حوار ثقافي مع : الأستاذة الدكتورة أماني غازي جرار


أنباء الوطن -

 

 

السؤال الأول: كيف يمكن طرح منظومة فكرية تربوية شمولية تضمن إرساء قواعد وأُصول التربية الوطنية؟ 

امتازت المرحلة المعاصرة بتغيرات جذرية وأحدثت تغيرات شاملة في المقاييس الإنسانية والقيم الاجتماعية والاقتصادية، وظهر الى حد ما إهمال للقيم المدنية، فأصبحت الثقافة بعمومها والبنية الاجتماعية تتعرض لكثير من التحديات والصعوبات نتيجة العولمة ومتطلبات الانفتاح على الآخر ،الأمر الذي يستدعي مزيداً من العمل على الجانب التربوي الأخلاقي،فالتربية عملية مستمرة تشمل الجوانب العقلية والنفسية والعاطفية وأيضا الروحية للأفراد ،وذلك من أجل الوصول إلى روح السلام والسلام الداخلي بما ينعكس على المجتمع إيجاباً.

وحيث أن ضمان التعليم الجيد والشامل للجميع يشكل إحدى الأولويات الكبرى لخطط التنمية المستدامة لعام 2030 التي أقرتها الأمم المتحدة، فإنه لابد من تعزيز الحوار الفكري البناء، والتلاقي والتكامل الثقافي، وبناء الحوار المبدع، والاهتمام بالجانب الاجتماعي والتنموي والسلوكي والنماء العاطفي والروحي للأفراد للوصول إلى التكامل النفسي وروح التضامن والتكافل بين المواطنين عالميا ووطنيا من خلال تربية وطنية فاعلة. وبالتالي فإن لقياس وتقييم منظومة القيم الإنسانية أدوات عدة تساعد مستخدميها في قياس مستوى الوعي بجملة القيم الإنسانية، حيث تظهر أهمية تتوافر مثل هذه الأدوات والمؤشرات في المؤسسات التربوية منها.

السؤال الثاني: إلى أي مدى أسهم وجود الفلسفة في تطوير أسس التربية؟

تعاني المجتمعات الإنسانية، سواء التقليدية أو الحديثة، أصنافاً عديدة من التأزم التربوي الذي يصيب حقول التنشئة في الأسرة وفي المدرسة، وكذلك في التعليم الجامعي. ولعل أصل هذا التأزم ناتج من إشكالية الحرية، حيث لا بد لنا من إعادة النظر في المفاهيم التربوية الأساسية حتى نتبين ما يفيد وما يجب أن يكونعلى المستوى الإنساني والأخلاقي. وقد أصر كانط في بحثه الذي تناول (مسألة التربية )على القول أن الإنسان لا يصير إنساناً إلا بالتربية.

وكان الفليسوف الأمريكي جون ديوي (1859-1952) مقتنعاً بأن التربية ليست تمهيداً إعدادياً يهيئ الطفل للاضطلاع بمسؤولية الحياة، بل سبيل عملي يتيح له أن يختبر الحرية اختباراً وجودياً يلائم مستوى وعيه، ويتلقنه نهجاً حياتياً يومياً. ومن الواضح أن هذا التصور يتجاوز الخلاف الفلسفي الحاد الذي نشأ بين الأديب الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو والفيلسوف النقدي الألماني كانط . فقد كان روسو يناصر مبدأ الحرية الطبيعية، ويحث الأهل على صون حرية أطفالهم؛ ذلك بأن الطفل يكتسب وعياً عظيماً حين ينمو بواسطة قدراته الذاتية، فيتعلم أن يكتشف شخصيته، ويتعرف إلى قدراته، ويستطلع مواضع اهتماماته وانجذاباته. وتسهيلاً للمسار التربوي الذاتي هذا، كان لابد أن تتحول الحرية إلى وسيلة تربوية يستخدمها الأفراد من أجل بناء ذاتيتهم الحرة. أما كانط فكان يفرض مبدأ الانضباط، ويناصر قيمة الجهد التهذيبي الذي يبذله كل فرد من أجل تكوين شخصيته وصقلها والارتقاء بها. 

 لقد عملت معظم الدول العربية على التخلص من تدريس الفلسفة في مناهجها باعتبارها وفق اعتقاد قادة المؤسسة التربوية فيها أنذاك أنها تشكل فكراً مضاداً للدين، وهي العلة التي على العكس تنبه لها الغرب وتغلبوا بها بحيث جعلوا الفلسفة أم العلوم في الكليات والجامعات الراقية، ولابد أن يدرس الطالب مبادئ علوم الفلسفة وتاريخها وأبرز مفكريها ومدارسها ليوسع آفاقه ونظرته للحياة ويفهم تطبيقات المنطق الرياضي في اتخاذ القرار والمنهجية العلمية للتفكير والإقناع والحوار والنقد ، وتنبهوا للاهتمام الى كيفية النظر للكون وباقي المخلوقات فيه أيضا إلى جانب أخيه الإنسان ، حيث تعلم فلسفة الأخلاق والمنطق. ولا تعد الفلسفة علماً يهتم بمجال معين، بل هي التفكير في التفكير وتدبر المرء للعالم المادي والحسي وما وراء العالم المرئي والمحسوس في محاولات دائمة للوصول للحكمة والكلمة وماهية المعرفة بالنفس والبيئة الخارجية المحيطة بالإنسان وما يقف خلفها من قوى محركة. من هنا تظهر أهمية تعليم الفلسفة والمنطق والاهتمام بالتحليل المفهومي، بدلاً من مجرد الاهتمام بفهم الحياة والتركيز على العلوم التطبيقية،حيث يهتم الباحثون بمعرفة ما هي الطريقة المثلى لعيش الحياة، وهي ما تهتم به أيضا فلسفة العلم في عصر النهضة،وكذلك الفلسفات الوجودية والإنسانية ومذاهب الحداثة وما بعد الحداثة.

السؤال الثالث: كيف يمكن بناء وتربية إنسان سوي بعيداً عن التطرف؟ 

لم تكن قضايا التطرف بإسم الدين ذات حضور عالمي، ومحل نقاش في التداول السياسي والإعلامي والبحثي والأمني والاجتماعي محلياً وإقليمياً وعالمياً مثلما هي اليوم. وعلى اعتبار أن التطرف مفهوم قديم منذ تعرض الأديان للتشوه والتحريف، إلا أنه لا علاقة له بدين محدد أو أيديولوجية معينة، خاصة أن الأصل ان الدين يشكل طاقة روحية وأخلاقية تهتم بإصلاح المجتمعات الإنسانية وتحقيق الأمن والسلام بين الناس، واحترام حقوقهم وصيانة كرامتهم، وليس خلق أجواء الفتنة والتقسيم والحروب والصراعات. والتطرف الديني لا يصدر بين ليلة وضحاها، وإنما هو نتيجة إيمان المتطرف بأفكار متطرفة، أي شاذة عن التداول الديني والسياسي والثقافي، وبالتالي فالتفاعل مع هذه التطرفات المادية ومواجهتها على أرض الواقع، يتطلب الانطلاق من الأصل، أي التفاعل مع التطرف السائد في الجهاز المفاهيمي للإنسان المتطرف أو الذي تعرض لما يشبه عملية غسيل دماغ جعلته ينتقل من الوسطية والاعتدال إلى التطرف العنيف. إننا أمام ظاهرة معقدة ومركبة، وقد تزداد تعقيداً أيضاً على الأمد البعيد إذا لم يتم التصدي لمُسبباتها الداخلية والخارجية. وأمام هذه المعطيات، كان لزاماً على الدول والمؤسسات المنخرطة في محاربة الإرهاب ودواعيه، وضع معالم المواجهة الحاسمة ضد الخطاب العنيف من خلال البحث عن أجوبة نظرية وعملية على الأسئلة التالية: هل هناك أرضية نظرية أو مؤسساتية يمكن الانطلاق منها في سياق تأطير متفق عليه حول مواجهة خطاب التطرف والكراهية؟ وهنا يأتي الدور الهام للمنظومات التربوية لإرجاع الحياة والأمل في صفوف تلاميذ مدارسنا وطلاب جامعاتنا وتحصينهم ضد ثقافة الموت والكراهية،واستبدالها بثقافة المحبة والحياة.  

السؤال الرابع: كيف ترين مفهوم النسوية؟ وإلى أين يمكن أن تصل الحركة النسوية؟

من المعلوم ان اصطلاح "نسوية" واجه هجوماً شديداً، سواء في الغرب أو الشرق، مما هدد بمحوه التام وتفريغه من معناه، سيما بعدما ارتبط ببعض التيارات النسوية الراديكالية المتطرفة، فلا يمكن التأسيس لحركة نسوية عربية فاعلة من غير تحرير المفهوم الذي يُعبر أساساً عن الهوية. فقد كتبت ماري وولستونكرافت (1759-1797) في كتابها "دفاعاً عن حقوق المرأة" الصادر عام 1792، عبارتها الشهيرة عن النسوية "أتوق بشدة لأن أرى التمييز على أساس الجنس قد تلاشى تماماً، عدا ما يتعلق بالحب"، ومن المتفق عليه أن وولستونكرافت لم تستخدم اصطلاح "نسوي Feminism" الذي استخدمته الموجة النسوية الأولى خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر، للإشارة إلى حقوق المرأة على أساس المساواة بين الجنسين.

فقد لاقى تبني مفهوم النسوية في بدايته وبتأثير الزخم الثوري صدىً واسعاً ومبشّراً بين الأوساط الشبابية، مما شجّع العديد من فتيات ونساء بارزات بإعلان "نسويتهن" وافتخارهن بها، كحركة ثورية ضد قهر المرأة وتنميطها وخضوعها بإسم الدين والعادات والتقاليد. والجدير بالذكر أن النسوية بتشابكاتها المفاهيمية والنظرية، لم تُدرس للآن بشكل واضح ضمن المناهج التعليمية التأسيسية أو أقسام العلوم الإنسانية بالتعليم الجامعي في الدول العربية كما يجب أن يكون ، ولم تُناقَش بجدّية على منصات الإعلام الرسمي أو الخاص كما يجب بالمعنى الفلسفي . إذاً حين خرج الاصطلاح من نخبويته، لم يواز ذلك طرح علمي توعوي من شأنه تأسيس وتثبيت ماهية الاصطلاح ودلالاته التي تحدد حاجة مجتمعاتنا العربية منه.

السؤال الخامس: ما أهمية وجود منظومة فكرية نسوية تنويرية؟

انتقلت النسوية بفعل عوامل عديدة للعالم العربي في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، لكن لم تأخذ زخمها العميق كما هي حاليا، إلا بداية من عقد الثمانينات من القرن العشرين، نظرا لأن تركيز الشعوب العربية في النصف الأول من القرن العشرين كان منصبا على محاربة الاستعمار الغربي، وخلال الستينات، والسبعينات، كانت الشعوب العربية منشغلة بفكرة الصراع مع إسرائيل. وعلى الرغم من أن النسوية تضع في اعتبارها ضرورة السعي لتحرير المرأة ومساواتها بالرجل، إلا أنه وضمن الحركة النسوية ذاتها، الكثير من التيارات المتباينة والتي يصل بها الحد في الكثير من الأحيان، للتناقض والصدام، هذا فضلاً عن الصدام ما بين النسوية ككل، وقيم المجتمعات المختلفة في العالم، ومنها قيم المجتمع العربي واعتقاداته الدينية في كثير من الأحيان.

ومن المعروف ان الحركة النسوية تسعى لتحقيق عدة أهداف، تقضي من خلالها على النظام الأبوي البطريركي في مختلف المجتمعات، إنهاء لحالة اللامساواة التي يخلقها ذلك النظام ما بين الرجل والمرأة، وإنهاء لحالة الإقصاء والتهميش التي تعيشها المرأة في مختلف المجتمعات. وعلى الرغم من أهمية المطالب التي تنادي بها النسوية العالمية عموما والنسوية العربية خصوصا، من حيث المطالبة بوقف عمليات التمييز والإقصاء المفروضة على المرأة، إلا أن النسوية برمتها، قد وقعت في الكثير من الأحداث التي جعلتها في صدام مباشر مع الكثير من المجتمعات حول العالم. وهذا الحال، ينطبق أيضا على العلاقة ما بين النسوية والمجتمع العربي، والأسباب التي تفسر رفض المجتمع العربي للنسوية أو لبعض أشكال النسويات، أو بشكل أدق لبعض أفكار النسوية، وهي بالمجمل أسباب عديدة منها مفهوم الانتقال من المساواة القانونية للمساواة الطبيعية، حيث أن النسوية في موجتها الأولى وفي تيارها الليبرالي، كانت تنادي بضرورة المساواة القانونية ما بين الرجل والمرأة، وهذه المطالب، منصوص عليها في كل الدساتير العربية، إذ لا تمييز ما بين الرجل والمرأة على أساس الجنس، وكما أن الرجل بمنظور الدساتير العربية مواطن عربي، فإن المرأة مثله تماما مواطنة عربية، لديها مثل ما للرجل من حقوق وعليها مثل ما عليه من واجبات تجاه المجتمع والدولة. لكن الإشكال الذي وقعت فيه النسوية، لاسيما في موجتها الثالثة وفي تيارها الراديكالي، أن بدأت تطالب النسوية بشكل عام، ومنها النسوية العربية، بضرورة المساواة الطبيعية ما بين الرجل والمرأة، أو بلغة أدق، أن أنكرت النسوية وجود أي اختلافات طبيعية وبيولوجية ما بين الرجل والمرأة.

وعليه فإن وجود منظومة فكرية نسوية تنويرية؛ تحديداً في مجتمعاتنا العربية يعتبر ضرورة لتوضيح مفهوم النسوية، والغرض منها، وإيجاد أرضية مشتركة للتناغم بين مكونات المجتمع.  

 

 

السؤال السادس: موضوع التنمية المستدامة والسلام العالمي أكثر الموضوعات التي أقلقت الفلاسفة والمفكرين.. هل يمكن أن يتحققا في يوم من الأيام؟ وكيف يمكن ذلك؟

لقد كانت التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئيية، قبل عام 1980، يتم التعامل معها باعتبارها ثلاث قضايا منفصلة، تستبعد التداخل المنهجي، والأبعاد المنطقية والفلسفية الرابطة بينها. إلا أنه، بعد هذا التاريخ، أصبح من الواضح أن هذه القضايا الثلاث متلازمة ومتساندة، لا تنفصل، ويجب أن تدار معاً. فبدأ مصطلح التنمية المستدامة يستخدم على نحو متزايد، وكأحد أكثر المفاهيم، التي تتمّ مناقشتها بشكل متكرِّر ضمن الأدبيات الأكاديمية عن البيئة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية كتحدٍّ فلسفي.

والفلسفة تعتبر التنمية مجالاً خصباً للبحث، الذي يُعنى بالنظر في تقاطع التطوّر مع علم النفس والاجتماع والأنثروبولوجيا، وكل العلوم الإنسانية والطبيعية، مع مناقشات مفصلة لقضاياها المركزية، من أجل بناء إطار عام لفهم وتحليل نظريات التنمية الفردية والجماعية في مختلف المجالات، التي تتراوح بين التنمية المعرفية والأخلاقية، إلى التطوّرات في الفن والتكنولوجيا. وذلك، لأنها تُولى اهتماماً خاصاً للعلاقات البينية بين التطوّر المفاهيمي والتعليم، الأمر الذي تبدو معه فلسفة التنمية الشاملة بتمامها وكمالاتها كمقدمات لازمة للإجراء على المستوى التطبيقي للتنمية المستدامة. وهي تشكل أبعادا تتجاوز القياس المعتاد للإنجاز الاقتصادي، وتُوسع نطاقه ليشمل التأثير الذي أحدثه تاريخ الفكر، والنظريات السياسية، وعلم الاجتماع، والفلسفة الاجتماعية، والاقتصاد السياسي، على التنمية بشكل عام، ولاسيما في الوطن العربي بشكل خاص.

السؤال السابع: كيف يجب التعامل مع قضايا المرأة بشكل يمكنها أكثر لخدمة الأهداف التنموية؟

إن المرأة هي أحد أهم مفاتيح تحقيق التنمية المستدامة، وأن قضايا المرأة متشابكة في جميع المجالات، ولا بد من معالجتها بنهج متكامل إذا أردنا تحقيق تنمية مستدامة حقيقية على المدى الطويل، فتمكين المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين يشكل أساسا من الأسس الضرورية اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة وإحلال السلام والأمن المجتمعي والرخاء في العالم وفي الوطن العربي. كما أن توفير التكافؤ أمام النساء والفتيات في الحصول على التعليم، والرعاية الصحية، والعمل اللائق، والتمثيل السياسي والاقتصادي، واتخاذ القرارات سيكون بمثابة الدافع لتحقيق التنمية الاقتصادية في المنطقة العالم وفي المنطقة العربية بشكل خاص.

 

السؤال الثامن: ذكرتي في إحدى محاضراتك أن قياس وتقييم منظومة القيم الإنسانية مهمة وأن له أدوات عدة تساعد مستخدميها في قياس مستوى الوعي بجملة القيم الإنسانية.. ما هي تلك الأدوات وما أهمية هذا القياس؟

تُعرّف القيم الإنسانيّة على أنّها الفضائل التي تُوجّه الإنسان إلى مُراعاة العنصر البشري عندما يتفاعل مع الآخرين، وتُعرّف كذلك بأنّها عبارة عن أهداف الإنسان المرغوبة التي تكون فعّالة من خلال مواقفه، ومُرتبة حسب أهميتها له، وتوجّه الإنسان نحو اختياراته، وتُقيّم سلوكه، كما أنّ هذه القيم التي يمتلكها الفرد لا تكون فطريّة، بل تكون نتيجة التنشئة الاجتماعيّة للفرد التي ينشأ عليها منذ وقت ولادته وتستمر معه طوال حياته، وتشتمل هذه القيم الإنسانيّة على الاحترام، والاستماع للآخر، والتعاطف، والمودة، والتقدير، ومحبة الآخرين، فمن خلال هذه القيم يُصبح المرء قادراً على التّحلّي بالقيم الأخلاقيّة، مثل العدالة والنزاهة، ورفض العنف والتسامح. كما تُشكّل القيم وسيلة لإدارة العلاقات الإنسانيّة وأداة للسلام، وتُحفّز الفرد على التفكير، وحرية التعبير، والتصرّف بطرق مهنية، فهي بمثابة معايير له، حيث تضع قيوداً على سلوكه، ويشار إلى أنّ معظم القيم تتّصف بالمحبة، والفرح، والسلام، واللطف، والخير،والرجاء، والإيمان، والتواضع، وضبط النفس،والتسامح.

ومن المعروف ان القيم الإنسانية تعمل عادة على التقريب بين الأمم والشعوب عن طريق ترسيخ الاحترام المتبادل، والتفاهم ،وقبول الآخر، ونبذ الصراعات القائمة على أساس التمييز بسبب اللون أو الجنس أو العرق أو المعتقد الديني، حيث تعمل القيم الإنسانية ترسيخ على الحد من هذه الاختلافات والحث على رؤية أوجه التشابه والتقارب والعيش المشترك لتعميق الاتصال بين الشعوب والأمم. كما أن للقيم الإنسانية أهمية كبيرة في بناء وصقل شخصية الفرد الناضجة من خلال التربية وتمثل الأخلاق. فتمثل القيم الإنسانية يجعل الفرد يشعر بالسلام الداخلي والطمأنينة والاستقرار والتوازن في الحياة الاجتماعية، كما تساعده على كسب ثقة الناس واحترامهم ومحبتهم، والقدرة على التأقلم مع الظروف برضا وقناعة، وتشكيل نمط عام للمجتمع وقانون يراقب تحركاته. 

إن تفعيل القيم الإنسانية في مجتمعاتنا لا بد أن يمر في عدة أطوار حتى نجني ثمارها تربويا ونعيد لها فاعليتها بدأ من تقرير المبدأ بأهميتها وتوجيهها من خلال المنظومة التربوية، إلى اعتبارها فلسفة مقصودة بذاتها، وبالتالي قياس مردوها النفعي المباشر أو غير المباشر على النفس البشرية الملتزمة بها، والمجتمع الذي يراعيها، ووصولاً إلى تقنينها في شكل نظام عام يأخذ صيغة الإلزام القانوني، وانتهاءً بتقرير المؤيدات الجزائية التي تعاقب كل من يخالف هذا النظام ردعاً له وحمايةً للقيم من الانهيار.

السؤال التاسع: إلى ماذا يحتاج المثقفون في هذه المرحلة؟ هل يحتاجون لتغيير أدواتهم او استعادتها من جديد أم إعادة بناء فكر نقدي؟

في وقتنا الراهن يواجه الإنسان المعاصر تدفقاً معلوماتياً يفوق قدراته بكثير، وحسب الاحصاءات فإن أكثر من خمسة مليارات عملية بحث تُجرى يومياً، ناهيك عما توفره مواقع التواصل الاجتماعي من أخبار وتفاعل، وما تطرحه الفضائيات والصحف، وهذا يتطلب امتلاك الشخص قدرة فكرية ونقدية تفحصية على فرز وتدقيق هذا الكم الهائل من البيانات والمعلومات، من خلال امتلاك عقل نقدي له معاييره في التفكير، لتبيان صحة الأفكار والأحداث ، وتحديد السلوك الواجب اتخاذه حيالها.

التفكير النقدي ضروة في حياة الإنسان المفكر ، فبدون مهاراته، يمكن أن يرتبك العقل البشري بسهولة، وبالتالي على الخبراء والمثقفين والمفكرين ؛ والمنظومات التربوية البحث في استحداث آليات تطبيقية وفكرية تساعد على تمحيص المعلومات والأحداث والأخبار والقصص والأفكار، وتقييم الأشخاص، ونقد الذات، وفهم العلاقات بين الأشياء، مما يساهم في صحة اتخاذ القرار، واعتماد الفرضيات الملائمة، وتوفير الجهد، والقدرة على قراءة ما بين السطور، وسماع المسكوت عنه في الكلام، والموازنة بين الفرضيات، والنفاذ السريع لجوهر الأشياء، والإمساك بالحجج الصحيحة والقوية، وفرز المعلومات فرزا منطقياً واعياً، للوصول إلى أفضل السبل وأقصرها وأكثرها نفعاً، ومن ثم اكتساب القدرة على حل المشكلات.

السؤال العاشر: من وجهة نظرك.. ما هي فلسفة التعليم التي يجب أن تكون موجودة في مناهجنا العربية أو المواضيع الأكثر أهمية التي ربما ترتقي بالعقول؟

يجب أن نبحث بصورة تحليلة ناقدة في اسباب فشل التعليم في إنتاج الشعور بالمسئولية الأخلاقية وعن جعل المعرفة طريقاً للرقى الإنساني بكل أبعاده. فالتعليم ليس شيئاً متجانساً في جميع المجتمعات أو حتى في المجتمع الواحد. بل وقد لا يكون للمصطلح نفس المعاني والدلالات المتضمنة فيه عبر الثقافات والمجتمعات والدول. ولذلك يتعين علينا أن نرصد تلك المسؤولية بصورة ميدانية، وفى السياقات الوطنية والقومية والثقافية والجغرافية وأن نقوم ببحوث تفصيلية عن تلك الارتباطات بين التعليم والرقى الأخلاقي والمعرفي. وبالتالي فإن التركيز على التعليم بالمعنى الضيق على حساب التربية يوجه المجتمعات نحو التقدم التقني على حساب التربية الأخلاقية. وكذلك لا بد من البحث معمقاً في إشكالية التمركز حول الدولة والهوية (تعليم الدولة القومية)، من حيث ارتباط التعليم الحديث نفسه ارتباطاً قوياً بالدولة والهوية العرقية والثقافية على حساب الهوية الإنسانية. وأعتقد أن واجبنا كخبراء ومفكرين أن نقوم باسترداد الوظيفة الأخلاقية والتربوية للتعليم على كافة المستويات. وإذا كنا نفكر في التعليم كأداة لبناء حضارة إنسانية جديدة في سياقات تعددية ثقافيا واجتماعيا ودينيا ،فإن علينا التركيز على أخلاقيات الحياة المدنية المأمولة وهو ما يعنى التركيز على التربية المدنية والتربية الإنسانية وتربية المواطن العالمي. وكذلك استرداد الصلة العضوية بين التعليم والحياة الاجتماعية من خلال التأكيد على التكامل المعرفي. وربما يكون هذا المبدأ هو أكثر الطرق فعالية في الدفع نحو التطور الأخلاقي وضمان غرس المسؤولية الاجتماعية والمدنية للتعليم ،وبالتالي الاهتمام ببناء الانسان أخلاقيا وروحيا أيضا من أجل تحقيق ازدهار ورفاه الإنسانية العام الدراسي القادم

 

 السيرة الذاتية للأستاذة الدكتورة أماني غازي جرار    

          
أكاديمية وباحثة أردنية، تعمل حاليا كأستاذ جامعي برتبة الأستاذية في جامعة فيلادلفيا (كلية الآداب والعلوم التربوية)، وقد عملت سابقا مديرة لمركز الدراسات المستقبلية ومركز الاستشارات العلمية وخدمة المجتمع بالإضافة لعملها كعضو هيئة تدريس . شغلت العديد من المواقع منها مديرة للعلاقات الدولية ولدائرة العلاقات العامة والثقافية في الجامعة وعضو مجلس البحث العلمي للجامعة، وحاضرت في العديد من الجامعات الأردنية، حاصلة على درجة دكتوراة الفلسفة في أصول التربية (السياسية)، ومعتمدة من هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي في ثلاثة اختصاصات من الحقول المعرفية اضافة الى تخصصها الرئيسي (الإدارة العامة في السياسة، العلوم السياسية، والفلسفة) . تخصصت في الدراسات الفلسفية وحقوق الإنسان، وكانت الأولى على دفعتها. تتقن اللغتين العربية والإنجليزية ،وتجيد الفرنسية.
شغلت أيضا مواقع عديدة في القطاع الحكومي ،متقاعدة من وزارة الخارجية ،حيث عملت مديرة مكتب جائزة الملك عبد الله الثاني لتميز الأداء الحكومي والشفافية، مديرة التدريب والتعليم في وزارة الخارجية الأردنية،  مديرة التعليم والتدريب في المعهد الدبلوماسي الأردني، مديرة للتطوير والتخطيط والإتصال الخارجي في ديوان الخدمة المدنية ، وعملت معلمة للغة الإنجليزية للمرحلة الثانوية في كلية راهبات الوردية التي كانت قد تخرجت منها بامتياز. 
مقّيم ومرشد معتمد لجائزة الملك عبد الله الثاني لتميز الأداء الحكومي والشفافية ،ومقيّم معتمد لجائزة الملكة رانيا للتميز وجائزة برنامج أبو ظبي للتميز وجائزة الشيخ محمد بن راشد للتميز، وغيرها من جوائز الجودة والتميز العالمية.
حاصلة على العديد من الشهادات المهنية، وشاركت في العديد من البرامج الدولية في المهارات القيادية والعلاقات الدولية والتخطيط الإستراتيجي من كل من المدرسة الوطنية الفرنسية للإدارة، وجامعة دوكين في الولايات المتحدة الأمريكية، وجامعة الأمم المتحدة، برنامج القيادات، دراسات السلام والصراعات من جامعة ابسالا (السويد)، وكلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية، وهي خبيرة معتمدة على مستوى الوطن والشرق الأوسط في بوابة خبيرات جنوب المتوسط، ومدربة ومستشارة معتمدة في المعهد الدبلوماسي والمعهد القضائي الأردني ومعهد الإعلام الأردني ومعهد الإدارة العامة وعدد من معاهد التدريب في الأردن والخارج، وعملت مستشارة مع الإتحاد الأوروبي ووكالة الإنماء الأمريكية ،ووكالة الإنماء الألمانية الدولية في مجالات الإدارة العامة والشؤون السياسية، وهي مقيّم أكاديمي معتمد للدراسات والبحوث في عدد من المجلات العلمية العالمية المحكمة.
عضو منتسب للعديد من الجمعيات والمنظمات الدولية والإقليمية، منها جمعية الشؤون الدولية، رابطة الكتاب الأردنيين، عضو الجمعية الفلسفية الأردنية، عضو جمعية العلوم السياسية، عضو الجمعية الدولية لقادة الأعمال، عضو منظمة المرأة لدعم السلام العالمي، الجمعية الأردنية للبحث العلمي، جمعية اللاعنف العربية، عضو مركز دراسات الأخلاق، عضو جمعية البرمجة اللغوية العصبية، عضو هيئة مقيّمي جائزة الملكة رانيا العبدالله للتميز التربوي، جمعية البيئة الأردنية، اتحاد المدربين العرب، جمعية تنمية القوى البشرية، جمعية الإدارة الإستراتيجية، والجمعية العالمية لعلم الاجتماع، عضو هيئة مقيّمي جائزة الملك عبد الله الثاني لتميز الاداء الحكومي والشفافية، عضو هيئة مقيمي جوائز التميز – جائزة الشيخ محمد بن راشد، وعضو جائزة برنامج ابو ظبي للتميز، عضو المجلة الدولية للتطوير التربوي، منظمة العمل لأجل السلام العالمي، عضو شبكة التنسيق لشؤون المرأة، وعضو جمعية تضامن، عضو مجتمع النهضة التربوية، عضو المجمع العربي لحماية الملكية الفكرية، عضو جمعية المجمع العربي للإدارة، وعضو جمعية تنمية القوى البشرية، وعضو الشبكة العربية للتعلم عن بعد. ولديها الكثير من الابحاث العلمية المنشورة في مجلات علمية عالمية محكمة ومعتمدة .  
لديها نتاج بحثي وعلمي غزير، فقد نشرت مجموعة من الأبحاث العلمية المنشورة في مجلات علمية عالمية معتمدة ومحكمة علميا باللغتين العربية والإنجليزية والفرنسية في المجالات السياسية والفلسفية والتنموية والفكرية المختلفة، إضافة الى كتب منها: فلسفة حقوق الإنسان وحرياته العامة،  التربية السياسية من أجل الديموقراطية والسلام، تربية السلام وحقوق الإنسان، المواطنة العالمية، قضايا معاصرة، الفكر السياسي المعاصر ،إرهاب الفكر وفكر الإرهاب، فلسفة الجمال والتذوق الفني، التربية الإنسانية والأخلاقية، وأعمال مشتركة أخرى مثل المرجع في التربية الوطنية، المعهد الدبلوماسي الأردني (الواقع والتطلعات)، وإدارة الاجتماعات والمؤتمرات، إدارة المكاتب والسكرتاريا التنفيذية، العلاقات العامة وإدارة المؤتمرات، التنمية وإدارة التميز التربوي. كما ألفت كتاب ابداع التفكير، والخدمة المدنية (ترجمة وتدقيق للإنجليزية)، الادارة والتميز (حقائب تدريبية في الادارة)، دليل تقييم الأثر التنظيمي – التشريعي للسياسات  (مشروع المجتمع المدني- المشاركة الديموقراطية في الأردن) / بدعم من الإتحاد الأوروبي ووزارة الشؤون السياسية والبرلمانية (باللغتين العربية والانجليزية )، منظمات الأعمال التنموية، المشاريع التنموية،العقل النقدي، التربية الوطنية في الوطن العربي ،إضافة الى (كتاب باللغة الانجليزية) بعنوان (التنمية السياسية في الشرق الأوسط: الأردن نموذجا)، وكذلك دليل تعزيز قدرات الإعلام الأردني لمكافحة التطرف والإرهاب من منظور التربية الإعلامية وجودة المحتوى والأداء الإعلامي، بدعم من الإتحاد الأوروبي، وكتاب التربية الوطنية- الأردن أنموذجا ،وكتاب التنمية المستدامة والسلام العالمي،والتعليم بوصلة التنمية المستدامة،والأخلاق بين الفلسفة والتربية ،التنمية المستدامة وقضايا النوع الاجتماعي ، المشاركة السياسية والتنمية المستدامة ، العلاقات العامة الدولية (في عالم متغير)، الإتصال الدولي (المنظور المتكامل ) ، الحوكمة (المنهج الشمولي) ، البحث العلمي (في ظل الأزمات)، وكتاب الريادة والابتكار.