درس في الكاز


أنباء الوطن -

 

الأستاذ الدكتور رشيد عبّاس

مبررات وجود درس في كتاب القراءة والمطالعة للصف السادس تحت عنوان (الكاز) باتت اليوم موجودة, فقد ينفلت قلم أحد الكتاب هذه الأيام لصياغة درس حول مادة الكاز في كتاب القراءة والمطالعة وذلك لغرس قيمة وأهمية الكاز بالنسبة لطبقة كبيرة من طبقات المجتمع, وحسب معلوماتي التربوية أن دروس القراءة والمطالعة سابقاً في ستينات وسبعينات القرن الماضي كانت تُأخذ من واقع ومعاناة حياة المجتمع القروية والريفية في تلك الفترة, فدرس عُرس القرية مثلاً, ودرس الديك الحذر, ودرس قطف الزيتون, ودرس ربوعنا الخضراء, ودرس حراثة الأرض, ودرس جمع الحطب.. مثل هذه الدروس وغيرها كانت شواهد على طبيعة الحياة الاجتماعية للمجتمع ككل.

لا أستغرب يوما من الأيام أن يصبح موضوع مادة الكاز احد أبرز مواضيع التعبير (الإنشاء) في امتحاناتنا الوطنية, ولا أستغرب أيضاً أن تصبح السلاسل والروابط الكيميائية لمادة الكاز هي احد برامج مشاريع التخرج لطلبة الجامعة المتخصصين في الكيماء, وربما نجد على دفاتر الرسم التابعة للأطفال رسومات لها علاقة بمادة الكاز.   

 لقد أعطينا هذه المادة أكثر من حجمها, مع أنها تمس طبقة محدودة من المجتمع في فصل الشتاء فقط, كيف لا وقد أصبح موضوع الكاز لدينا حديث جميع أفراد المجتمع بجميع فئاته وجميع طبقاته, حتى الأغنياء الذين لا يستخدموا مادة الكاز بات حديثهم هذه الأيام عن هذه المادة, وأكثر من ذلك نجد أن المعارضة الخارجية قد استخدموا هذه المادة لبيان تقصير الحكومة في دعم هذه المادة والعمل على رفع الضريبة عنها!

أُدرك تماماً أهمية هذه المادة في فصل الشتاء بالنسبة للفقراء ولذوي الدخل المحدود, وأبرّر لهم مطالباتهم المستمرة بخفض اسعارها ولهم الحق الكبير في ذلك, لكنني لا أفهم على الإطلاق تململ طبقة الأغنياء عند رفع سعر هذه المادة, في الوقت الذي لا يستخدموا مثل هذه المادة في حياتهم اليومية لا من قريب ولا من بعيد.

أعتقد أن رئاسة الوزراء اجتمعت لمادة الكاز أكثر مما تجتمع لصياغة مشاريع تنموية تهم الوطن والمواطن, وأعتقد أن المجتمع الأردني بجميع طبقاته وفئاته تحدث عن مادة الكاز أكثر مما يتحدث عن دور الأسرة في تخفيف انحراف الشباب, وأعتقد أن بعض الائمة في بعض المساجد لدينا تحدثوا عن مادة الكاز أكثر مما تحدثوا عن حكم قطع يد السارق والسارقة, وأعتقد أيضاً أن المعارضة الداخلية والخارجية قد تناولوا موضوع الكاز أكثر من تناولهما (معاناة) موجة البرد التي اجتاحت البلدان التي يقيمون فيها.

موقف النواب لدينا كان مختلفاً.. فقد وصل الأمر بأحدهم أن توجه بسيارته الفاخرة إلى احد محطات الوقود وطلب من الموظف أن يضع له بقيمة (25) دينار كاز بدلاً من البنزين, لولا لطف الله سبحانه وتعالى, وانتباه موظف المحطة, قائلاً له: هذا كاز وليس بنزين!

لقد صرفنا وقتا طويلاً حول مادة الكاز, مع أن الطبقة الدنيا هي التي تستخدم هذه المادة فقط وفي فصل الشتاء بالذات, معتقداً أن هناك مواد أكثر أهمية من مادة الكاز, وتستخدم من قبل جميع طبقات وفئات المجتمع, وفي جميع فصول السنة, وسعرها مرتف جداً, لكن لم يتم تسليط الضوء عليها, والاحتجاج حولها.

رحم الله أبي حين كان يشتري ربع تنكة كاز (5) لتر فقط يحملها من مسافة بعيدة مشياً على الاقدام.. وذلك لضيق الحال, ولم أشهد له أية شكوى على الإطلاق يوماُ من الايام, ورحم الله أمي فقد كانت تستخدم مادة الكاز للبابور نمرة (4), وللقنديل نمرة (2), وللصوبة ماركة علاء الدين, ولقتل اسراب الصراصير السوداء, والنمل الأحمر والذباب الأزرق.. ومع ذلك لم أذكر أنها تذمّرت ذات يوم.

لقد توصلت لحلول جميع المعادلات الاجتماعية, لكنني اليوم توقفت عند حل معادلة مفادها (في الأمس.. ضيق حال محفوف بسعادة, واليوم.. ضيق حال محفوف بصخب)!. 

نريد درس في الكاز..