جرائم "تطهير عرقي" بحق أشجار القيقب المعمرة
رمزي الغزوي
يطالبني بعض الأصدقاء بالكفّ عن متابعة الجرائم المؤلمة والغاشمة بحق أشجارنا الحرجية حفاظا على وصحتي، وخوفا عليّ من الانفجار قهرا، بل أن أحدهم يرى بأنني أنفخ في "قربة مخزوقة" أو أصرخ في وادٍ لا يرجعُ إلا الصدى.
بدل أن يطالبني هؤلاء الأصدقاء بأمر ينبغي علينا أن نقوم به جميعا لحماية أشجارنا، أو بدل أن يطالبوا الأشجار ذاتها بالهجرة والفرار من مصيرها المحتوم في قابل الايام، عليهم أن يدعموا موقفنا في الدفاع عنها ويهبوا لنجدتها في ظل تفاقم تلك الجرائم وتزايدها أمام أعين وأسماع الجميع.
سيكون عليك اليوم أن تحمل قلباً من حجر؛ لتتمكن من عبور غاباتنا دون أن تتفجّر حزنا وقهرا، على ما ستراه من جرائم بحق أشجار السنديان والملول والبطم والقيقب. وسيكون عليك أن تتساءل بحرقة: كيف ولماذا وصلنا إلى هذا الحد؟ لماذا لم نوقف هذه المجازر؟ ولماذا تركنا المجرمين يسيدون ويميدون دون الضرب على يدهم؟. اعطونا مجرما واحدا منهم وراء القضبان.
هذه جرائم مستمرة، بل وتزداد شراسة وتوسعاً يوماً إثر يوم، وقد بدأت تأخذ طابع العمل التنظيمي العصاباتي، الذي وجد سبيلا للربح السهل الفاحش بالإعتداء على الغابات في ظل رخاوة القوانين وضعفنا حيال تطبيقها، وغياب الإرادة الحقيقية لوقفهم والضرب على أياديهم.
مع بالغ الأسف، فالبعض منا يقعُ في مغالطة كبيرة حين يعتقد أن من يجزّون الأشجار فقراء معوزون من أجل التدفئة، ولكنك حين تتحرّى في الأمر؛ ستعرف أن من يرتكب هذه الأفعال هم عصابات لديهم من يساندهم بالتغاضي عنهم وحمايتهم، وغض الطرف عن متابعتهم وملاحقتهم.
يوم السبت الماضي وثَّقت بالصورة عملية تطهير عرقي، وأنا هنا أعني هذا المصطلح تماماً، بحق أكبر أشجار القيقب الجميل في الأردن وربما في العالم، الواحدة منهن بعمر ألف سنة وأكثر، قتلت بدم بادر لتباع اشلاء للأثرياء تنير مواقدهم.
هؤلاء المجرمون تجار ومافيات تحطيب يرومون الثراء على حساب مقدرات الوطن. وهم معروفون لدى الجهات المختصة. وهنا جوهر القضية، وبيضة قبانها فيها. فلا يوجد رادع حقيقي يردعهم ويكسر شوكتهم. ولا قوانين قادرة على إيقافهم، وكأنهم محصنون شعبيا على ما يبدو.
مع تقديري لجهود وزارة الزراعة ونواياها الطيبة، إلا أنني أجدّد اليوم إطلاق صرختي بوجوب أن تناط مهمة حماية الغابات، على الأقل في هذا الوقت العصيب، بقواتنا المسلحة، فهي القادرة على إيقاف هذه الجرائم. وأطالب بوقفة وطنية شعبية حقيقية وصارمة، مع ضرورة مراجعة القوانين الناظمة لهذا المجال. دعونا نوقفهم قبل أن يفوت الفوت. ولا أعرف لماذا يغيب صوت جمعيات ومؤسسات حماية البيئة والطبيعة على كثرتها، عن الوقوف في وجه هذه الجرائم ومناهضتها؟