اطلقوا سراح المعتقلين !!!!!!!


أنباء الوطن -

سليم البطاينة

كم هو جميل عندما نكتب عبارات وكلمات يراها البعض مهمة ومعبرة ويراها اخرون بلا معنى فالاردنيون يتسائلون يومياً هل تجهل الدولة واجهزتها ما يحدث داخلياً؟ ولماذ لا يستمعون إلى النُصح من الخبراء والنُخب حينما يدقون ناقوس الخطر؟ فمن يوجّه الانتقاد لمؤسسة الحكم أو الدولة أو الحكومة فهو في الحقيقة يؤمن بشرعية النظام ويخاف عليه فالانتقاد يأتي من باب الرفض لسياسات ظالمة لم تُحقق طموحات الناس.

فما زال قاموس الفكر السياسي الاردني بحاجة إلى مراجعة وتعريف معنى المعارضة السياسية علمًا بأن الصورة لأي نظام سياسي لا تكتمل ما لم تكن هناك معارضة، فالمعارضة المؤطّرة فردياً في أي بلد هي مصدر قوة ونعمة للدولة وليست مصدر خوف.

فالحكومة وحتى هذه اللحظة لا تعترف بوجود معتقلين رأي، رغم أن عددهم كما سمعت قليل جداً ولا يزيدون عن ستون شخصاً فتلك الاعتقالات والمُحاكمات بسبب انتقاد الأوضاع غير مبررة وعقابية ولها تاثير مخيف على حرية الكلمة والتعبير فحرية التعبير مصانة حسب المادة (١٥) من الدستور الاردني. والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية International covenant on civil pacts، حيث يحمي هاذا العهد الحق في حرية التعبير ونقل المعلومات والأفكار بشتى اشكالها سواء بالقول أو الكتابة أو الطباعة( المادة ١٩ منه )والأردن كانت من أوائل الدولة الموقعة على ذلك العهد فهناك على ما يبدو الْتِباس وضبابية لدى البعض حول تعريف من هو المعتقل السياسي ومعتقل الرأي.

فمؤسف ان تنزلق الأمور إلى هذا الحد وننشغلُ بالكتابة في هذا الامر والذي تجاوزته الدولة منذُ عقود طويلة من الزمن فلم يعوّدنا الهاشميون على الخصام، ولم يكونوا في يوم من الأيام خصمًا لأي كان من أفراد شعبهم. ونفخر دومًا بأن الدم لم ينزف على تراب الوطن في عهدهم، ولم يُعدم أو يتم تصفية أي معارض من الذين ناكفوهم من السياسيين.

فكلما تفائلنا بشي نعود لنقطة الصفر وكأننا لن نُغادر هذا المربع الأسود المغلق وهو عدم اتساع صدر الدولة لمنتقديها فالحرية مطلوبة للجميع والاعتقالات هنا وهناك تُحطم كل ما يحلم به الاردنيين وستُساهم في تعميق الأزمة الداخلية وفي تأزيم المشهد بشكل عام وفي ظل انهيار اقتصادي لم تشهده البلاد سابقًا.

فلا بد أن يعرف المسؤولين داخل الدولة العميقة أننا لا نعيش في دولة الخوف التي لا حق فيها لمواطن أن يبدي رأيه، أو أن يعترض على ظلم وقع به أو بغيره وجريمة كبرى بأن يتم تطهير الساحة السياسية من المعارضين والمختلفين مع الدولة وسياساتها فإذا عمّت الفوضى السياسية في البلاد عندها لن يكون هناك حدود واضحة بين المسموح والمُحرّم داخل بنية الدولة فالنظام السياسي العقلاني والذكي هو الذي يتّسعُ صدره لأي كان، ويمنع أية اعتقالات أو محاكمات بخصوص حرية الرأي والكلمة فما أكثر الأوطان التي تُعطينا أسمها وتأخذُ منا الأمان.

فالدول الدكتاتورية في العالم هي التي لا تستطيع أن تفتح حوار كبير يضم ويستوعب جميع الأطياف للتحاور من أجل الوصول إلى حلول منطقية للنهوض بالوطن فتلك الدول يعمل قضاؤها على أن الاعتقال فعلاً مشروع وقانوني، فالاعتقال السياسي لَديهم يتحول إلى اتهام قانوني فشرعية القوة والقبضة الأمنية لديهم هي التبرير كحق شرعي باسم الأمن، وهو ايضاً مبرر آخر تُسوق له تلك الدول حتى تستطيع الحفاظ على كينونتها من الانهيار.

فتجربة الحكم في الأردن كانت وما زالت تُعتبر انموذجاً يلفت أنظار العالم في علاقة الملك بابناء شعبه، فمظلته كبيرة وتتسع للجميع، فهو قاموس ومرجع وبيت يحتضن المتخاصمين، فلا بد من عودة الوعي لأجهزة الدولة لنفض الغبار وانتزاع براثن الخوف من اشياء كثيرة فاطلقوا سراح من انتقدكم وتوقفوا عن ملاحقة من يحب ويخاف على الأردن، فذلك لا يليق بنا فنحن بحاجة ماسة إلى انفراجات وإصلاح على كل المستويات.

كاتب ونائب اردني سابق