آثار الدَّين العام (المِطرَقة الثَّقيلة) على التوظيف .. هاجساً وطنيا ً
آثار الدَّين العام المرتفع والمتزايد في الأردن عامل مُقلق للخبراء الإقتصاديين وخاصة خبراء صندوق النَّقد الدولي ، ممّا سيكون له تَبِعات على تصنيف الأردن الإئتماني والإستثماري؛ ولهذا يستوجب أن تُخطط الحكومة لإتخاذ تدابير تقشُّفية واسعة النِطاق بإتجاه (موجبات ومُتطلبات ضبط أوضاع الموزانة العامة) دون أي تأخير وقبل نهاية العام. بإعتبار أن (رؤية التحديث الإقتصادي) مرجعيّة للدولة فيما يخص رسم السياسات المالية والإقتصادية وعابرة للحكومات ، ضمن مُقتضيات ضرورة البحث العلمي ، تصفَّحت أوراقها بعِناية عشرات المرات ووجدت أن إدارة الدَّين العام ومعالجة العجز في الموازنة لم يتطرق لها فريق إعداد الرؤيا من قريب أو بعيد ، ألا يحقّ لنا القول إذا لم تكن هذه المسألة في مقدمة وأهداف عمل الفريق ، فما الجدوى من هذه الرؤية بالأساس ، أليس كذلك ؟ أنا لست حزين ، هناك ما يُدهشُنا به المهرّجون وتنتهي الحكاية بعد إنتهاء عرض السيرك كونُه وقت اللعب والتسلية ، بِطَيْ آخر صفحة ، نخرج من عرض مسرحية (خيانة الثقة) للشارع لنُواجِه واقع الحياة بحُلوِها ومُرِها. وتبقى أصوات ومطالبات المُعَطَّلين عن العمل وأصحاب الحاجات المحقّة هي الباقية في الهواء ، وآذان ذلك الفريق لا تريد أن تسمع . المديونية صِفة غالبة للإقتصاد الدولي ، كما يظهر بوُضوح قُصور النظام الإقتصادي الراهن في معالجتها. كما تشير الظواهر وواقع الحال بقصور إعادة بناء الإقتصاديات المُنهارة. من هنا تأتي الحاجة الماسَّة إلى تعاون الجميع لتحييد سلوك أدوات تنظيم التدفُّقات والمدفوعات على كافة المستويات بدءاً من الدولة ومجتمع الأعمال والناس من خلال ترشيد أنماط الإستهلاك ، والحاجة إلى أن يكون تنظيمها من قِبل الدولة بفرض حالة من التسويات المالية بين البنوك والمؤسسات الدائنة والمدينين وخاصة المتعثّرين ، تحديداً في البلدان الفقيرة المُثقَلة بالديون ، كما أنه لا بُد أن نتحوَّط من زيادة الأعباء على المؤسسات والأفراد نظراً لحاجتها المستقبليّة للقروض ، مُؤكدة إن لم تكن تتزايد لن تنقص بسبب إنخفاض معدلات توفُّر السيولة المالية ومَقدِرتها على السداد تتناقص ، بسبب إنخفاض النشاط الإقتصادي وبالأخص الصادرات وإنخفاض الأسعار نظراً لزيادة حدّة المُنافسة العالمية؟ على مستوى الموازنة العامة للدولة ، آثار تزايد الدَّين جرّاء إستمرار العجز في ميزان المدفوعات، وهيمنة بعض الموارد على حركة التدفّقات النقديّة يُرافق ذلك إنخفاض أو تجميد أهلية بعض الدول الإئتمانية. وعليه ، فإن الإصلاح بسُلوك الإقتراض، يجب أن يعتمد على تمويل المشاريع بشكل يتناسب مع أهداف زيادة الإنتاجية ، وعدم الإعتماد على الإقتراض بتمويل موازين المدفوعات للنفقات الجارية ، على ألا يعتبر أو لا يُنظَر إلى هذا التوجُّه بأن تمويل المشاريع كبديل لتمويل موازين المدفوعات، وأن الهدف الرئيسي إيجاد التناسب في إعادة هيكلة التمويل، لتأمين متطلبات الميزانية بشكل مستمر، تُرافقها أهداف إقتصادية شُموليّة عند وضع السياسات المالية العامة، وإعادة توجيه السياسات الإقتصادية من أجل تحقيق نُمو مُطَّرِد، لتخفيض وضبط مستوى الإختلالات والتوتّرات التجارية والسيولة المتاحة في الأسواق ، والمحافظة على نمو معدلات الإدخار القومي ومعدلات تكوين رأس المال وتعاظُم الثروة، اللذين يؤمِّنان تدعيم زيادة معدلات النمو المناسبة في الطاقة الإنتاجية والتشغيل والتوظيف لعلاقتهما المباشرة بالإدخار الخاص. تعتبر السياسات الضريبية من العناصر المؤثرة على الإدخار الخاص، والمديونية الحكومية وزيادة نسبة الموارد التي يستخدمها القطاع العام ، وكذلك النَّقص في المُدَّخرات المحلية المتوافرة لتمويل فُرص الإستثمار المحلي، التي تؤثر سلباً على حساب المعاملات الجارية، كما أن التوجُّه بزيادة الإستثمار العام بهدف تحسين الإنتاجية كالإستثمار في الصحة والتعليم والتدريب لإرتباطهما المباشر بتعزيز الرعاية الإجتماعية، فيما يخص البنية الأساسية العمرانية مع ضرورة وضع هدف إدارة العجز الهيكلي بتخفيض نسبة الدَّين إلى إجمالي الناتج المحلي بصورة تدريجية. أما في حال كَوْن العجز مرتبطاً بإعادة هيكلة وترشيد الإنفاق العام على حساب الإستثمار العام الإنتاجي، الذي يُحقّق مردوداً طويل الأجل ويُعتبر مصدراً جديداً للدخل، إذا إرتفع مستوى الإنتاجية لتغطية خدمة الدَّين الحكومي. بطريقة أخرى ، فإن الحاجة الماسَّة إلى ضبط الميزانية بهدف زيادة في الإنفاق في مجالات ذات مردود طويل الأجل تُوفِّر فائض من التكلفة القصيرة وطويلة الأجل. وقد طالبت اللجنة المؤقتة في صندوق النقد الدولي البلدان الصناعية مرّات عدة، الإلتزام بإستراتيجية تخفيض التضخم والعجز والإصلاح الهيكلي لمعالجة إختلالات العجز المزمن في الموازنة وإرتفاع معدّلات البطالة بشكل متزايد ومعدلات مرتفعة لتصل ما يقارب 50% من جيل الشباب وكذلك إنخفاض نسب توظيف النساء . إن الفشل في ضبط أوضاع الموازنة يؤدي إلى إرتفاع أعباء خدمة الدَّين، وتفقِد البلدان قدراتها على إستخدام السياسة المالية العامة كأحد أهم الأدوات لتثبيت الأوضاع الإقتصادية، بينما تؤدي إختلالات الموازنة إلى إستمرار تحويل الموارد من الإنفاق الإستثماري إلى الإستهلاك، الذي يُعتبر خطراً كبيراً يُهدّد بحدوث إرتباك في معدلات نُمو الإنتاج والتشغيل. إن عدم تطبيق إصلاحات إجرائية وسريعة لإحتواء العُجوزات المُستقبليّة المُتوقعة، تؤدي إلى تفاقم المشكلة ، التي ستتعدى خطر زيادة الضرائب وهبوط مستوى المعاشات التقاعديّة والضمان الإجتماعي والصحي وإرتفاع خدمة الدَّين، بل ستؤدي إلى هبوط نمو الإنتاجية وإنخفاض الدَّخل الحقيقي للأفراد والقيمة والقدرة الشرائيّة في ظِل إرتفاع تكلفة المعيشة ، بسبب عدم كفاية تكوين رأس المال وإنخفاض مُعدّلات الإستثمار وضَعف إمكانية إيجاد فُرص عمل جديدة . الرئيس التنفيذي / مرصد مؤشر المستقبل الإقتصادي anwar.aak@gmail.com