كف غزة المدمي ومخرز الاحتلال المخزي
د. ماجد الخواجا
منذ السابع من اكتوبر ومع إعلان أكبر تحالف الوقوف مع دولة الاحتلال الغاصب في مواجهة قطاع غزة الشريط الساحلي الضيق الخالي من أية تحصينات طبيعية وجغرافية، والذي يعتبر حسب الفهم العسكري منطقة ساقطة لا يعوّل عليها أثناء الحروب، فهو بلا جبال أو غابات أو تضاريس يمكن استغلالها عسكرياً، لا بل إنها بما تمثّله من كثافة سكانية للمدنيين العزّل، تعتبر مشروعاً جاهزاً لاقتراف أبشع المجازر الدموية القذرة بحق الأبرياء الذين لا يتوفر لديهم أدنى مقدرة على المقاومة أو الدفاع عن أنفسهم وعوائلهم.
لقد شاهدنا وتابعنا العمليات المقاومة التي لم تخرج عن قواعد الحروب الأخلاقية وعن أصول التعامل مع الخصم العدو، فهي مارست اشتباكات حربية حرفية، وما زالت تحافظ على رباطة جأشها رغم محدودية إمكاناتها وتأثيرها على مواقع الاحتلال. فيما لا يحتاج جيش الغاصبين لأية مبررات ليواصل جرائمه ومجازره بحق المدنيين الذين يلتحفون العراء أو مجرد خيمة لا تقيهم الحر أو البرد، ناهيك عن أنها تهتز من هبّات الريح، فكيف لها أن تصمد أمام قذائف الطائرات والصواريخ الحارقة المدمرة.
بالأمس شاهدنا وشاهد العالم مقاوماً غزيّاً يضع «شبشب» في قدميه ويجرّ أسيراً عسكرياً غاصباً داخل أحد الأنفاق، فكان الرد الهمجي الوحشي أن قام جيش الاحتلال المدجج بأعتى صنوف الأسلحة بضرب خيم اللاجئين في ما تدعى زوراً بمخيمات لجوء مؤقتة للاجئين هم بالأساس تكرر لجوئهم وتشرّدهم مرّات عديدة.
في كل يوم تمارس دولة الكيان مجازر عديدة أصبحت بمثابة خبر عادي وكأنه مجرد ممارسات لا تستحق التوقف عندها. مجازر تحصد أرواح مدنيين لاجئين محرومين من أبسط أساسيات الحياة، تعيد تشريدهم فيهيمون على وجوههم بحثاً عن أي حاجز أو جدار أو زقاق يقيهم قذارات وهمجية ما يسقط على رؤوسهم من دمار وخراب.
نخجل حين نكتب عن غزة ومأساتها، فالكتابة والدم القاني يملأ الأرض والسماء، هي نوع من الترف الذي قد يوثق الحالة، لكنه لا يكفي لإنقاذ طفل يتيم أو أرملة ثكلى أو عجوز جريح.
بعد 234 يوماً من الإبادة والمجازر بحق غزة وأهلها، هناك أكثر من 35 ألف شهيد جلّهم من الأطفال والنساء والمرضى وكبار السّن الذين لم يكونوا للحظة ضمن تعريف المقاومين. هناك أكثر من 20 ألف طفل أصبحوا بلا عائلات، هناك آلاف المفقودين الذين هم في عداد الشهداء لكن لم يتم الوصول إلى جثثهم، هناك آلاف الجرحى الذين لا يجدون مسعفاً ولا أدوية ولا عمليات جراحية ولا أدنى متابعات علاجية، هناك من يموتون جوعاً وحرماناً ومرضاً وفقراً وخوفاً.
هناك أكثر من 81 ألف جريح ينتظرون أبسط أساسيات العلاج دون تحصيله.
نعم هي أرقام مفجعة التي يتم تداولها عن واقع الحياة في غزة ومناطق فلسطين المحتلة، لكنه الوعد بالقادم الذي يعيد الحق لأصحابه، ما بين صدور قرارات محكمة العدل الدولية وصدور قرارات الإدانة لعديد من مسؤولي الكيان كمجرمي حرب، وقيام عديد من دول العالم وخاصة الغربية منها بالاعتراف بدولة فلسطين، فيما المسيرات تجوب عواصم العالم تأييداً للحق والمظلومية الفلسطينية، وصولاً لأروع المشاهد الطلابية في أعرق الجامعات العالمية دعماً لفلسطين.
حين يقوم جيش قطعان الاحتلال بحرق خيام اللاجئين انتقاماً من المقاومة، فهذا دليل خزيهم وهوانهم وقلة حيلتهم وانعدام أخلاقهم.
إنه كف فلسطين الدامي الذي يواجه مخرز الظلم والاحتلال.