يوم المراة..نفاق ذكوري
كتب : يوسف غيشان
لم يصادف، بل اليوم هو يوم المرأة العالمي، وقد منعت نفسي منذ عدة سنوات من الكتابة حول هذه الموضوع ،لأنني اعتقد أن الرجل افرغ هذه المناسبة من قيمتها المعنوية، وحولها الى «هيزعة» وسحابة صيف تمر سريعا بلا غيث ولا مطر ولا ثمر. مجرد كلمات جوفاء نرميها في وجه الأنثى، ثم تعود حليمة الى عادتها القديمة،. احتفالاتنا مجرد استمرار لنفاقنا العام في الاحتفالات المختلطة، حيث يبدأ ،التقدميون منا، كلماتهم بمثل هذه الكلمات:
أيتها السيدات والأوانس والسادة
أيتها الزميلات
لأيتها الفاضلات
السيدات والسادة الحضور
الأخوات والإخوة
هذه الكلمات وما يشابهها من أدوات النفاق ، أسميها مفاتيح حكي ... حيث يبدأ السادة الذين يجلسون خلف الطاولات المطهمة بالشراشف البيضاء والميكروفونات، التي نادرا ما تعمل بسلاسة تشابه سلاسة كلماتهم،يشرعون في الزنا بالكلمات وهم مفعمون بفيض من الجنتلمانية المتخيلة لمجرد انهم ذكروا الانثى قبل الذكر بداية لهرجهم و مرجهم امام الناس.
المحاضرون من اقصى اليمين الى اقصى اليسار يستخدمون هذا الأسلوب التطهيري ، وقد يكون الرجل ذكوريا متخلفا يستغل عمره في العمل سجانا لمحارمه واللواتي يمون عليهن من القريبات. وقد يكون الرجل رايديكاليا يؤمن بمساواة المرأة بالرجل ، وقد يكون وسطيا منقسما حتى على نفسه «لا مع هذول ولا مع هذولاك» يستل خنجره في البيت ويصير ديمقراطيا وحضاريا أمام العشيقات ... للعلم هذه النموذج تقارب نسبته ال90% من التقدميين العرب.
هي مجرد كلمات نقولها لنرشو بها الحاضرات ونظهر أمامهن وكأننا اناس في قمة الحضارة والتعامل الصحي والسليم مع الانثى، لكن العيب في الآخرين من الرجال ، ولسان حالنا يقول : لو كان كل الذكور مثلنا ، لكانت المرأة هي سيدة العالم قولا وفعلا ، وليس مجرد شعارات جوفاء... لذلك عليكن ان تعذرننا ايتها الرائعات، لأننا نمارس ما يمارسه اشقاءنا من الذكور عمليا، لكننا «نظريا» لسنا منهم، ونحن طابور خامس لكنّ في صفوفهم «طبعا حكي فاضي ومش صحيح».
ما يقولونه في افتتاحيات المجاملة هذه غير نابع من القلب ، والقضية اكثر تعقيدا بكثير من كلمات تقال على سبيل المجاملة او النفاق.... القضية اعقد من مجرد التخلي عن مقاعدنا في الباصات .. واكثر تعقيدا من تكرار عبارة «ليدز فيرست» السخيفة.
القضية قضية جنس بأكمله، يعاني من الاضطهاد الذكوري والهيمنة الأحادية والتسلط الأعمى تحت شعارات ومفاهيم دينية حرفها الذكر لصالحه وموروثات تراثية فرضها الرجل بقنوته وعضلاته.
هي ليست مجرد عبارات تقال دون ان تعني شيئا ، بل هي ممارسة عملية حية ، على الذكر ان يقف فيها ، أولا ضد نفسه وضد غرائز التسلط عنده، ليس من اجل خلاص الأنثى فحسب ، بل من اجل خلاصه هو وتحرره هو من ذلك الطاغية الذي يسكن بداخله وينغص عيشته ويحوله الى وحش لا يشبع ولا يرتوي ولا يستمتع بالحياة.
تحرر الرجل من عقده هو تحرير للرجل والمرأة معا، وهو بداية ممارسة الإنسان لإنسانيته الحقة . وما عدا ذلك هو مجرد سحب افلام وضحك على الدقون وحكي بحكي وسواليف حصيدة.
ghishan@gmail.com
...............
- عن صفحة الكاتب الشخصية