هؤلاء إلى أين ؟
في مقالي السابق بعنوان " غموض " قلت بأننا بحاجة إلى ترتيب أولوياتنا ، وتوظيف خبراتنا لحل المشاكل العالقة ، وأضيف الآن المشاكل المتفاقمة على ضوء نتائج الثانوية العامة الأخيرة ، والتي كانت صادمة بقدر ما كانت معزولة عن فهم المخاطر الناجمة عن تزايد أعداد الشباب الذين تسد في وجوههم أبواب التعليم ، فضلا عن أبواب العمل.
أترك لغيري الدخول في التفاصيل ، وتفسير المعنى الحقيقي لاستنكاف ما يزيد عن سبعة وأربعين ألف طالب وطالبة عن امتحان الثانوية العامة ، ومثل ذلك العدد أو يزيد من الراسبين ، إضافة لمنخفضي المعدلات أقل من ستين علامة ممن لن تتاح لهم فرصة التعليم الجامعي ، الأمر الذي يقودنا إلى سؤال كبير ما هو مصير هؤلاء جميعا؟
وقد يصير السؤال كبيرا وخطيرا أيضا إذا تعمقنا في المحيط الأسري والاجتماعي لهؤلاء الطلبة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي نواجهها ، والأجواء الكارثية التي تحيط بنا ، ولا بأس أن أضيف سؤالا آخر، هل من المعقول أن نقف متفرجين على مخرجات التعليم كله وهي تساهم في تأزيم مشكلتنا الاقتصادية الاجتماعية بدل أن تساهم في حلها ؟
ليس مطلوبا من وزارة التربية والتعليم أن تفكر في تجميل واقع التعليم الثانوي فترفع من معدلات النجاح ، ولا ينبغي ذلك ، ولكن المجتمع كله يدفع ثمنا باهظا نتيجة ما تعرفه الوزارة أكثر من غيرها عن حال المدارس والمناهج والمدرسين ، وضحايا ذلك الحال من أبنائنا الطلبة !
إبرة المخدر التي أعطيت للراسبين أو المحرومين من التعليم العالي للدراسة في المجالات المهنية والحصول على دبلوم غامض الملامح ، وفي غياب دراسة موضوعية لاحتياجات سوق العمل سينتهي مفعولها عندما يقف الدارسون أمام سوق عمل لم يحترم يوما الشهادات المهنية لمن اجتازوا امتحان الشهادة الثانوية ، فما بالك بالطالب الذي سيتقدم بشهادة وهو يحمل لقب " راسب في التوجيهي " !
بالطبع ليس كل من تقدم لامتحان الثانوية العامة يفترض أن ينجح ، وليست المشكلة في نسب النجاح ، ولكن المأساة في فشل السياسات ، وفي نظرتها الضيقة الفاقدة لمفهوم التكامل الذي يحقق المصلحة الوطنية ، ويعزز السلام والأمن الاجتماعي ، ويرسخ قوة الدولة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية ، وهي اليوم تحديات لم يسبق لها مثيل في خطورتها ، وقد علمتنا الدروس القاسية من حولنا أن أكبر محفز للتطرف والعنف والإرهاب هو تضييق فرص العيش الكريمة على الناس ، وشعور الشباب باليأس من المستقبل !