ورشة البحرين ..لماذا يستمر ارتهاننا للدبلوماسية الخجولة وانصاف المواقف والحلول؟
كتب باسل العكور - بعض زملاء مهنة المتاعب -كتاب الاعمدة في الصحف اليومية- لو أراد صناع القرار -أو للدقة صناع التبعية- في بلادنا، أن يلقوا بنا من لجة بحر هائج، وهم يعرفون جيدا اننا لا نجيد العوم في شبر ماء، لأخذوا يروّجون لهذه الخطوة على أرضية أنها بحد ذاتها ليست هدفا أو موقفا وإنما غاية وخطوة لا بدّ منها لتحقيق المصلحة الوطنية، ويا ليتهم يحققون ولو نذرا يسيرا منها، لقالوا في مقالاتهم أن علينا أن نضحي بالناس أجمعين والدولة والمؤسسات في هذه المرحلة الصعبة، حتى نصل إلى برّ الأمان، وأي برٍ تافه وقاحل وأجدب هذا الذي سنصل إليه بعد خسراننا أنفسنا ورهاناتنا ومعركتنا وقيمنا وأرضنا ومقدساتنا، يقولون كل هذا وربما أكثر لأن ديدنهم هو الاتساق غير المشروط مع الموقف الرسمي ولو كان هذا الموقف سيقودنا للمجهول ويلقي بنا في غياهب الجُب.
ينتابني شعور غريب للغاية وأنا أسمع واقرأ بعض التحليلات، وعذرا إذا قلت إنها تحليلات، حول أهمية مشاركة وفد رسمي أردني في ورشة البحرين، وهي الورشة التي يراد فيها مناقشة السبل الاقتصادية الكفيلة بتطبيق صفقة القرن وتوزيع الأعطيات على الراغبين بالبيع، هي في الواقع محلِّلات تُوضع في قالب سياسي اقتصادي تحليلي هش وانتهازي براغماتي مقيت، لاقناع المؤلفة قلوبهم من الناس وخلق جدل وآراء مختلفة تسمح للحكومة بهامش حركة وتحرك..
يقولون إن المشاركة في ورشة البحرين لا تعني قبولا بصفقة القرن.. يقولون أيضا إنه لا بد من الجلوس على المائدة حتى لا يلوكنا المؤتمرون .. يقولون إن مقاطعتنا للورشة ستغضب أمريكا والسعودية وهما الحليفان التاريخيان للمملكة.. يقولون إن المشاركة فرصة لمعرفة ما يحاك.. يقولون إن من يهتف من خارج القاعات لن يُسمع نداؤه..
ويا ليتهم سكتوا، قبل ان تخرج هذه الترهات من أفواههم، كان يمكن ان نقبل بهذا التماهي مع الموقف الرسمي في كل شئ الا في هذه .. الاردنيون لن يبعوا فلسطين للاحتلال ايها السادة، الاردنيون لن يشاركوا في هذا البازار، الذي يساوم فيه الاعراب على البشر والحجر والمقدسات، يدللون فيه على حقوقنا وتاريخنا وأرضنا، مؤتمر يريدون فيه جمع المال السحت لشراء الذمم والضمائر وبيع القيم والمبادئ.. كيف يريدوننا أن نشارك، والمشاركة موقف، والمشاركة رسالة للعالم باننا متساهلون، متصالحون مع الفكرة، ولكننا متحفظون على بعض التفاصيل، المشاركة توجه رسالة ملتبسة للداخل والخارج، مشاركة تتعارض مع الموقف الملكي الرافض لصفقة القرن، مع اللاءات الثلاث التي اعلن عنها الملك، مشاركة تضعف موقف الاشقاء الفلسطينيين الذين اعلنوا مقاطعتهم لاعمال هذه الورشة وانسجم رجال الاعمال الفلسطينيون من كل اصقاع الدنيا مع قرار السلطة، هذه المشاركة ستحرجهم وستضعف مقاومتهم للمشروع وستزرع بذور الشك والريبة من الموقف الاردني، الامر الذي قد يتسبب بتداعيات لا يحمد عقباها..
المشاركة في المؤتمر تعني انه لا هوامش للحركة خارج سياق الموقف الامريكي السعودي ،ولو كان الحليفان يسعيان للنيل من استقرار واستقلال دولتنا وحقوق ابنائها من الاردنيين من اصول فلسطينية، ولو كانا يسعيان لتصفية القضية الفلسطينينة وشرعنة الاحتلال والاستيطان والتوسع على حساب اراضي وممتلكات وحقوق الشعب الفلسطيني الشقيق. المشاركة تعني ان السلطة في بلادنا منزوعة الارادة غير قادرة على الدفاع عن نفسها عن وجودها، غير قادرة على اتخاذ موقف حاسم وقاطع، مسكونه بالتسويات وانصاف المواقف وانصاف الحلول، يستوطن الخوف والطمع قلوب غالبيتهم، وكما تعرفون ان الخوف يقطع الركب، اذا لم نفعلها اليوم فما الذي سيبقى لنقوله ونفعله؟
صحيح اننا خسرنا في السنوات الماضية ادوات التأثير في موقف وقرارات واتجاهات القوى العظمى ودول الاقليم ، وازددنا ارتهانا للمساعدات والمنح والمعونات والقروض ، صحيح اننا خسرنا اراديا، الكثير من الاوراق وادوات الضغط ،صحيح ان جبهتنا الداخلية قد تصدعت جراء الحصار الاقتصادي الممنهج والفساد الاداري المنتظم، ولكن هذا لا يعني ابدا ان ننحني اكثر، ونحن نعرف ان المطلوب هو رأسنا، وليس اقل من ذلك..
يريدون اغتصاب ارضنا ودولتنا ومقدساتنا ونحن نشاركهم المائدة، بذريعة ان وجودنا خير من عدمه وان وجودنا يضمن التعبير عن موقفنا مما يجري ومما يحيكون ويخططون ويتآمرون... ما هذا المنطق الغريب، مقاطعتنا يا سادة هي موقف بحد ذاته، ونحن نعرف جيدا ما يخططون، ووجودنا لن يضيف شيئا، ولن يعيق مشروعهم، لا بل سيزيدهم ذلك تصميما، وهم يشتمون رائحة خوف مسؤولينا، واهتزاز صوتهم، وارتجاف اطرافهم، كيف لا، و دلالات المشاركة ناطقة بمعانيها..
في القاعة هناك حيث المؤتمرون المتآمرون، صوت نشاز طاغ وباطل، وخارجها يدوي صوت الحق والشرعية، فلننحاز لانفسنا لحقوقنا ولا نكون جزءا من جوقة التفريط والسمسرة والبيع ..الاردن اكبر من ذلك، والقيادة بظني قادرة على فهم المعطيات والاشارات والغاية النهائية من هذه الصفقة الصهيونية.. اما كوشنر الذي سيزورنا في الغد وهو عراب الصفقة، فنقول له لا اهلا ولا سهلا، فارضنا الطاهرة المضمخة بدماء الشهداء تأبى ان تدوس ترابها الطهور ..
وبقي ان نقول، ان هذا التردد الرسمي لا يعني ابدا، ان الناس ستتصالح مع الفكرة، وان لُعابها سيسيل جراء المغريات، المليارات التي ستوزع على الانظمة والافراد، تتذكرون ما رافق توقيع اتفاقية السلام مع اسرائيل من وعود بالسمن والعسل ونحن من تاريخه لم نر الخير ابدا؟ لا يغرنكم صمت الناس وترقبها، فوالله ستواجهون ما لا قبل لكم به وستلتحم الجموع والقوى لمواجهة مشروعكم التصفوي..
الاردنيون ليسوا برسم البيع، الفلسطينيون ليسوا برسم البيع.. الارض والمقدسات ليست مادة للمساومة والمفاوضة عليها، الانظمة لا تملك هذا الحق، ولا يحق لاحد ان يوقع على شيء لا يملكه..