جنازة أستاذ جامعي تجوب طرقات الجامعة الأردنية
في سابقة لم تشهد لها الجامعة الاردنية مثيلا، جابت جنازة العالم أستاذ الكيمياء العضوية في كلية العلوم الدكتور مصطفى العبادلة طرقات الجامعة الأردنية، متّخذة قسم الكيمياء منطلقًا وشوارع الجامعة طريقًا لتشييع الراحل إلى مثواه الأخير، في مشهدٍ حرّك الأرض الصلبة ومالت له المشاعر كما لو أنّها سرو الجامعة، ذاك الشاهق الذي يشبه الراحل.
وأوصى العبادلة قبل وفاته أن يمر جثمانه بالجامعة الاردنية حيث ساحات العلم والمعرفة، وما كان من الجامعة إلا أن تبادله الوفاء بالوفاء فكان له ما أوصى في تذكارٍ بمروره هو بين طلبتها ومختبراتها وقاعاتها، ذاك المرور الخفيف الوطء، الكبير الأثر.
ومات العالم الجليل عن عمر ناهز 90 عامًا ملؤها العطاء والإنجاز، لكنّه لم يغب، فروحه معلقة أينما وجدلت ميادين العلم والمعرفة، وحيثما حلّت الفكرة ووجدت الرسالة، هو الذي أراد أن يوصل رسالته للطلبة حتى في مماته: أن العلم لا يفنى والأثر حتمًا سيبقى، رغم فناء الجسد.
وكتبت إحدى زميلاته وتلاميذه تصف المشهد "اقتربت حافلة نقل الموتى من كلية العلوم، وربضت أمام قسم الكيمياء حيث يعمل العبادلة لتحمل جسده الطاهر المسجى، كانت قطرات المطر تنهمر من السماء بخفة وحزن، وبلا صوت".
ورحل العبادلة وهو في أوجه، كبيرًا بين طلبته، وسط زمرة الباحثين والعلماء الذين انتمى إليهم وانتموا له. نعاه رئيس الجامعة الاردنية الدكتور نذير عبيدات بأصدق العبارات وأشدها تعبيرًا عن الفقد، قائلا "إن الفقيد الكبير ترك سيرة علمية طيبة، وأثرًا في مسيرة الجامعة الأردنية، حيث كان أنموذجا في العطاء الأكاديمي بشقيه التدريسي والبحثي على مدار 56 عامًا، قضاها بين زملائه وطلبته، والجامعة برحيله تفتقد مؤسسًا من مؤسسيها، وبانيًا من بناتها، ممن أسهموا في رسم منهجيتها العلمية العالية".
واستذكر عبيدات حضور الفقيد العبادلة على الصعيدين الوطني والأكاديمي، ودوره في دفع مسيرة كلية العلوم، تلك التي التحق إليها عام 1968م، واحدًا من روادها الأوائل، صاحب بصمة بارزة ومسيرة طيبة في تقدم ونهضة الجامعات الاردنية والعربية، هو العالم والمفكر والباحث، من حمل رسالة العلم نبراسًا علّقه على شجرة المعرفة الوارفة، أحد أبرز الدارسين العرب المحدثين لعلوم الكيمياء العضوية الذي أخذ على نفسه عهدًا بالالتزام والرصانة العلمية المشهود له بها، مكرسا حياته خدمة ورفعة لمسيرة العلم والعلماء، بعطاء لم ينضب، كما لو أنّه سحابة لمّا أمطرت روت، ولمّا روت أنبتت حبًّا وزرعًا. هو العبادلة، المتميز الذي أنار دروبًا للأجيال، وسيظلّ يفعل إلى أن يشاء الله.
وفي هذه المناسبة الصعبة على القلوب، تتقدم الجامعة من أسرة الفقيد وعائلته، بأصدق مشاعر العزاء والمواساة، ونسأل المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح الجنان، ويلهم أهله وذويه ومحبيه وسائر تلاميذه الصبر والسلوان وحسن العزاء.