هل نجحت إسرائيل في زرع انقسام بين حماس والجهاد؟
قد تشكل الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة محطة مفصلية في المواجهات بين قوات الاحتلال والفصائل الفلسطينة في قطاع غزة، إن لم يكن في مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي برمته.
فعلى غير ما كان متوقعا، التزمت حماس الحياد في المواجهة الأخيرة، وتركت حليفتها التاريخية، والأيديولوجية حركة الجهاد الإسلامي وحيدة في الميدان، رغم ما سببه ذلك لها من إحراج أمام قواعدها في القطاع وفي الضفة الغربية وغيرهما من مناطق الانتشار الفلسطيني.
وكانت السرعة التي تم فيها إنجاز اتفاق تهدئه بين الجهاد الإسلامي وإسرائيل، مؤشرًا على أن إسرائيل نجحت في استثمار التباين بين الحركتين الإسلاميتين، بجعله إرهاصا محتملا لانقسام جديد داخل الجسم الفلسطيني الذي يعاني ،حاليا، انقساما تاريخيا بين السلطة الفلسطينة في الضفة الغربية من جهة، وحركة حماس الإسلامية في غزة من جهة أخرى.
ومع أن حركة الجهاد لا تشكل بالمقياس العسكري ندا حقيقيا لحركة حماس، لكن وجودها في القطاع يعطيها فرصة القيام بدور سياسي، ومزاحمتها في النشاط الأمامي لبعض الأجندات الإقليمية .
وتشير مسارات التصعيد الأخير بين الجهاد الإسلامي وقوات الاحتلال، إلى أن العمليات التي قامت بها إسرائيل، كانت بمثابة استدراج محسوب لتوريط الفصائل الفلسطينية – وخاصة حركة الجهاد – في مواجهات لا تملك مفاتيح حساباتها، ولا كيفية التعامل مع تداعياتها ونتائجها.
وحسب التقييمات السياسية للعملية الإسرائيلية في القطاع، فإنها كانت تخدم بشكل أو آخر حكومة الائتلاف الإسرائيلية، التي يقودها لابيد ، في مواجهة زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو الطامح للعودة إلى سدة رئاسة الحكومة في الانتخابات المقبلة بعد شهرين. فلابيد كان يحتاج إلى عملية عسكرية تظهره كقائد حازم يملك القدرة على مواجهة التحديات التي يشكلها الوجود المسلح في غزة، وأيضا احتمالات تمدد هذا الوجود إلى مناطق في الضفة الغربية التي تشهد تصاعدا في نشاط الحركات الإسلامية، وانتعاشا في حجم التأثير السياسي والعسكري داخل تلك المناطق.
حكومة لابيد حاولت ضرب عصفورين بحجر واحد في العدوان الأخير على القطاع: فقد أرادت من خلال الكيل بمكيالين في مواجهة الفصائل الفلسطينة في القطاع تعميق الخلافات بين ”الجهاد“ و“حماس“، وتحويل تلك الخلافات من صراع داخلي على النفوذ، إلى خلافات أيديولوجية، بشأن النهج الذي يواجه به الفصيلان التحدي الإسرائيلي.
ومع أنه من غير المتوقع أن يتغير الخطاب الحمساوي تجاه إسرائيل بنتيجة المواجهات الدامية الأخيرة، فإن من المتوقع على نطاق واسع، أن يثير موقف حماس وترددها من المشاركة في إطلاق الصواريح على البلدات والمدن الإسرائيلية، تساؤلات جدية في الشارع الفلسطيني حول حقيقة الدور الذي تلعبه حماس، وما إذا كانت لها قنوات خلفية مع اسرائيل، لضبط حدود وإيقاع أي مواجهات ممكنة مع تل أبيب.
والأمر المؤكد أن الموقف الحمساوي الأخير من شأنه إبطاء تسارع تأثير الفصائل الإسلامية في الضفة الغربية، فالقواعد الشعبية لهذه الفصائل في الضفة ستجد صعوبة في الرهان السياسي والعسكري على ما تقوم به هذه الفصائل في غزة، بعد أن أظهرت المواجهات الأخيرة أن النشاط العسكري الذي تقوم به تلك الفصائل محكوم باعتبارات سياسية، وتفاهمات بعيدة عن ظاهر النشاط الميداني، سواء في الضفة الغربية أو في القطاع.
والتساؤل الذي يمكن أن تثيره التهدئة السريعة التي انتهت إليها المواجهة الأخيرة بين قوات الاحتلال والفصائل في غزة، هو ما إذا كانت تلك التهدئة هي مقدمة لتفاهمات سياسية لاحقة، خاصة إذا نجحت حكومة لابيد في استثمار نجاحها في العملية الأخيرة، بالعودة بعد الانتخابات الأخيرة إلى السلطة بأغلبية مريحة تعطيها حرية الحركة في المسارات السياسية، حتى تلك المعطلة منذ عدة عقود.
إرم نيوز