جدلية كل عام وأنتم بخير
بقلم / الأستاذ الدكتور رشيد عبّاس
عند قدوم أعياد جديدة, أو عند قدوم أعوام جديدة.. نطلق عبارة يفهما الجميع تتمثل في: (كل عام وأنتم بخير), هذه العبارة لحسن طالعها تشمل عدة عناصر, فهي تشمل على تعميم كلي, وتشمل على دورة كاملة متكاملة, وتشمل على أسلوب خطابي جميل, ناهيك عن شمولها على تمنيات طيبة وايجابية محببة للنفس البشرية, ولكن يبقى هناك جملة من الأسئلة لا بد من التوقف عندها.
حين نقول للآخرين كل عام وأنتم بخير.. هل نقصد بذلك العام المنصرم والذي انقضى بخيره وشره؟ أم نقصد بذلك تطلعات خيّرة للعام الجديد؟ عبارة (كل عام وأنت بخير) هل يعني ذلك تهنئته الآخرين بالصحة والسلامة لعبورهم ومرورهم العام المنصرم؟ أم أننا نتمنى لهم أن يعبروا العام الجديد بالصحة والسلامة؟ وأكثر من ذلك هل نقصد بالخير الخير بالصحة والسلامة لينسحب ذلك على حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهم؟ أسئلة كثيرة تطرح حين نهنئ الآخرين بقدوم أعياد جديدة, أو أعوام جديدة.
البعض منا يتمنى أن تتجدد أو أن تعاد صفحة العام الماضي بكل ما فيها, والبعض الآخر يتمنى أن تقلب أو أن تطوى دون رجعة صفحات العام الماضي بكل ما فيها, ولكل منا تقديراته وأحاسيسه في ذلك.
لو طرحنا أسئلة من نوع: كيف كان عام 2022م بالنسبة لنا؟ وهل نتمنى عودة مجرياته في العام الجديد 2023م؟ وقمنا بعد ذلك بتركيب عبارة كل عام وأنتم بخير على اجاباتنا.. أعتقد جازماً أن عبارة كل عام وأنتم بخير عبارة تؤكد على ما جاء من خير علينا في العام الماضي, ونتمنى عودة الخير في العام الجديد, انها عبارة جدلية فيها أبعاد فلسفية أكثر بكثير مما قد نتصور.
إن الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للعام 2022م والتي مررنا بها تختلف بالتأكيد من شخص إلى آخر, ومن منطقة إلى أخرى, وتختلف من دولة إلى أخرى, , وهذا ينعي أن استخدام عبارة كل عام وأنتم بخير عبارة جدلية لها أبعاد فلسفية يتغير شكلها ومضمونها مع كل مكان ومع كل زمان نعيش فيه.
لقد باتت هذه العبارة (كل عام وأنتم بخير) للأسف الشديد خجولة مرتمية على شفاهنا المتعبة.. نعم لم تستقر في وجداننا العميق, نقولها ونحن لا نعي بالضبط المعنى الحقيقي للخير فيها, فقد تجد الخير كل الخير في أبسط الأمور وأسهلها, وعلينا أن ندرك تماماً أن عملية حساب الخير لا تتم على الإطلاق بالعمليات الحسابية الأربع على دفاتر الحساب, ولا تتم عبر الآلات الحاسبة المتطورة, كيف لا وحواسنا الخمس عاجزة عن معرفة حدود وشكل الخير الذي نحتاجه ويحتاجه كل واحد فينا.
بقي أن نقول: الخير في عبارة (كل عام وأنتم بخير) لا يمكن أن تُدركه الأبصار.