زيارة الأقصى بفيزا إسرائيلية.. "شد للرحال" أم "تطبيع"؟


أنباء الوطن -

تتضارب الفتاوى الدينية التي تبيح أو تحرم للمسلمين زيارة المسجد الأقصى تحت الاحتلال الإسرائيلي، ويستند محرمو الزيارة إلى "حرمة التعامل والاعتراف بالعدو الصهيوني، واعتبار المسجد الأقصى وجهة سياحية فقط"، بينما يستند من حلل الزيارة إلى "ضرورة شد الرحال ومساندة المرابطين في الأقصى".

 

وفي خطوة لحث المسلمين من خارج فلسطين لزيارة الأقصى، أشهرت مكاتب وكلاء السياحة الأردنية والفلسطينية في مؤتمر عقد في العاصمة الأردنية عمّان، الأسبوع الجاري، فتوى سابقة لمجمع الفقه الإسلامي "بضرورة زيارة المسجد الأقصى ووجوبها على الجميع".

 فتوى يراها المعارضون "سياسية"، خصوصا أنها جاءت برعاية رسمية حكومية أردنية، وبحضور وزير الأوقاف الأردني، هايل الداود، الذي أكد على "ضرورة السياحة الدينية إلى المسجد الأقصى، ونصرة أهل فلسطين"، مستندا إلى الحديث الشريف: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا" .

زيارات تطبيعية

يرى الرئيس السابق للجنة مقاومة التطبيع النقابية في الأردن، المهندس بادي الرفايعة، في حديث لصحيفة "عربي21"، أن " هذه الزيارات تتم من خلال التعامل مع العدو الصهيوني بواسطة فيزا من السفارة الإسرائيلية، هذا يأتي ضمن الاعتراف بسيادة الكيان الصهيوني "، معتبرا ذلك "عملا تطبيعيا يعطي الشرعية للكيان بسيادته على القدس".

 

ولا يجد الرفايعة في زيارة الأقصى "دفاعا عن المسجد أو عن القدس المحتلة، لأن الاحتلال الإسرائيلي لن يسمح لأي أحد ليأتي للدفاع عن القدس"، واصفا الفتاوى التي تحث على الزيارة بـ"السياسية"، التي تصب في مسار التسوية الذي تؤيده الحكومة الأردنية والسلطة الفلسطينية.

وتنظم مكاتب سياحية أردنية رحلات إلى القدس المحتلة، ضمن برامج يختلف سعرها بحسب عدد الأيام ودرجة الفندق، وتنوه المكاتب إلى أن الزيارة ستكون من خلال فيزا من السفارة الإسرائيلية في عمان، يتقدم بها المكتب السياحي للوفد الذي يتحمل رسوم هذه الفيزا.

 

أما رئيس جمعية وكلاء السياحة والسفر في الأردن، شاهر حمدان، فقال لـ"عربي21" إن "عدد الزيارات السياحية التي تنظم إلى القدس متواضعة جدا، بسبب صعوبة الحصول على الفيزا والتصاريح التي تحتاج إلى شهرين كي تصدر".

 

أما بخصوص تحريم الزيارة إلى القدس المحتلة، فقال حمدان إن "مسألة التحريم والتحليل مختلف عليها، بالأمس عُرض علينا كوكلاء سياحة فتوى لمجمع الفقه الإسلامي العالمي تحض على شد الرحال إلى الأقصى، وتدعو المسلمين جميعا لزيارة القدس، واستندت الفتوى إلى آيات من القران وأحاديث فسرها أمين عام مجمع الفقه الدكتور عبد السلام العبادي الذي عرض الفتوى بتأصيل تشريعي".

 

ويرى أنه "من الواجب بعد صدور فتوى مجمع الفقه الإسلامي عدم الوقوف مكتوفي الأيدي أمام انتهاكات المستوطنين للقدس، ومحاولة ممارسة طقوسهم التلمودية، وهدم المسجد الأقصى من أجل هيكلهم المزعوم، الأمر الذي يتطلب عدم ترك المسجد الأقصى وحيدا".

ويعتقد حمدان أنه "في حال إعمار المسلمين للمسجد الأقصى فلن يجرؤ المستوطنون وجيش الاحتلال على التفكير بالمساس بالمسجد". 

 

وقال: "عندما أسري برسول صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى، لم يكن تحت الحكم الإسلامي، وعندما حض الرسول صلى الله عليه وسلم على شد الرحال إلى المسجد الأقصى لم يكن أيضا تحت الحكم الإسلامي".

 

حق عودة سياحي

 

بينما يرى عضو حزب الوحدة الشعبية المعارض في الأردن (حزب يساري)، فاخر دعاس، أن "الخطورة في زيارة القدس من خلال فيزا إسرائيلية تكمن في الاعتراف بأن القدس تتبع لدولة الكيان، بالإضافة إلى تكريس فكرة السياحة والترفيه لدى المواطن العربي في بلد محتل من قبل الكيان الصهيوني، بحيث يصبح حق العودة سياحيا فقط".

 

ويفرق دعاس بين "الفيزا التي تعطي الشرعية، والاعتراف بالكيان، وتصريح الاحتلال الذي يعني أن هناك دولة محتلة لدولة أخرى".

ونشرت مكاتب سياحية إعلانات جذابة للراغبين بزيارة القدس، مستخدمة كلمات تداعب المشاعر مثل: بادر بحجز مقعدك على رحلة القدس (زيارة الأقارب)، وأعد ذكرياتك وحلم العودة إلى الوطن".

 

دعوة لزيارة المقدسات المسيحية

 

بدوره، تساءل عضو اللجنة المركزية في المجلس الكنسيّ العالميّ، عودة قواس: "من يحدد الأسس إذا ما كان هذا الفعل تطبيعا أما لا"، مؤيدا فكرة زيارة الأقصى والمقدسات المسيحية، "خصوصا في ظل ما يتعرض له المسجد الأقصى من خطر، وفي ظل المشروع الإسرائيلي الرامي لتقسيم المسجد زمانيا ومكانيا، في ظل عدم إمكانية أهل الضفة وعرب 48 نتيجة الوضع المالي السيئ بالتواجد المستمر وبحجم كبير في المسجد الأقصى، وبالتالي الحماية واجبة على كل المسلمين".

 

 قال قواس لـ"عربي21": "اليوم الأقصى وغدا كنيسة المهد والقيامة، فبالتالي لن يترك المتطرفون اليهود شيئا، فلا بد من وضع خطط بديلة وإعادة دراسة سياستنا في هذا الموضوع ليس بهدف التطبيع ودعم الاقتصاد الإسرائيلي، إنما بهدف التواجد الإسلامي والمسيحي بقوه في المسجد الأقصى، وفي الأماكن المقدسة المسيحية".

 

إلا أن الرئيس السابق للجنة مقاومة التطبيع، بادي رفايعة، قال إن هذه الزيارات "تطبيع واعتراف بالكيان الصهيوني، لا يبرره أي منطلق، ونحن لا نصدق أن هذه الزيارات قد تفيد القدس بشيء

ويرى الرفايعة أن "كل من يدعو لزيارة القدس هم الناس المتماشين بعلاقه مع العدو الصهيوني، سواء بوادي عربة أو بكامب ديفيد، ومن هنا يأتي علماء ومفتون أو سلطات تقع تحت هذه الدول أو مؤيدون مثل الجعفري المؤيد للانقلاب في مصر، وهو سياق حكومي رسمي مسيس".

 

فتوى مقابل فتوى

 

وتأتي فتوى مجمع الفقه الإسلامي ردا على الفتوى التي أصدرها رئيس اتحاد علماء المسلمين يوسف القرضاوي، بتحريمه زيارة القدس لغير الفلسطينيين، من باب "عدم إضفاء شرعية على المحتل".

 

وأصدرت رابطة علماء فلسطين أيضا فتوى بتحريم السفر أو السياحة في الأراضي المحتلة لغير الفلسطينيين، بما في ذلك تحريم زيارة المسجد الأقصى في القدس المحتلة، وقالت الرابطة في الفتوى إن "السفر أو السياحة إلى كيان العدو الصهيوني الغاصب لغير أبناء فلسطين حرام شرعا، ولو كان ذلك بقصد ما يسمونه السياحة الدينية أو زيارة المسجد الأقصى".

 

وبرّرت هذه الفتوى بـ"مآلات الأمور وما يترتب عليها من التطبيع مع الاحتلال الصهيوني، وإقرار له على احتلال القدس والمسجد الأقصى وباقي فلسطين، واعتراف له بشرعيته".

 

وقالت لجنة علماء الشريعة المركزية في حزب جبهة العمل الإسلامي الأردني، في فتوى لها إن "زيارة المسجد الأقصى وبيت المقدس في ظل الاحتلال الإسرائيلي يقرب من الكبائر إن لم يكن منها"، واعتبرت ذلك "في خانة التطبيع المحرّم مع العدو الصهيوني".

 وحول شرعية زيارة القدس تحت الاحتلال، يقول عضو لجنة علماء الشريعة، الدكتور أحمد شحروري، لـ"عربي21"، إن "التأصيل الشرعي لتحريم زيارة القدس في ظل الاحتلال مبني على حرمة الحصول التأشيرة من السفارة الإسرائيلية، التي تعني أن الزائر سيدخل القدس تحت الحراب الإسرائيلية، وهذا اعتراف بسلطة الاحتلال على القدس وكامل فلسطين، ومن يؤمن بهذا إيمانا حقيقيا، فهوا مرتد عن الإسلام، أما من يحصل على الفيزا فيعدّ قام بكبيرة من الكبائر، لأنه وافق أن تكون فلسطين تحت الوصاية الإسرائيلية، حيث تتصرف دولة الكيان بملك غيرها دون إذنه، وفي الحصول على الفيزا مساعدة وإعانة للمغتصب، وهذا حرام شرعا".

 

ويرى الدكتور شحروري أن الفتوى التي تبيح وتحث على زيارة القدس "هي فتوى سياسية وعلاقات دولية بتحريض من أمريكا لمصلحة إسرائيل".

 

وأكد أن "الحركة الإسلامية داخل فلسطين المحتلة، وعلى لسان رئيسها الشيخ رائد صلاح، دعت العلماء المسلمين للدعوة لعدم زيارة القدس لغير الفلسطينيين، لم تمثله الدعوة من إضعاف لموقف الفلسطينيين في الداخل والاعتراف بالمحتل"، ناقلا عن الشيخ صلاح قوله: "نحن نكفيكم الرباط، ومجيئكم من خارج فلسطين يضعف موقفنا، لدينا مرابطون وحلقات علم، والأقصى لا يفرغ أبدا".

 

ويختم رئيس جمعية وكلاء السياحة والسفر، شاهر حمدان، بأن " المكاتب السياحية يجب ألا يوقفها شيء عن زيارة الأقصى، وعدم الالتفات للفتاوى كونها تعني أصحابها فقط، وما يجب أن يعنينا هو المسجد الأقصى والقدس وفلسطين سواء تحت الاحتلال أم لا"، على حد قوله.

وطالب حمدان السلطات الأردنية بـ"معاملة السائح الإسرائيلي بالمثل"، حيث قال: "نحن نريد معاملة بالمثل، كما يحق للإسرائيلي زيارة الأردن دون عوائق، فنحن من حقنا زيارة فلسطين بحريتنا".