للتي أثثت الأرض بالحياة
رمزي الغزوي
لا أعرف بالتحديد مَن أطلق عبارة أن المرأة مستقبل الإنسان. ما أعرفه وأقتنع به على الدوام أنها كانت ماضي الإنسانية وسيدتها وحارستها.. هي الأم الخصبة المنجبة للحياة بكامل دهشتها وغرابتها وغموضها، وهي الراعية لتلك الحياة الهشة المتعبة المرعبة على عتبات الكهف الأول وخط الغابة الأخير، فاستحقت أن يُدرج الجميع تحت اسمها وفي حماها وداخل دائرة هيمنتها وسطوتها، حتى جاءت الثورة الزراعية بالملكية الفردية فانتزعت مكانتها وأعطت الرجل سلطة ما زال الكثير منها رهن يديه.
ثمة من يرى في اليوم العالمي للمرأة الذي نعيش ظلاله، أن عالمنا المتشردق بالغصات والويلات والعثرات لا يخصص يومًا للأشياء إلا إن كانت آيلة للانقراض.
أقتنع تمامًا بمقولة مستقبل الإنسانية تلك، إذ إن كل استثمار في رأس المال البشري لا يعطي الأولية القصوى للمرأة منذ طفولتها لن يكون قادرًا على مجاراة التغيرات الكبرى في عالمنا.
هي ماضي البشرية ومستقبلها، مع أن حاضرها في مستوى أقل مما ينبغي له أن يكون، إذ ما زالت المرأة على قيد التهميش والاستلاب والتبعية والضعف والفقر في كثير من دول العالم.
ثمة من يرى في اليوم العالمي للمرأة الذي نعيش ظلاله أن عالمنا المتشردق بالغصات والويلات والعثرات لا يخصص يومًا للأشياء إلا إن كانت آيلة للانقراض أو أنها تقف قاب لحظتين من خرابها المبين، والأمثلة أكثر من أن تحصر، كيوم للأوزون والشعر والأخوة والصداقة والحب والأب والأرض، وغيرها مما لم أحط به خبرا..
فهل جاء اليوم العالمي للمرأة في سياق بروتوكولي صوري احتفائي فحسب أو إنه وليد الاحترام للمرأة تقديرًا لإنجازاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية؟
ليس مهمًّا إن كنت مع الاحتفال بهذا اليوم أو ضده. ما يهم أن الأرض كل الأرض ستكفُّ عن الدوران إن أشاحت حواء بوجها عن آدم وبنيه ليوم واحد أو بعض يوم. كل مكان لا يؤنث لا يعول عليه ولن يعول عليه. وكل يوم لا تكتبه حواء بلغتها وأنفاسها وحبها لن يقرأه أهل الأرض ولن يغدو نسغا لمعيشتهم.
دعاة التطبيل والتزمير يتعامون عن أن المرأة ليست نصفنا المقسوم على سراط السكين المستقيم، ولا نصفنا الذي يلتصق بنا بمادة لاصقة شفافة أو معتمة. المرأة تتواشج معنا ونتواشج معها وتتداخل بنا ونتداخل بها كأصابع اليدين حين تلتحمان، أو كبتلات الأزهار حين تغفو على عبير مشبع. ليست الأشياء مناصفة بلهاء إنما تكاملات وتواشجات وامتزاجات تصنع الحياة وألوانها.
تحية للنساء اللواتي يطاردن حصان الزمن بشجاعة وقوة في كل مكان فوق كوكبنا الذي أثثنه بالحياة. تحية للواتي يقدمن ساعاتهن عشر دقائق؛ ليسابقن أنفسهن في إنجاز مهمات الطبيخ والنفيخ وطلبات زوج كسول أكول يرى كأس الماء بعيدة عنه وهي بمدى ذارع. تحية للتي تكون ربة بيت في الصباح ومعلمة أو مهندسة أو طبيبة في وسط النهار ومدرسة أطفال في المساء وزوجة أنيقة في السهرة.
السنة بكامل أيامها ولياليها لحواء المرأة، الأم، والزوجة، والأخت، والبنت، والزميلة. ووردة عابقة بالصدق للتي جعلت الأرض كوكبًا قابلًا للحياة.