الأردنيون ليسوا مشاريع استشهاد!
كتب : مالك العثامنة
في مقابلته مع الممثل المخضرم عبدالحسين عبدالرضا، على قناة «أم بي سي» كان حوار داود الشريان جولة مكثفة في عالم الفن الخليجي والعربي عبر ذاكرة «أبوعدنان»، وذائقته الفنية المعتقة بالخبرة الطويلة والمعرفة المؤهلة.
ومن ضمن ما تحدث به الفنان العربي الكويتي كان عن زميله السعودي المحلق بنجومية عربية الفنان ناصر القصبي، حيث قال بحقه ما يستحقه فعلا على موهبة احترافية كبيرة ونجومية تليق به، مع إشارة إلى أن سلبية القصبي تكمن ربما في خجله وحرجه وتهذيبه الشديد!! وهو ما يمنع – على رأي أبوعدنان – القصبي من أن يضع اجتهاداته الفنية موضع التنفيذ فيبقى طوال العمل أسيرا للمخرج والنص المكتوب، وهذا تجن وظلم لفنان قادر على الابتكار والإبداع.
ومنذ تحدث عبدالرضا عن سلبية القصبي بخجله، وأنا أتفحص ذلك، وأبحث عنه في «سيلفي» فأتلمسه من خلال تخيل القصبي لو أطلق عنانه في هذا المشهد أو ذاك.
وللإنصاف، فإن وجود ثلاثي مبدع، مثل حبيب الحبيب وأسعد الزهراني وعبد الإله السناني كان قيمة مضافة حقيقية للعمل بمجمله، وأتخيل أن هؤلاء الثلاثة كانوا عنصر جذب للقصبي بالدخول في تجربة خارج إطار سلسلة «طاش ما طاش» الشهيرة.. فكان هذا الإبداع.
إلى أي حد تغلغل في نفوسنا الشر؟
ولأن الشيء «الجيد» بالجيد يذكر، وبعيدا عن الدراما وفي تجسيد محترم لتلفزيون الواقع، فلا يزال برنامج «الصدمة»، لافتا للإنتباه، مستقطبا للمشاهدين بشكل كبير.
ميزة هذا البرنامج هو توثيقه وتجسيده لردود الأفعال الحقيقية الآنية والعفوية على مواقف «تمثيلية» لكنها واقعية إلى حد كبير.
ردود الأفعال تلك، بعمومها في معظم مواقع التصوير المتوزعة بذكاء على العالم العربي رفعت منسوب الأمل في منظومة القيم الأخلاقية في سياق نشرات الدم اليومية وبانوراما السقوط الأخلاقي الراهن.
لكن أكثر ما يلفت الانتباه، تلك الحالات الشاذة في ردود الأفعال التي كان لها رد الفعل السلبي المتضمن موافقة على المشهد السلبي المطروح.. لتجعلنا نتساءل: إلى أي حد تغلغل في نفوسنا الشر؟
لا يمكن منافسة «باب الحارة»
على الطرف المقابل لكل ما هو جيد، تبقى البضاعة الرديئة سيدة الموقف في الفضاء العربي، خصوصا الدراما وبرامج «التوك شو».
ولا يمكن بأي حال منافسة «باب الحارة» في طرح كل ما هو سخيف ولا يحترم العقل ولا الذوق، ويبدو أن سلسلة «باب الحارة» لن تتوقف، وقد تابعت متعمدا بعض الحلقات (يمكنك متابعة أي حلقة بدون معرفة الأحداث السابقة.. وهذا إعجاز المسلسل)..لأكتشف أن الأحداث تتصاعد بفوضى خلاقة تشبه فوضى الشرق الأوسط، بحيث يمكن لأي ممثل أن ينسحب من أي جزء قادم لأن كل ممثل في المسلسل صارت له قصة جانبية يمكن البناء عليها.
المخرج وصاحب مارك المسلسل ونجار بابه العصي على الخلع حتى لو انخلعت الحارة كلها، بسام الملا حالف يمين أن لا يوقف انتاج المسلسل كل عام، حتى يكبر ابنه أدهم بسام الملا (وهو ممثل ثانوي في المسلسل حاليا) ويصبح هو عقيد الحارة.. وحينها قد يسلم المسلسل لمخرج آخر.. بطموحات جديدة.
وملاحظة على ضفاف السياق، فإن الاسخف من باب الحارة «المسلسل»..هو البرومو الذي تبثه «أم بي سي» عن المسلسل بصوت يتحدث بلهجة شامية متكلفة ومصطنعة حد التفاهة، تجعلني أتساءل إن كان هناك فعلا خطة خفية لتشويه الشام وحرق لسانها؟
مشاريع مواطنة حرة لا استشهاد
الأسبوع الماضي، تعرض الأردن لهجوم إرهابي بشع استهدف نقطة حدودية لاسقبال اللاجئين، وذهب نتيجة الجريمة ضحايا من حرس الحدود ومرتبات عسكرية أردنية.
الفضائيات الأردنية، كما المواقع ووسائل التواصل، تفاعلت مع الموضوع، لكن أكثر ما استفزني شخصيا توظيف المفهوم الاستشهادي إلى حد مبالغ فيه.
كثيرون علقوا على الجريمة الإرهابية بعبارة أن «الأردنيين مشاريع استشهاد»!
هذه عبارة بلاغية إنشائية تافهة، وهي منتشرة ومترسخة في مخيالنا العربي منذ بداية مشاريع الاستقلال العربي، ونكررها في كل المناسبات القومية والوطنية.
بصراحة.. ليس مطلوبا مني ولا منك ولا من أي إنسان أن يضحي بحياته في المبدأ.. إلا دفاعا عن الوجود فقط. إنما المطلوب أن نوفر سبل الحياة والعيش الكريم لكل إنسان فينا.
فنحن فعليا مضطرون للدفاع عن أنفسنا ولدينا جيش مدرب ومنظم ومنضبط. وهذا لا يعني أن يكون طموحنا الموت أو الإستشهاد.. فهذه فكرة داعشية كارهة للحياة.
من الأفضل أن نكون مشاريع حياة.. مشاريع مواطنة حرة.. مشاريع دولة مدنية مؤسسية.
ولكي نكون كل ذلك.. ولكي تكون الحياة مشروعا ومشروعة.. لنا ولأبنائنا علينا أن نكون مشاريع وعي أولا. وعي مدجج بالعلم الحقيقي والمعرفة المفيدة.. لا علوم الجهل ومعرفة الشعوذة.
كلا.. لسنا مشاريع استشهاد.. بل مشاريع حياة ..وهي حربنا.. حتى نكون كذلك.
...............
* كاتب أردني يقيم في بروكسل
- عن "القدس العربي"