باحثون أعادوا شباب خلايا الجلد 30 سنة
في تقدّم بحثي جديد باتجاه الحفاظ على الشباب والحيوية، نشرت مجلة eLife بحثاً يتوقع فيه التوصل إلى تقنية، يمكن من خلالها إعادة عقارب ساعة خلايا الجلد بحوالي 30 سنة، بشكل يعيد الصحة والشباب إلى هذه الخلايا من دون أن تفقد وظيفتها المتخصصة. فقد تمكن الباحثون في برنامج «علم التخلق أو الطب التجديدي» التابع لهذا المعهد من استعادة وظيفة خلايا قديمة وتجديد مقاييسها الجزيئية. ورغم أن هذه البحث لا يزال في مرحلته المبكرة من الاستكشاف، فإنه يتوقع حدوث ثورة في الطب التجديدي.
ومع تقدمنا في العمر تنخفض قدرة خلايانا على العمل، وتتراكم عليها آثار وعلامات الشيخوخة. ويهدف علم الطب التجديدي إلى إصلاح أو استبدال الخلايا المتقدمة في العمر أو التالفة بأخرى جديدة حتى يستعيد العضو أو النسيج صحته وشبابه.
ومن أهم أدوات علم الطب التجديدي هي عملية تكوين خلايا جذعية، وهي طريقة مبنية على تقنية حائزة جائزة نوبل، التي تتدرج عبر عدة خطوات، يتم في كل منها محو بعض العلامات التي تجعل الخلايا متخصصة.
ومن الناحية النظرية، ستنتج في النهاية خلايا جذعية نقية يمكن تطويرها لتصبح أي نوع من الخلايا. إلا أن العلماء لا يزالون في طور اكتشاف كيفية تهيئة الظروف بشكل موثوق، حتى يمكن التحكّم بتطوير وتفرقة الخلايا الجذعية وتخليق الأنواع المرغوبة من الخلايا.
برمجة الخلايا لعكس عقارب الساعة
في عام 2007، حصل د. شينيا ياماناكا على جائزة نوبل لابتكاره عملية تحويل الخلايا الطبيعية، التي لها وظيفة محددة، إلى خلايا جذعية نقية تتمتع بقدرة خاصة على التطور إلى أي نوع من الخلايا.
ويستخدم الباحثون حالياً هذه الطريقة لصنع خلايا جذعية نقية ليس لها هوية، حتى يمكن برمجتها لتنمو إلى الخلايا المرغوب في إنتاجها.
وتسمح هذه التقنية بإيجاد التوازن الدقيق بين إعادة برمجة الخلايا (جعلها أصغر سناً من الناحية البيولوجية) مع استمرار وظائفها الخلوية المتخصصة. وتستغرق هذه التقنية 50 يوماً، وتتطلب أربع خطوات رئيسية.
أما الطريقة الجديدة التي سجلتها الدراسة الحديثة فتسمى «مرحلة النضج وإعادة البرمجة العابرة»، وخلالها تتم إزالة التغييرات المرتبطة بالعمر وفقدان مؤقت لهوية لخلايا الجلد المعمرة او القديمة. ثم يتم بعد ذلك اعطاء الخلايا المعاد برمجتها جزئياً وقتاً حتى تنمو في ظل ظروف خاصة، ومراقبة ما إذا كانت وظيفة خلايا الجلد قد عادت أم لا. وقد أظهر تحليل الجينوم أن الخلايا المعاد برمجتها قد استعادت جميع الخصائص المميزة لخلايا الجلد الشابة، ومن أهمها نشاط إنتاج الكولاجين بشكل مشابه لأي خلية جلدية شابة.
العمر ليس مجرّد رقم
للتأكد من أن الخلايا المبرمجة استعادت شبابها، قام الباحثون بتقييم التغييرات في السمات المميزة للشيخوخة ومقاييس تحدد العمر الخلوي. مثل:
◄ الساعة البيولوجية الكيميائية التي تعتمد على علامات كيميائية موجودة في أنحاء الجينوم وفق عمر الخلية.
◄ الترنسكريبتوم وهي عبارة عن كل القراءات الجينية التي تنتجها الخلية.
ومن خلال هذين المقياسين، وجد الباحثون تطابقاً بين الخلايا المعاد برمجتها مع خلايا تصغرها بحوالي 30 عاماً.
علاجية وليست تجميلية فقط
لم تظهر هذه الخلايا أصغر سناً فحسب، بل وكانت تعمل أيضاً مثل الخلايا الفتية، حيث استعادت قدرتها على إنتاج الكولاجين بشكل نشط، وهي المادة الأساسية لبنية العظام، والأوتار، والأربطة، والجلد. وهو ما يساعد على دعم بنية الأنسجة وشفاء الجروح.
ويرى الباحثون أن تطبيقات هذه التقنية لن تشمل إعادة الشباب إلى الجلد والعظام والمفاصل فقط، بل والمناطق التي تحتاج إلى الإصلاح.
فقد كشفت إحدى الدراسات أن الخلايا المعاد برمجتها (الشابة) تنتقل إلى أي فجوة في الأنسجة أو العظام وترمم التالف بشكل أسرع من الخلايا القديمة. وهذه علامة واعدة تدل على أنه في يوم من الأيام قد تستخدم هذه التقنية لإنشاء علاجات أفضل لالتئام الجروح، ومشاكل البشرة، ونخر العظام وغيرها. كما يضاف إلى ذلك إمكانيات علاجية أخرى ترتبط بأمراض تقدم العمر.
ومن جانب آخر، كشفت الأبحاث عن تأثير لهذه التقنية على جين APBA2 المرتبط بمرض الزهايمر وجين MAF الذي يلعب دوراً في تطوير إعتام عدسة العين. لذا، فمن الممكن أن يكون لهذه التقنية دور في الوقاية من أمراض الخرف والتدهور العصبي والحسي.
وعلق البروفيسور د. ديلجيت جيل، من مختبر وولف ريك في المعهد ابراهام قائلاً: «لقد تطور فهمنا للشيخوخة على المستوى الجزيئي خلال العقد الماضي، مما أدى إلى ظهور تقنيات تسمح للباحثين بقياس التغيرات الخلوية البيولوجية المرتبطة بالعمر (بمعنى علامات شيخوخة الخلايا الجزيئية). وتمكنا من تطبيق ذلك على تجربتنا لتقييم نجاح وكفاءة إعادة البرمجة التي تم تحقيقها. ورغم اننا ما زلنا بحاجة إلى مزيد من الفهم والقدرة على تحدي الخطوات الأكثر أماناً وفعالية لإنتاج خلايا جذعية خاصة للجلد، فإن نتائجنا تمثل خطوة كبيرة إلى الأمام في فهمنا لإعادة برمجة الخلايا. فقد أثبتنا أن الخلايا يمكن أن تتجدد من دون أن تفقد وظيفتها».