصل الى حوالي 55 مليار دينار أي ضعف حجم الاقتصاد الأردني ،وودائع العملاء في نمو تدريجي حيث وصلت الى 40 مليار دينار ، والسيولة القانونية الى 141% وتزيد عن الحد الأدنى المطلوب والبالغ 100% مما يعكس السيولة الوفيرة لدى الجهاز المصرفي وقدرته على الوفاء بالالتزامات ، وكفاية رأس المال بنسبة 18% وتزيد عن الحد الأدنى المطلوب البالغ 10،5% حسب معيار لجنة بازل العالمية وهذه النسبة تعكس المتانة والملاءة المالية للبنوك وقدرتها على تحمل المخاطر .
وانخفاض نسبة الديون غير العاملة الى 5% وهي نسبة متدنية وفقا للمعايير العالمية ، ووصول نسبة تغطية المخصصات الى الديون غير العاملة الى 80% ، أي أن 80% من الديون غير العاملة مغطاة بممخصصات وتعمل البنوك على الوصول بتلك النسبة الى 100% .
أما ربحية البنوك بعد الضريبة في العام الماضي ، فقد وصلت الى 550 مليون دينار ووزعت أرباحا بنسب جيدة الى مساهميها وكذلك مستثمريها من الخارج مما يعزز تقتهم بالاستثمار بالأردن ويعكس البيئة الاستثمارية الامنة والمريحة والجاذبة للاستثمار .
وليس أدل على ذلك استمرار تدفق الاستثمارات الأجنبية الى البلاد وما يواكبها من تحسين وتطوير السياسات والاجراءات الاستثمارية والتي من ضمنها وضع قانون استثمار عصري يغطي كافة جوانب العملية الاستثمارية تلبية للتوجيهات الملكية السامية والحرص الحكومي على تحقيق ذلك .
كما عملت البنوك على الابتكار وتطويرالتكنولوجيا المالية والتحول الى الرقمنة ، من خلال تقديم خدمات مصرفية متكاملة من خلال البتوك الرقمية وبما يوفر الوقت والجهد والتكلفة وتبسيط الاجراءات في الحصول على الخدمة وبأعلى درجات الأمان والسرعة والدقة ، وبما يعزز الشمول المالي في المملكة للمستفيدين من الخدمات المالية والمصرفية وانطمة الدفع الألكتروني ، وكذلك تعزيز منظومة المستهلك المالي التي أنشأ لها البنك المركزي دائرة مستقلة بها ، والتزام البنوك بتطبيق الحوكمة الرشيدة .
أما بورصة عمان للأوراق المالية والتي هي مؤشر اخر من مؤشرات الاقتصاد الوطني ، فقد ارتفعت القيمة السوقية لأسهم الشركات المدرجة فيها لتصل الى 15،5 مليار دينار ، اضافة الى ارتفاع أحجام التداول بالأسهم ، ودخول مستثمرين أجانب في الشركات الأردنية المدرجة حيث تبلغ نسبة ملكية الأجانب ما يقارب 50% أي النصف مدعومة بالثقة والعوائد المجزية والتشريعات الجاذبةوالأمن والأمان والاستقرار الذي يشكل ركنا أساسيا من أركان جذب الاستثمار الخارجي .
وهنا لا بد من التطرق ايضا الى عملة الدينار الأردني وهو قوي ومستقر ومرتبط منذ العام 1995 بالدولار الأمريكي الأقوى في العالم ولا ينازعه عملة أخرى ، وعملتنا ذو موثوقية عالية وهو رابع عملة في العالم من حيث القيمة النقدية .
ان الأردن بفضل قيادته الحكيمة يحظى باحترام وتقدير العالم وله مكانته المتميزة في المحافل الدولية وهوصاحب مشاركات ومبادرات في نبذ العنف ونشر الأمن والسلام من خلال مشاركات قواتنا المسلحة الباسلة في العديد من أماكن الصراع في العالم بتكليف من الأمم المتحدة التي رأت في قواتنا الاحترافية والجاهزية والانضباطية والسمعة الممتازة وقدرتها على القيام بالواجب على أكمل وجه .
كما أن الأردن يتمتع بموقع جيوسياسي في المنطقة العربية ، وتنظر له دول العالم بدولة الاعتدال والوسطية والتسامح والتضامن وموئل الهجرات العربية اليه في أوقات الصراعات والحروب حيث فتح أبوابه للأشقاء العرب طوال العقود الماضية ومن دول متعددة ، وكان هذا محل تقدير من معظم دول العالم ، ولا بمكن بأي حال من الأحوال السماح بأن يهتز الأردن اقتصاديا أو ماليا .
ان جميع ما تقدم من المؤشرات الاقتصادية والمالية وموقع الأردن تنفي مقولة انه يفترب من الافلاس ، وهو القول الذي لا يستند الى أسس أو وقائع أو حقائق.