أكبر من التوقعات!” بقلم الدكتور يعقوب ناصر الدين


أنباء الوطن -

الدكتور يعقوب ناصر الدين 

تشهد محافظات المملكة حيوية تبعث على الارتياح تجاه الانضمام للأحزاب الوطنية الناشئة، وتجري عمليات انتخاب أعضاء المجالس المركزية بروح عالية من المسؤولية من جانب الأعضاء الذين يشاركون كذلك في مناقشة النظام الأساسي، وجميع التفاصيل المتصلة بالرؤية والرسالة، وبالبرامج والأهداف وقد تجاوزا معظم الملاحظات والتحسبات التي سادت فترة التحضير التي رافقت أعمال اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وما تلاها من آراء ووجهات نظر مختلفة أثناء مناقشة وإقرار قانوني الانتخاب والأحزاب من مجلس الأمة.

ليس هناك الآن مكان للتشكيك في جدية المرحلة التي تؤسس لبيئة ساسية جديدة تجذب إليها كل الذين كانوا يبحثون على مدى فترة طويلة عن أطر قانونية منظمة يعبرون من خلالها عن مواقفهم وطموحاتهم وغيرتهم على بلدهم، وحرصهم على صون امنه واستقراره، وعلى مشاركتهم في حل مشكلاته، ورسم ملامح مستقبله، ولم يكن يثنيهم عن ذلك سوى الشعور العام بأن الواقع الحزبي في ذلك الحين ليس متسعا بما فيه الكفاية لكي يستوعب تلك الطموحات!

من خلال النقاش الموضوعي أدرك الجميع الفوارق بين مرحلة وأخرى في التجربة الحزبية الأردنية التي قامت أساسا على مفهوم الأحزاب الوطنية قبل أن تنتشر أيدولوجيات الأحزاب القومية والأممية التي حملت في معظمها مشاريع خارج الإطار الوطني وأظهرت عداوتها ومخططاتها ضد الأردن ونظامه وتكوينه، فكان من الطبيعي أن يتصدى لها حفاظا على وجوده ومصالحه العليا، وقد أثبتت الوقائع فيما بعد حجم المآسي الناجمة عن وصول بعض تلك الأحزاب إلى السلطة في عدد من البلدان العربية.

لقد انجلى ذلك الخلط بين الأحزاب الوطنية البرامجية، والأحزاب الأيدلوجية على اختلاف أنواعها وتجاربها المريرة، وأصبحت الفكرة أكثر وضوحا من أي وقت مضى من حيث الحاضنة التي تجمع التيارات سواء يسار أو وسط أو يمين على هدف واحد يتمثل في التسابق على خدمة الوطن، وتعزيز أمنه واستقراره ونهضته الحديثة، وتثبيت عناصر قوته في مواجهة التحديات، وعوامل ثقله في التوازنات الإقليمية والدولية.

في كل مرة تعقد فيها اللقاءات الحزبية – تلك التي حضرتها وشاركت فيها على الأقل – تجد الجميع يتحدثون بواقعية منقطعة النظير عن ترتيبات الحاضر ومقتضيات المستقبل، وفي كل لقاء مع القواعد الشعبية على امتداد الأردن تتولد أجواء من الألفة والصراحة والصدق، ويتولد معها شعور غامر بالثقة والأمل يفوق كل التوقعات، بالرغم من أن البيئة السياسية اللازمة ما تزال في بداياتها المتواضعة!

ليست الأحزاب الناشئة وحدها مسؤولة عن خلق البيئة السياسية المأمولة ، فتلك مسؤولية مشتركة بين الجميع ، ولا بد هنا من توجيه التحية إلى الهيئات والجامعات وقادة الرأي الذين أخذوا على عاتقهم تفعيل هذه الحيوية السياسية ، ليثروا النقاش حول الحياة الحزبية التي ستقودنا في أمد قريب إلى المشاركة في الانتخابات النيابية القادمة ، ويمكن أن تقودنا فيما بعد إلى تشكيل حكومات برلمانية ، أو المشاركة في تشكيلها ، بما يحقق الهدف الأسمى ألا وهو المشاركة في اتخاذ القرار ، وحمل أمانة المسؤولية على اختلاف مستوياتها وفق قواعد الديمقراطية الحقيقية .