قضية التبغ...المسار الثاني للتحقيق
فهد الخيطان
التحقيق في المخالفات الجمركية المرتكبة فيما بات يعرف بقضية مصانع التبغ يمضي بجدية من طرف مدعي عام الجمارك، وقد اتخذت إجراءات فورية بحق المتهمين وصدرت قرارات منع سفر بحقهم، وعلى إثر ذلك توسعت حملة المداهمات لتشمل مستودعات التخزين في أكثر من منطقة.
وأظهرت الحكومة ورئيسها إرادة قوية في التعامل مع القضية قبل أن تتكشف تفاصيلها أول من أمس، وكان رئيس الوزراء عمر الرزاز، أول من أعلن عن عمليات الضبط والمداهمة في رده على خطابات الثقة بمجلس النواب، استجابة لمعلومات تلقاها بهذا الخصوص من النائب مصلح الطراونة.
هذا الجانب من التحقيق محكوم بمسار قانوني يحفظ للادعاء والمتهمين في الوقت ذاته حقوقا متساوية أمام القضاء المختص، ولا يملك أحد حق التكهن بنتائجه. لكن للقضية مسارا آخر فاض حوله كلام كثير في اليومين الماضيين، ويتعلق بالنفوذ الواسع الذي حظي به المتهم الرئيسي في أوساط النخبة السياسية، وطبقة كبار الموظفين.
حول هذا المسار من التحقيق، تتوفر لدى السلطات المختصة معلومات وافرة، يجري التعامل معها بسرية وحرفية لتفكيك شبكة العلاقات لفرز الحقائق عن الأكاذيب والإشاعات. وما يرجح على نطاق واسع أن شبكة العلاقات هذه وفرت للمتهمين في القضية مظلة حماية للتحايل على القوانين وتسهيل مهمة التغطية على المخالفات لسنوات طويلة، والإفلات من الرقابة والغرامات والمخالفات.
نتعامل مع هذه المعلومات بوصفها فرضيات لا يمكن الجزم أبدا بصحتها، رغم توفر القرائن الكثيرة عليها، ولن يحسمها سوى تحقيقات شفافة ومهنية.
لكننا في الأردن طالما واجهنا في سنوات ماضية العلاقة الإشكالية بين رجال الأعمال وأصحاب النفوذ السياسي والبيروقراطي. وفي حالات عديدة تم رصدها، تحول ساسة ومسؤولون إلى العمل كمستشارين لدى أصحاب الشركات، في علاقة تبادل فيها الطرفان المصالح على حساب القانون والمصلحة العامة.
وقد ارتبطت أسماء شخصيات عامة بملفات كبيرة تفجرت في سنين سابقة. وتكشف التفاصيل المتاحة لتلك القضايا أن رجال أعمال استفادوا على نحو ملموس من نفوذ سياسيين وموظفين كبار في الدولة لتسهيل أعمالهم، مستغلين قدرة هؤلاء المسؤولين ومناصبهم.
الأردن ليس الدولة الوحيدة التي تواجه فيها السلطات هذه الظاهرة، فهي عابرة للمجتمعات والدول، وكثيرا ما نسمع عن فضائح في دول متقدمة يتورط فيها ساسة كبار مع رجال أعمال على خلفية نشاطات غير مشروعة، ربما آخرها قضية رئيسة وزراء كوريا الجنوبية التي حكم عليها بالسجن 30 عاما لتلقي رشى من شركة عالمية تفوق في شهرتها الدول.
وفي دول نصف متقدمة كبلداننا، تحظى الصلات غير القانونية والانتهاكات للتشريعات بحماية اجتماعية أحيانا ولا ينظر إليها على أنها أعمال مجرمة أو مرفوضة بالمعنى الاجتماعي والثقافي السائد.
لكن ثقافة الأردنيين على هذا الصعيد تطورت بشكل ملموس في السنوات الأخيرة، بينما بعض النخب ما تزال تعيش في عالمها الخاص.