الجندي الذكي وعجز الحكومات الأردنية عن تقليده

أنباء الوطن -

 

لقد سئمنا من الكتابات الجادة سواء كانت سياسية أو أمنية أو اجتماعية، بما فيها دعواتنا للإصلاح ومكافحة الفساد، لأنها لم تجد آذانا صاغية من أصحاب القرار. ولهذا أستميحكم العذر أيه القراء الكرام بأنني سأتحول في كتاباتي بين حين وآخر، إلى مواضيع هامشية لا تثقل على مشاعر القراء الكرام، لعلها تنسينا ولو مؤقتا بعض هموم الحاضر التي تخلقها الحكومة ومجلسي الأعيان والتواب. ولنترك السفينة تعوم على سطح البحر تقودها الرياح إلى أي شاطئ تشاء.

وبناء عليه سأسرد لكم اليوم قصة قصيرة منقولة من الأدبيات العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية : بعد أن حققت القوات البريطانية النصر على الجيش الألماني وحلفائه في شمال أفريقيا في أوائل الأربعينات من القرن الماضي، انتقلت مع باقي جيوش الحلفاء إلى أوروبا لملاحقة وتدمير قوات المحور، فوصلت في تقدمها إلى هولندا.

أحد الجنود البريطانيين كانت له صديقة تعيش في العاصمة البريطانية لندن، ومضى وقت طويل لم يراسلها وهي لا تعرف إن كان صديقها حيا أو قتل في الحرب ولا تعرف حتى مكان وجوده. أراد الجندي أن يطمئن صديقته بأنه ما زال على قيد الحياة، وأنه موجود في هولندا. لم يكن الهاتف الخلوي معروفا آنذاك، وكانت وسيلة التواصل الوحيدة بين جنود القوات المتحركة وأهاليهم الرسائل البريدية.

ولكي لا تتسرب المعلومات العسكرية من خلال تلك الرسائل إلى العدو، أوجد الجيش البريطاني قسما لمراقبة الرسائل (Censorship Section ) للحفاظ على الأمن العسكري. وفي أحد الأيام وصلت الرسائل الصادرة من الجنود البريطانيين في هولندا إلى قسم مراقبة الرسائل. وعند تفتيشها وجدت إحدى الرسائل تحمل بداخلها الأحرف التالية : H . O . L . L . A . N . D وهي أحرف تدل على مكان تواجد القوات البريطانية في هولندا.

استدعي الجندي صاحب الرسالة إلى المحكمة العسكرية. وعندما سؤل عن ذنبه في الإخلال بالأمن العسكري وكتابة اسم هولندا الذي تتواجد به القوات البريطانية، أجاب بأنه لم يكتب اسم هولندا ولم يخل بالأمن العسكري، وأن ما كتبه هي رموزا عبر بها عن حبه لصديقته وتفسيرها كالتالي :

H = Hope * O = Our * L = Love * L = Live * A = And * N = Never * D = Die . Hope our love live and never die ” : فجمع الكلمات ” آمل أن يدوم حبنا للأبد ولا يموت أبدا “.

اقتنعت المحكمة بتفسيره وحكمت له بالبراءة. وبهذا يكون الجندي البريطاني الذكي قد حقق ثلاثة أهداف في رسالته، دون أن يتلقى العقاب عليها وهي : إبلاغ صديقته بأنه مازال على قيد الحياة، وأنه يؤكد حبه الدائم لها، وأخيرا أنه موجود في هولندا. فتحية لذلك الجندي الذكي، الذي تعجز حكومتنا المتعاقبة عن تقليده في تمرير قوانينها الجائرة.

التاريخ : 24 / 11 / 2018