ورحل غريب النهر ..مخلفاً زوابعهُ الأخيرة
بقلم: بثينه السراحين
عرفت "جمال ناجي" في صفي الدراسي العاشر من خلال روايته (وقت) التي كنت أختلس النظر لمطالعتها أثناء حصة الرياضيات،، وكنت أبكي بحرقة وأنا أقرأ سرده الموجع عن شتاتنا في مخيمات اللجوء الفلسطيني، فتوبّخني المعلمة لبكائي خلال الدرس لسبب غريب لم تكن تدركه، لكنها لو أمعنت النظر في المنهاج خاصّتي لعرفت بأنني أخفي داخله روايته التي جعلتني أتوق بشدة للقائه شخصياً في يوم ما.
ويعود الفضل لتعرفي لناجي من من خلال رواياته، للأديبة هند أبو الشعر مديرة مدرستي الشاملة الثانوية للبنات في الزرقاء، والتي كانت تحرص - وبمبادرة فردية منها- على تغذية مكتبة مدرستنا بأفضل الكتب والروايات والمجموعات القصصية.
وكانت مديرتنا أبو الشعر على علم بشغفي بالمطالعة، لذا حرصت طوال الوقت على تذكير مُشرفة المكتبة بضرورة إعلامي بأحدث محتوياتها التي لا تنفك تثريها بالكتب القيمة، حيث لم تكن تكتفي مديرتنا بما وفرته لنا وزارة التربية والتعليم من كتب للمطالعة ،،بل وبعد فروغها من قراءة أي كتاب أو رواية تحديداً تهديها لمكتبتنا المدرسية، وغالباً ما كانت هذه الروايات والكتب موقعة بإهداءات من مؤلفيها لها، ولطالما فرحت وأنا أقرأ إهداءاتهم المدونة في الصفحة الأولى لمديرتي التي كنت أحبها وأقدّرها للغاية.
ولاحقاً لعملي في الصحافة استطلعت آراء الروائي الراحل جمال ناجي في عدة تحقيقات ثقافية أجريتها لصالح صحف ومجلات خليجية، وأذكر بأنني في أول حديث لي معه أخبرته بأنني كنت أحلم بالتعرف إليه شخصياً يوماً ما، لكثرة ما أثّرت بي كتاباته خلال فترة صباي، وحدثته كيف كنت أتقصّد الجلوس غالباً في الصفوف الأخيرة في المدرسة لأبتعد ما أمكنني ذلك عن عيون المعلمات بغية ممارسة هوايتي في القراءة لأدباء بعينهم؛ كان هو من بينهم.
الروائي الراحل جمال ناجي، وحين أخبرته بأنني قرأت روايتين كاملتين له خلال الحصص المدرسية، علق قائلاً " الدّرس أو المطالعة هي في المحصّلة وسائل للإكتشاف والمعرفة، وأنت ذهبت نحو ما ترغبين بإكتشافه وبمعرفته أكثر، هذا ما كان يحصل معك حينها ببساطة"..
..رحم الله "غريب النهر" الذي باغتنا برحيله مخلفاً لنا "زوابعه الأخيرة".. وتساؤلات مفتوحة على "ما جرى يوم الخميس"..وتأسٍّ ووجع على "حياة نعيشها على ذمة الموت".