ما عليك ما عليك
كامل النصيرات
حين كنتُ طفلًا بعمر ابني “غاندي” دخلتُ مع صديقي في الحارة حارة أخرى.. كان صديقي مشاكسًا ويتحركش بطوب الأرض، فرأى مجموعة أطفال يلعبون فقال لي: بدّي أخرِّب اللعبة عليهم.. قلت له: رح يترفشوا ببطوننا.. ضحك صديقي ضحكة الواثق وقال لي: ما عليك ما عليك..! لحظتها جاءني شعور أن صديقي لديه قوة خارقة لا أعلم عنها.. فذهبتُ معه إلى الأطفال وتحركشنا بهم.. الله عليم وإذا لم تخنّي الذاكرة أنني تلقيت لوحدي 20 كفًّا و30 بوكسًا وعدد الأرجل التي ترفشتني وأنا مبطوح على الأرض لا تقل عن 50 رفشة.. هروا وبري؛ لحّموني.. وأنا أحاول أن ألتفت إلى صديق الـ ما عليك الذي كان يصرخ وهو مبطوح أيضًا بجملة واحدة وهو يتلقّى كل أنواع الضرب : ينعن أبوكو.. ينعن أبوكو..!
في السنوات الأخيرة عدد الذين واجهتهم بحياتي وحين أطلب منهم شيئًا يقولون لي: ما عليك ما عليك؛ يزيد عن 100 شخص.. ويبدو أنني شخص لا يتعلم من كيسه؛ كلّهم خذلوني.. كلّهم كانوا عليّ وليس ما عليّ..!
وصلتُ لنتيجة من (الما عليكات) الكثيرة التي أركن إليها دائمًا.. أن ما عليك ما عليك هي سياسة عامة تمارسها الحكومات العربية على الشعوب.. تمارسها الأحزاب المترشحة للانتخابات على الناخبين.. يمارسها كل الفاقدين الشيء لذا لا يعطوننا سوى الما عليك..!
قبل أيّام؛ التقيتُ صدفة بصديق الطفولة الذي صرف لي أوّل ما عليك في حياتي.. أوضاعه مدمرة .. بينه وبين القبر دفشة رجل.. فلمّا سألني عن “أزعر” كان في حاراتنا؛ قلت له: كبرت زعرنته وإيدو والهواه / يعني يده والضربة القوية.. قال لي بثقة لم أرها على وزير دفاع دولة عظمى: ما عليك ما عليك؛ اعطيني يومين بس واترك الباقي عليّك!
..