وفاة مليونير أردني.. لم يحضر أبناؤه جنازته.. السنيد يكتب: المسؤولية الأخلاقية للأغنياء في مجتمع الفقراء


أنباء الوطن -

النائب الاسبق علي السنيد

: قبل عدة سنوات مضت، وانقضت من حياتي، وكنت حينها اعمل مديرا لجمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية، وكنت افتقدت احد أصدقائي لايام متواصلة، وعندما سألت عنه اخبروني انه مشغول بإقامة بيت عزاء لاحد الجيران الذي قضى وحيدا، وبعدها التقينا، وكان يعروه الحزن العميق على ذلك الكهل الذي توفي بصمت، ورحل عن الدنيا، ولم يحضر بعض أبنائه الذين يقيمون في الخارج جنازته، ولم يكلفوا خواطرهم بالمجيء الى الأردن،  والمشاركة في تشييع جثمان والدهم الذي دفن بمن حضر.  اخبرني حينها ان اشد ما يؤلمه ان هذا الراحل للتو ترك في الدنيا ملايين الدنانير والعقارات التي ستؤول الى أولئك العاقين من ابنائه، وتحسرنا سويا على مصير هذا الانسان الذي لو وعى حقيقة الدنيا لكان اسعد المئات من الفقراء والمعوزين بماله الذي يذهب للهباء، ولكان ذاق حلاوة عمل الخير، وكسب رضى الله سبحانه وتعالى القائل في كتابه العزيز  ان الله يحب المحسنين. غير انه رحل عن الدنيا للمرة الأخيرة ، وترك الاموال من خلفه لأولئك الجاحدين الذين لم يحظ منهم بمجرد نظرة وداع تليق به كأب. هذه القصة تختصر مشهدا من مشاهد الأغنياء البخلاء- وليس كل الأغنياء عندنا يبخلون بما اتاهم الله من فضله -  وانما البخلاء في مجتمعنا الذين يجمعون الأموال ويكنزونها، ويحرمون الفقراء منها، ويحرمون انفسهم من السعادة بها ذلك ان السعادة شعور مشترك يتولد عن اسعاد الاخرين ممن حرمتهم الدنيا متاعها، وكان حظهم فيها قليل، وعانوا من شدة الضنك وقلة ذات اليد.  في محافظاتنا وقرانا المنسية آلاف الفقراء ممن نسيتهم خطط الحكومات، وتخلت عنهم برامج التنمية  ليتبدى ايضا اهمال بخلاء الأغنياء الذي يطفئ جذوة الامل في نفوسهم . وفقراء الاردنيين محض بشر يقاسون على خلفية فشل الحكومات وقصور السياسات الرسمية من شظف العيش، ونكد الدنيا، وتكاد تكون اقل متطلباتهم باعثا على الهموم والاحزان، والمعاناة اليومية المتواصلة ، فيعانون في المأكل والملبس،  وفي العلاج، وفي دفع فواتير الكهرباء، ويذوقون الامرين لتأمين ايجارات المساكن، واحتياجات أطفالهم، وتنكل بهم الدنيا في سبيل تدريس أبنائهم، وعند دفع رسوم الجامعات، والهموم تظل تطاردهم في صحوهم ونومهم.  وبعض الناس لا يجد ما يقيت به اطفاله، وقد يستدين ثمن الخبز، وفوط الأطفال وحليبهم، ومن الأردنيين في القرى اليابسة من يؤرقه ثمن جرة الغاز في الشتاء ، واستغنى عن ذلك أحيانا وراح يتدفأ هو واطفاله بأنفاسه الوطنية.   والقرى تعج بالعاطلين عن العمل ممن فقدوا طريق مستقبلهم، وأصبحت مسارات الحياة مظلمة في عيونهم، وهنالك من الإباء المعيلين من يرزح تحت طائلة الديون ، وقد عجز عن مواجهة ابسط متطلبات الحياة، وفقد شعوره الوطني، وفقد الإحساس بإنسانيته. ومنهم من يسددون الديون بديون حتى مضوا في دوامة لا تنتهي من البؤس والحرمان. الفقراء في مجتمعنا وحيدون في معاناتهم، وهم يتألمون دائما، وتغلق الدنيا وابواب المسؤولين الرحمة في وجوههم، وقد توحشت إثر ذلك المشاعر الوطنية. وفي المقابل يعيش المترفون بلا ادنى مشاعر تربطهم بمواطنيهم الفقراء في ذات المجتمع الواحد، وهم يتجاهلون الجياع والمساكين حتى اذا ما جاءهم الموت بغتة  اكتشفوا هشاشة الحياة ، وسراب التملك، والاماني الكاذبة  التي كانوا يطاردونها بلا طائل . فالاغنياء الذين يتصفون بالبخل يعيشون ويموتون دون ان يدركوا كنه الحياة، وسرها العظيم القائم على اننا كلنا نمثل ادورا مفروضة على مسرح الحياة، والعاقل من يجيد أداء دوره، ويقدم افضل ما عنده، ويرحل بسلام دون ان تخدعه الحياة ، ويصدق ان بقاءه قائم فيها للابد. هؤلاء الذين خسروا انفسهم كان يمكن ان يشكل المال المتوفر لديهم طوق النجاة لهم، ووسيلة لاكتشاف انسانيتهم، وطريقا رائعا الى السعادة المشتركة من خلال ادخال الفرحة على المساكين والبؤساء في هذه الدنيا فيسعدون، ويشعرون ان لحياتهم قيمة ومعنى بطلب رضى الله سبحانه وتعالى التي هي غاية حياة المسلم.   وانا استغرب عندما اتابع قصص واخبار الأنشطة الإنسانية الكبيرة على مستوى العالم التي يقوم بها اثرياء امريكان واوربيين، وكيف ينفقون المليارات في مساعدة الشرائح المحتاجة للتمكين، ودعم حاجة بعض الدول الفقيرة في الحصول على المطاعيم او في مكافحة الامراض الخطيرة في المجتمعات الفقيرة . وتجد ان السيرة الذاتية الخاصة باثرياء العالم من غير العرب والمسلمين تؤكد ان عديدين منهم يضعون عشرات المليارات وبعضهم جل ثرواتهم من اجل الاعمال الإنسانية الكبيرة رغم ان مجتمعاتهم شبه مكتفية، وتتوفر فيها سبل العيش الكريم. في حين ان مجتمعاتنا المسلمة تجد بعض كبار الأثرياء فيها يتهربون من واجباتهم الدينية والوطنية، وقد يتهربون ضريبيا، ولا يساهمون في تخفيف حدة الفقر والعوز الذي يمس بالامن الوطني في حال استفحل في المجتمع. ويعيش الفقراء في خواصر الدولة الضعيفة في هموم لا تنقضي، وتدفعهم ضغوط الحياة الى زاويا مظلمة. والاغنياء ورجال الاعمال الخيرين عليهم ان يلتفتوا الى ما يمكن له على المدى البعيد ان يمس بالامن الوطني، وسلامة المجتمع, نحن نحتاج الى جهد كبير ومبادرات على المستوى الوطني يمكن ان يكون لها مردود حقيقي في المناطق المهمشة ، والتي تعد جيوبا للفقر،  ومستودعا للبؤس والحرمان في الوطن. لا شك ان هنالك من الأغنياء محسنون يحنون على المساكين،  ويقومون بواجب وطنهم، ومجتمعهم في الرعاية، ويتحسسون اوجاع الناس، ولكن الفقر معضلة كبيرة، وهو يستفحل، ويتوحش يوما اثر يوم ويحتاج الى جهود كبيرة، و صحوة ضمير .