لماذا أحببنا هزاع؟
كتب : محمد الفضيلات
لم يحظَ أردني منذ زمن بتأبين شعبي يوازي تأبين رقيب السير الأردني الأشهر هزاع الذنيبات الذي توفي قبل يومين، بعدما قضى سنوات طويلة ينظّم حركة المرور، في عمل يفترض أنه روتيني يبعث على الملل. لكن هزاع جعل منه حالة إبداعية حين مارسه بخفّة راقص إيقاعي على خشبة مسرح وإيماءات مايسترو، وأهم من ذلك، بابتسامة لم تكن تفارق ملامحه، فاستحق أن يتحوّل إلى رمز عمّاني، بل وطني.
وفاة هزاع أعقبها انتشار آلاف القصص التي كتبها المواطنون على مواقع التواصل الاجتماعي عن الرجل. قصص تروي ذكريات معه منذ ستينيات القرن الماضي، إذ كان يعمل على تنظيم حركة المرور على أحد تقاطعات العاصمة، وأخرى تروي ذكريات قريبة عن الرجل الذي أُعيد إلى الخدمة في العام 2007 بعد سنوات تقاعده الطويلة.
حفر الرجل في الذاكرة الأردنية صورة استثنائية للإنسان المحبّ لعمله والمتفاني بتقديمه من دون كلل أو ملل، لهذا أحبوه، وأحبوه لأنه امتلك أسلوباً فريداً في أداء عمله، جعل سائقو السيارات لا يضجرون من الوقوف على التقاطع المروري حين يأمرهم هزاع بذلك، وهم الذين يقودون ثورة بزمامير سياراتهم حين يوقفهم رقيب آخر. أحبوا هزاع لأنه على الرغم من ظروف عمله الشاقة تحت درجات الحرارة المرتفعة أو في ظل درجات الحرارة المتدنية لم يعرف العبوس، وحافظ على ابتسامته الكفيلة بجعل الابتسامة حدثاً جماعياً في المحيط الذي يتواجد فيه قاهراً ‹كشرة› الأردنيين المشهورة.
أحبوا هزاع لأنه نموذج للموظف الجريء القادر على اتخاذ قرارات تخدم المصلحة العامة حتى لو خالف فيه التعليمات والقوانين، إذ يُسّجل في تاريخ الرجل أنه أوقف موكباً للملك الراحل الحسين بن طلال ليسمح بمرور سيارة إسعاف. أحبوا هزاع لأنه ليس جابياً، فالرجل في تاريخه الطويل بالعمل، لم يحرر سوى مخالفة سير واحدة في وقت أصبحت فيه مخالفات السير مورداً رئيسياً لخزينة الدولة. أسباب كثيرة جعلت الأردنيين يحبون هزاع، وكلها تنتهي إلى أنه النموذج الذي يريدونه للموظف العام بإخلاصه وتفانيه وأمانته وحبه لعمله، وهو نموذج إلى انقراض.
...............
العربي الجديد
محمد الفضيلات