الحالات الإنسانية والاستثناءات ومبدأ تكافؤ الفرص
الأستاذ الدكتور رشيد عبّاس
يوماً بعد يوم تتعزز لدى المواطن الأردني البسيط قناعة مفادها أن الحالات الإنسانية والاستثناءات في التعيين مُبهمة, وكلما تقدم هذا المواطن خطوة للأمام في فهم بعض حيثيات الحالات الإنسانية والاستثناءات في التعيين, إلا انه يتراجع خطوتين للخلف في هذا الفهم, ويبدو أن مرد ذلك هو الواقع الذي تؤكده بعض الاختراقات والتجاوزات التي قد تحصل في التعيين هنا وهناك.
الدستور الأردني واضح كوضوح الشمس وينص على أن المواطنون الأردنيون متساوون في الحقوق والواجبات, وأن الأردنيون أمام القانون سواء, لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وان اختلفوا في العرق او اللغة او الدين, وتكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين بغض النظر عن الطبقة التي ينتمون لها.. ومع ذلك قد نجد بعض (الاستثناءات) في التعيين!
المواطن الأردني البسيط لا يفهم على الإطلاق شمول الأغنياء والاثرياء ورجال الدولة الكبار لسياسة (الحالات الإنسانية) التي تُدار رحاها في أروقة ديوان الخدمة المدنية اليوم, فالحالات الإنسانية يا معشر القوم كما يفهما الجميع هي للأسر الفقيرة والعائلات المحتاجة, تلك التي لا تملك ربما قوت يومها, ولا تملك بيت ولا سيارة, وليس لديها موظف واحد بالقطاع العام أو حتى بالقطاع الخاص.. مثل هذه الحالة تعتبر حالة خاصة يجب شمولها الحالات الإنسانية كي تسد حاجاتها الأولية من المأكل والمشرب والملبس والمسكن.
اعتقد جازماً أن الحالات الإنسانية في التعيين في ديوان الخدمة المدنية بحاجة ماسة لعمل مراجعات حقيقية, مع ضرورة الغاء ما يسمى بالاستثناءات بشكل كامل, كيف لا والدولة كفلت مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين, وأن المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات, وأن الأردنيون أمام القانون سواء, لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وان اختلفوا في العرق او اللغة او الدين, أو حتى في الطبقة التي ينتمون لها.
والحال هكذا, لا يمكن قبول الاستثناءات كمدخل من مداخل الحالات الإنسانية والتي هي ايضاً عليها اشارات استفهام كبيرة اليوم, في الوقت التي ضاعت فيه كثير من حقوق المواطنين بين دفّتي الاستثناءات والحالات الإنسانية, وأن (ترتيب) كثير من المواطنين آخذ بالتراجع شيئاً فشيئاً, وهذا محط كثير من التساؤلات والاستفسارات التي يطمح المواطن الاردني البسيط معرفته والوصول إليها.
نحن لسنا في دولة تحكمها شريعة الغاب, ولسنا مع الاستثناءات الغامضة, نحن في دولة مؤسسات تحكمها تعليمات وأنظمة وقوانين, ونحن مع الحالات الإنسانية ذات الأسس والمعايير واضحة المعالم, وعلى ديوان الخدمة أن يحافظ على ثقة المواطنين به, وذلك من خلال العمل بشفافية مطلقة أمام الجميع, والعمل من فوق الطاولة وليس من تحتها.
وإذا كان لا بد من الحالات الإنسانية في التعيين, على المعنيين في ديوان الخدمة المدنية أن يضعوا لها معايير واضحة المعالم مكشوفة أمام الجميع, وأن تطبّق مثل هذه المعايير على كافة المواطنين الأردنيين دون تمييز أو أي استثناء لاحد, وأن يضع ديوان الخدمة المدنية كافة هذه الاسس والمعايير ومستجداتها كإلغاء الامتحانات التنافسية لبعض الفئات مثلاً أمام كافة المواطنين الأردنيين.
ينبغي أن لا تتعارض الحالات الإنسانية في ديوان الخدمة المدنية مع مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين الذين تنطبق عليهم مثل هذه الحالات, مع ضرورة الغاء ما يسمى بـ(الاستثناءات) غائبة المعالم من أروقة ديوان الخدمة المدنية, كيف لا والأوراق النقاشية السبع لجلالة الملك عبد الله الثاني أكدت وما زالت تؤكد في شكلها ومضمونها مبدأ الشفافية وتكافؤ الفرص والعدل والمساواة بين جميع المواطنين الأردنيين.
أدعوا إلى تشكيل لجنة محايدة رفيعة المستوى لإدارة ديوان الخدمة المدنية, في الوقت الذي فيه قلوب وعيون الأردنيين كافة تتجه نحو هذا الديوان.