لماذا شكَّل عدي التميمي حالة نادرة التفَّت حولها الجماهير الفلسطينية وأحدث ضجة في الشارع الإسرائيلي
شكَّل استشهاد الشاب الفلسطيني عدي التميمي، ٢٢ عاماً، حلقة أخرى في سلسلة المشاهد الرمزية التي تؤجج العاطفة في الشارع الفلسطيني وتدفعه نحو التفاف عارم حول الشكل الجديد للكفاح ضد الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، بعد نحو عقدين من حالة فقدان صورة القدوة والبطل بالنسبة للجيل الصاعد، فلماذا عدي تحديداً الذي شكَّل هذه الحالة؟ ولماذا اهتم به الإعلام الإسرائيلي بهذا الشكل؟
حكاية عدي بدأت بمشهد إطلاقه النار على جمعٍ من جنود الاحتلال من مسافة صفر في أحد الحواجز العسكرية، وقتله جندياً وإصابة آخرين ثم تمكنه من الهرب وانتهت بعد عشرة أيام من المطاردة والبحث، وانتهت بمشهد أسطوري آخر قاتل فيه حتى آخر نفس، أعادت تشكيل الرمز في الوعي الفلسطيني، وفق خبراء.
ويفسر الكاتب والمحلل السياسي عادل شديد التفاعل الفلسطيني الواسع مع عملية عدي التميمي وحادثة استشهاده بأنه تعبير عن تأييد والتفاف حول مكانة الفدائي والكفاح المسلح بشكل عام.
ورأى شديد في حديث لـ"عربي بوست" أن نشر الاحتلال لفيديو استشهاد التميمي كان طمأنة للمجتمع اليهودي بأن هذا الفلسطيني تم قتله، ورسالة للفلسطينيين بأن مصير أي منفذ عملية هو القتل، لكن القتال الذي أبداه عدي حتى آخر أنفاسه أعطى نتيجة عكسية وأصبح يمثل حالة رمزية في الوعي الفلسطيني، وأعاد إنتاج صورة الفدائي بالمخيلة الفلسطينية، مضيفاً أن عملية عدي ومشهد استشهاده فتحا الباب لعمليات مشابهة أخرى في المستقبل.
ويقول الخبير السياسي ماجد عاروري إن الفلسطيني خلال العقدين الأخيرين كان يفتقر للقدرة، وعندما جاء أشخاص قادرون على إحداث نوع من العمل الوطني بمعزل عن الصراعات السياسية، أحدث ذلك انشداداً عاطفياً في الشارع تجاه هؤلاء الأشخاص، سواء عدي أو غيره من الجماعات والأفراد الذين ينفذون عمليات ضد الاحتلال.
ويوضح أن حالة التعاطف مع عدي أعطت نتائج معكوسة للهدف الذي وضعه الاحتلال من نشر الفيديو، وأظهرته كأسطورة لكون الشارع الفلسطيني يفتقد للرمز.
جيل جديد لم يعِش الهزائم
ولا يفصل الخبراء ما حدث من هالة كبيرة اكتسبها عدي التميمي وغيره من شهداء عن الأجواء العامة والتغيرات الحاصلة في الضفة الغربية.
ويقول عاروري إننا أمام جيل شباب من مواليد عام ٢٠٠٠ لم يعش الانقسامات السياسية التي عاشها الفلسطيني في الأجيال السابقة، بالتالي يملك نوعاً من القوة التي لم تتعرض للانكسار؛ وهو ما انعكس على إحساس هذا الجيل بقدرته على التغيير.
وتتقارب إلى حد كبير أعمار الشهداء الفلسطينيين ممن اكتسبوا هالة وحالة التفاف في الشارع الفلسطيني خلال الهبة التي تشهدها الضفة الغربية منذ أشهر، إذ تتراوح أعمارهم بين ١٩ و٢٤ عاماً.
ويقول عاروري إن الإخفاقات السياسية المتتالية المستمرة منذ نشوء السلطة عام ١٩٩٦ وما تلاها من خسائر داخلية متمثلة بحالة الانقسام وحالة الانكسار التي عاشها الفلسطينيون في عهد الرئيس محمود عباس، أظهرت أثراً على الجيل الجديد، وعندما برزت قيادات قادرة على صنع إنجازات تم الالتفاف حولها في إطار رحلة البحث عن الرمز والقدوة.
وتنشط في الضفة في الآونة الاخيرة جماعات مسلحة تحرص على نفي اية صفة حزبية عنها، وتؤكد مراراً أنها لا تتبع لأي فصيل.
ويوضح عاروري أن هوية هذه الجماعات السياسية مختلفة عن الفصائل، وتتشكل من مزيج من الانتماءات، ولا تخضع لسيطرة تنظيمية، وبالتالي فإن هذين العاملين يؤثران بشكل كبير في العمل الوطني.
واعتبر أن حالة الحراك في الميدان يرافقها حراك آخر سياسي اجتماعي على مستوى التجمعات الفلسطينية لإيجاد كيان سياسي جديد وإحداث تغيير على منظومة العمل الوطني ضد الاحتلال.
في حين يرى الكاتب والمحلل السياسي عادل شديد أنه من المبكر الحديث عن تشكيل قيادات ميدانية وحدوث تغيير في الضفة على مستوى الكيانات السياسية.
تحقيق إسرائيلي في الإخفاق بالقبض على عدي التميمي
على الجانب الإسرائيلي، أظهرت عملية عدي التميمي ونجاحه بالتخفي إلى حين الظهور مرة أخرى ومحاولة تنفيذ عملية أخرى مدى الإخفاق الأمني لدى أجهزة الاحتلال.
واعتبرت وسائل إعلام عبرية أن تنفيذ الشهيد التميمي عملية جديدة بمثابة فشل ذريع لجهاز المخابرات الإسرائيلي "شاباك" وكافة أجهزة الأمن الإسرائيلية.
وذكر موقع واي نت العبري أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تجري تحقيقاً في كيفية هروب التميمي من العديد من القوات التي كانت تبحث عنه، لدرجة أنه تمكن من تنفيذ عملية أخرى.
فيما ذكرت صحيفة هآرتس العبرية أن التميمي استخدم نفس المسدس الذي استخدمه في عمليته الأولى التي قتل فيها مجندة على حاجز شعفاط.
وحسب التحقيقات الإسرائيلية، فإن التميمي جاء سيراً على الأقدام من بلدة العيزرية، وأطلق النار على حراس الأمن في مستوطنة معالي أدوميم شرق القدس من مسافة 10 إلى 15 متراً.
وعلى جانب آخر، اعتبر موقع واللا العبري أن "هناك دافعية عالية لدى شباب الضفة والقدس لتنفيذ عمليات في إسرائيل"، على غرار عملية عدي التميمي.
وذكر الموقع أنه لولا الحاضنة الشعبية لكان بالإمكان اعتقال التميمي بعد وقت قصير من العملية، فيما اعتبرت صحف عبرية أن التميمي تحوُّل لـ"بطل خارق" بعد مسلسل هروبه ومشهد استشهاده.