الجنرال هاشم المجالي يكتب : نحن في زمن الخلفاء الراشدين ومنظومة الفساد في الاردن لُغز يصعب حله ..؟؟
: بقلم الإعلامي العميد المتقاعد هاشم المجالي
. الكل يعرف أن الفساد منظومة متجددة ومتجذرة منذ ازل التاريخ وقد ابتدأت حيث بدأت الخليقة، فالجريمة التي حصلت في عهد سيدنا آدم بين ابنيه حيث قتل قابيل أخاه هابيل ومن ثم نزول العقاب الرباني لقابيل بنفيه هو ومن تبعه من نسله الذين كانوا يعمرون بعض الأحيان حوالي الألف سنة أو ما حولها ، هذا ما أوجد قسمان في المجتمع أحدهما فاسد يتبع نسل قابيل وذريته والأخر مجتمع صالح وصاحب فضيلة يتبع نسل سيدنا أدم وأولاده وذريته الصالحين . مجتمع قابيل لم ينحكم ولم يلتزم بالشريعة الربانية ولا التعاليم الإلاهية التي كانت ترسل لهم مع سيدنا آدم أو الملائكة وإنما اتبع قابيل وذريته النزوات الشيطانية والتعاليم الأبليسية وهوى النفس البشرية . ومن هنا بدأت بذرة الفساد من خلال عدم الإحتكام إلى القوانين الإلاهية أو التعاليم النبوية وصار الخروج عنها بغرض تحقيق النزوات والشهوات والمنافع المادية التي تغولت على كل ما هو منفعة روحية صافية يكون فيها طاعة الله وحب الخير للغير بدون مقابل . الكثير من مؤسسات الدولة الأردنية يوجد فيها فساد وإفساد وإخلالات مالية وترهلات إدارية وهذا شيء طبيعي ولا يمكن إنكاره حتى أنه وصل الأمر بمنظومة الفساد أن يتكلم عنها سيدنا جلالة الملك عبدالله الثاني وسمو ولي العهد الأمير الحسين حفظهما الله ورعاهما ، وقد صرّحا بهذا الأمر صراحة وعلانية وبلغة واضحة ومفهومة وعلى كل وسائل الإعلام وفي كل المؤتمرات والندوات الملكية وقد طالبا كل الحكومات الأردنية المتعاقبة بالإصلاحات ومحاربة منظومات الفساد ومعالجة كل الترهلات الإدارية التي عادة ما تكون هي شرارة وبذرة الفساد . ولكن للأسف أن معظم قادة هذه المؤسسات أو الوزارات لا يعترفون بوجود أي نوع من أنواع الفساد في مؤسساتهم وكأنهم يقولون نحن خلفاء راشدين وأتباعنا هم من التابعين أو من المبشرين بالجنة ولا يمكن أن يقترفوا الذنوب لأنهم من المعصومين عن الأخطاء والخطايا . والأمر المدهش والغريب أن هؤلاء الوزراء أو القادة والمدراء عندما يروا أن هنالك بواطن ومواطن للفساد قد تم كشفه من قبل وسائل الإعلام أو من قبل أفراد انتهجوا الإصلاح فإن هؤلاء الوزراء أو القادة يبدؤون بمحاربة المكتشفون المصلحون أنفسهم بدلا محاربة الفساد والمفسدون ومن ثم يقومون بالتستر على الفاسدين و يخفون أسباب الفساد ووسائله ويعطلون أي تحقيقات أو مراجعات وتحريات عن ما تم نشره أو كشفه حتى ولو كان صحيحا ، ومن هنا تبدأ بذرة الفساد في منظومتها من خلال عدم اعتراف المسؤولين بوجود المشكلة ومن ثم محاربة المصلحين أو الذين كشفوا هذه البذرة وكل هذا يؤدي إلى العلاقة العكسية ما بين المصلحون الذي ينقصون ويتلاشون بسبب محاربتهم للفساد وبين الفاسدين الذين تزداد إعدادهم ويعتمدون على مراكز قوى القادة الذين يدعمونهم ويحاربون من يقف في وجههم. الفساد منظومة موجودة على مرّ التاريخ ولا يمكن إعدامها أو مسحها من الوجود ولكن يمكن محاربتها وتقليل نسبتها بالرغم من أن لها صور مختلفة ومتعددة وهي أيضا كذلك متغيرة حسب الزمان والمكان وحسب القوانين والتشريعات ، ولكن يجب علينا أن نقرّ ونعترف حتى نحارب الفساد بأن أول خطوة يجب أن تكون من خلال الإعتراف بوجوده ومن ثم تكون المراحل الأخرى و الإنطلاقات نحو التصحيح والإصلاح ومحاربة رؤوس الفساد الذين لا يمكن الوصول إليهم أو ردعهم إلا بعد أن يتم الإعتراف بوجود الفساد . مؤسسات الوطن و وزاراتها ودوائرها ليست فاضلة ولا الذين يعملون بها أو يراجعونها مستقيمين كذلك القائمين عليها فهم ليسوا معصومين عن الأخطاء ولا كلهم فاضلون نزيهون . لقد كتبت مقالات كثيرة عن كثير من الوزارات والمؤسسات وشرحت وأوضحت فيها بعض المؤشرات على بواطن الفساد والترهلات ، ولكنني كنت افاجئ بأن بعض قادة هذه المؤسسات لا يهتموا إلا لكراسيهم ومواقعهم ويتخوفون عليها مما يجعلهم يراجعوننا من أجل سحب المقالات أو الكتابات التي كتبناها ، وتصير المشكلة ليس في الفساد وإنما فيمن فضح الفساد وكشف ستره وغطاه .