ليلة في الجويدة .. منال كشت
نعم؛ سأتكلم عن اهم ليلة في حياتي؛ والأكثر خبرة وتأثيرا في شخصيتي.
لم اجمّل الأمور منذ البداية، وقلت عبر صفحتي على الفيس بوك انني سأسجن الليلة؛ وأوضحت القضية أنني محكومة بمبلغ مالي لصالح أحد البنوك تعثرت عن سداده؛ وأعتقد أن الالاف يعانون معاناتي ولست الوحيدة في ذلك؛ فملكت الجرأة وأعلنت ذلك، ولم ادعي أنني في زيارة لدبي لغايات التسوق، بل أنني في طريقي إلى سجن الجويدة.
بداية القصة كانت بتوقيفي في مبنى مجلس النواب، ومن ثم اصطحابي الى مركز امن الحسين، حيث دخلت الى المركز؛ وهناك جرى معاملتي بطريقة رائعة والاعتناء بي وسمح لي بالتواصل مع المحاميين والأصدقاء، وبعد ذلك صدر قرار ترحيلي الى الجويدة الساعة السابعة مساء؛ بعد فشل كل المحاولات لعدم دخولي السجن في تلك الليلة.
تم ترحيلي الى التنفيذ القضائي ومنه إلى السجن برفقة السيدة ام عبدالله وهي سيدة كانت قد كفلت ابنها ولم يسدد؛ لاجدها رفيقة درب السجن.
وصلنا الجويدة .. وتم إدخالنا وأخذ كل مقتياناتنا… وتفتيشنا من خلال خلع كل ملابسنا والقرفصة اكتر من مرة للتأكد من عدم وجود مخدرات، فكانت أغرب تجربة في حياتي.
توجهنا إلى المهجع أربع سيدات، ودخلنا غرفة مظلمة جدا بإضاءة ضعيفة وبدون اي تهوية؛ فانكمشت في زاوية صغيرة في محاولة عدم لمس ما هو محيط بي.
سالوني ان كنت اريد طعاما؛ وقالو لي العشاء “مقلوبة فول بالدجاج” ، اعتذرت بلباقة وشكرتهم لاني نباتية، متحملة الضحكات، بل وضحكت معهم، فلا أظن أنني في موقع يسمح بهذا الطرح؛ ضمن ” المنيو” المعروض.
في وسط المهج؛ وجدت “المعلمة” وحولها عدد من الفتيات؛ تماما كما في الأفلام المصرية، حيث استمر الحديث لعدة ساعات قبل أن تعلن المعلمة انها بدها ” تنام وما بدها تسمع صوت”، شخصيا التزمت مباشرة بتلك الأوامر؛ فلا أملك مقومات النضال والمقاومة في هذه الحالات؛ ولن ينفعني ما تدربت عليه من لغة الحوار في الفنادق ذات الخمس نجوم.
سهرت الليل انظر من شق النافذة الصغير، انتظر اي بصيص ضوء، ثم استيقظت “المعلمة” لأنها” مش عارفة تنام” فبدأ ما كنت اتوقعه؛ وهو حديث السجن؛ قصص الدعارة والمخدرات والسرقة، ومخيمات اللاجئين، وسيدات غارمات بسبب تكفيل زوج او ابن او صديقة او جارة.
معي في المهجع، دكتورة جامعية تم توقيفها على مبلغ ٢٠٠ دينار قرض، ولسوء فهم في التسديد تم حبسها، وفتاة تقدم محاضرات عن التمكين الريادي؛ تم الحجز عليها لتأخرها في سداد قسط، وأخرى أمية “بصمت” على كمبيالة لزوجها؛ انهتها برفقتنا، ومتسولة اتهمت بالدعارة وتسعى لتبرئة نفسها، وصبية تتاجر بالمخدرات، وأخرى تحمل جنسية عربية تعمل في السحر… وقصص أخرى لا استطيع ذكرها؛ هي من رافقت هذه الليلة، بمعية “المعلمة”.
جاء الصباح؛ واعطتني المعلمة مع بنتين من الجدد اوامر بشطف الغرفة؛ وطبعا شطفت، حتى اتى الفرج بأن نذهب إلى المحكمة لغايات الاستئناف؛ وتم تكفيلي لاغادر؛ لمدة أسبوعين للتسوية أو أعود إلى ” زمالة المعلمة” والشطف؛ والاكل غير المخصص للنباتيين.
هذه مذكراتي؛ شاكرة كل من سأل عني، ووقف معي؛ شاكرة الرأي العام ودعمه، وسانقل تجربتي القادمة؛ ما لم تحل قضيتي؛ شاكرة كل من انتقدني متفهمة وجهة نظرهم أو انطباعاتهم؛ علنا نفتح ملف توقيف المدين مجددا.