المستقبل ليس كما كنا نظن!
الدكتور يعقوب ناصر الدين
لطالما تحدثنا عن المستقبل على أنه مرتبط بالأمل، أو بما هو أفضل في قادم الأيام، وغالبا ما ننسى أنه من دون أن نستكمل استحقاقات الحاضر فإن المستقبل لا يمكن أن يأتي لنا بجديد، لذلك كان التفكير والتخطيط المبني على الحقائق والبيانات الصحيحة هو الأساس الذي يرينا واقعنا كما هو، ويرينا مستقبلنا، وليس حظنا!
مع انتهاء المئوية الأولى من عمر الدولة تشكلت لدينا مواعيد جديدة نضربها مع المئوية الثانية، على أنها مستقبل الأردن الذي نعدّ له العدّة كي ندخل إليها ونحن أكثر قوة وثباتا، وتلك هي عزيمتنا، وذلك هو أملنا، ونحن الآن في مرحلة المخاض الذي يسبق ولادة تلك المئوية، وها نحن نجتهد الآن من أجل تحديث المنظومة السياسية، ونحن ندرك أن أزمتنا الاقتصادية والإدارية تشغل بال السواد الأعظم من الناس، لأنها تؤثر على حياتهم اليومية بصورة مباشرة، ولا شك أنها ثقيلة ومعقدة، وتبدو كذلك أنها طويلة الأمد.
ما زال اقتصادنا تقليديا إلى حد بعيد، ورغم الخطوات التي أنجزها الأردن في مجالات ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلا أن المستقبل الذي نتطلع إليه يرتكز أساسا كما هو واضح لنا على تطور التكنولوجيا الرقمية، وهي فضاء واسع جدا بالنسبة للأفراد وريادة الأعمال، وليست المؤسسات وحدها التي يمكن أن تعمل بناء على إستراتيجية جديدة تنسجم مع مستقبلنا القريب.
إن ذلك التحدي يختبر كل يوم قدراتنا على استخدام التكنولوجيا الرقمية في مشروعاتنا القائمة حاليا، أو تلك التي سنقيمها لاحقا، واليوم يبدو لنا التعليم العام والتعليم العالي هو مركز تلك العملية التي يدور حولها محور الزراعة، ومحور الصناعة، ومحور التجارة، ومحور السياحة التي تشكل معا الحقيبة الاقتصادية الأردنية، بكل ما يرتبط بها من هوية وطنية، وميزة تنافسية، وقيمة مضافة للقطاعات الاقتصادية المختلفة.
تلك الحيوية إذا ما اكتملت فستكون الزراعة قائمة على أنماط جديدة لتصبح إحدى أهم مدخلات الإنتاج الصناعي، الذي يرتقي بدوره إلى التصنيع التقني التكنولوجي المعتمد على الإنتاج الزراعي، والمواد الخام المحلية، ورأس المال البشري، ويحقق الجودة التي تزدهر بها التجارة، وتضيف عنصرا مهما للسياحة التي تعتمد على التسويق الإلكتروني من ناحية، وعلى ترويج قطاعاتها العلاجية والدينية والتاريخية، وتفتح أسواقا إضافية للمنتج الزراعي والصناعي الأردني.
المستقبل يدعونا إلى وضع إستراتيجية متكاملة للتعليم، يكون فيها العاجل استكمال الأفكار، ورسم الخطط، ويكون الآجل وضع آليات التنفيذ، وتحديد أمدها المتوسط والبعيد المدى؛ ذلك أن العنصر الحاسم في هذا كلّه هو القوى البشرية الأردنية المتعلمة والمتدربة والمؤهلة، والمستوعبة في نطاق الإستراتيجية الشاملة للدولة، فما من بلد من تلك البلدان التي أصبحت مضرب الأمثال في النهوض الاقتصادي إلا وقد بنت إستراتيجيتها على التعليم، وصبرت عشرين عاما حتى تحقق نجاحها، وتحققت طموحاتها.
نحن جزء من مستقبل منطقتنا، ومن مستقبل العالم الذي دخل حقبة الثورة الصناعية الرابعة، والذكاء الاصطناعي، وهو لا يعرف أيهما يسبق الآخر، ولم يعد المستقبل كما كنا نظن مستودع الأمل والأحلام الوردية، والآتي الأجمل، إنه في ظل عالم من هذا النوع الصراع من أجل البقاء، وكسب معركة الحياة!