الاردن: حل البرلمان يناور بين دولة تحسب وشارع يغلي!


أنباء الوطن -

لم يعد الحديث عن حل مجلس النواب في الأردن مجرد تداول سياسي أو تحليل للنخب، بل أصبح جزءا من المزاج العام الذي يعبر عنه الشارع بكل وضوح. فالفجوة بين مجلس لم يتمكن حتى الآن من زيادة الرواتب او تحسين مستوى المعيشة للمواطن وبين الشارع، إتسعت إلى مستويات، دفعت الكثيرين إلى إعتبار الحل خطوة إنقاذ للحياة السياسية وللمواطن على حد سواء، ومع ذلك، يظل السؤال الأهم، هل يكفي حل المجلس وحده؟ أم أن جوهر المشكلة يكمن في القواعد التي تنتج المشهد البرلماني أكثر مما يكمن في الوجوه تحت القبة؟

فالدولة الأردنية إعتادت التعامل مع القرارات الكبرى وفق توازنات دقيقة، تضع في ميزان واحد الإستقرار الداخلي، والصورة الخارجية، ومتطلبات الإصلاح، وحاجتها إلى مؤسسة تشريعية قوية وفاعلة ، لذلك، فإن أي نقاش حول سيناريو الحل يجب أن يكون هادئا، بعيدا عن التوقعات المتسرعة، وقريبا من لغة الدولة ونهج القرار ومصلحة المواطن ،

والسيناريو الذي يتصدر حديث الشارع هو الحل الفوري للبرلمان والذهاب إلى إنتخابات مبكرة خلال أربعة أشهر. وقد يمنح هذا الخيار الناس شعورا بإستعادة دورهم السياسي بعد سنوات من الإحباط، وقد يفرز وجوها جديدة بتأثير المزاج العام ، لكنه يحمل أيضا مخاطر إعادة إنتاج المجلس نفسه، إذا بقي القانون ذاته وثقافة التصويت ذاتها، فتتغير الأسماء دون أن تتغير المعادلة الأساسية التي صنعت الأزمة.

وفي المقابل، يطرح بعض الفاعلين في الدولة سيناريو أكثر هدوءا يقوم على الإبقاء على المجلس مع تحريك الملفات وتعزيز الرقابة وتفعيل اللجان ، غير أن هذا المسار ، رغم هدوئه السياسي، لا يقدم إجابة للشارع الغاضب، ولا يعيد الثقة المفقودة، وقد يطيل أمد الأزمة بدل معالجتها.

أما السيناريو الأكثر انسجاما مع العقل السياسي للدولة، فيقوم على حل المجلس ضمن رؤية إصلاحية شاملة، تبدأ بتعديل جاد لقانون الإنتخاب، وإعادة تشكيل البيئة الحزبية، ثم الذهاب إلى إنتخابات مبكرة تنتج مجلسا مختلفا في بنيته وثقافته. وهذا الخيار لا يغير اللاعبين فقط، بل يغير قواعد اللعبة، ويجعل القضاء على أسباب الأزمة جزءا من الحل لا مجرد إستجابة آنية لضغط الشارع.

فالمواطن اليوم لا يطالب بالحل رغبة في الفراغ، بل بحثا عن تمثيل حقيقي يعكس إحتياجاته. والدولة تدرك أن الحل ليس عملية شكلية، بل خطوة سياسية يجب أن تبنى على رؤية مكتملة، وإلا فإننا سنواجه المشكلة نفسها بشكل أعمق

ولذلك، إذا إتخذ قرار الحل، فيجب أن يقوم على ثلاث قواعد أساسية واضحة ،

أولا: تغيير قواعد اللعبة قبل تغيير اللاعبين.

فلا معنى لإنتخابات مبكرة بالقانون الحالي، لأن النتائج ستكون إمتدادا للمشهد نفسه ، والإصلاح الحقيقي يبدأ بقانون إنتخاب يعزز تمثيل الأحزاب ويعيد الإعتبار للصوت الوطني لا المحلي فقط.

ثانيا: حكومة إنتقالية بصلاحيات واضحة ومسؤولية مباشرة.

فالمرحلة الإنتقالية تحتاج الى حكومة قادرة على إدارة الإصلاح وتنفيذ التعديلات، لا حكومة تسيير أعمال ، فالمسار السياسي المقبل يتطلب وضوحا وقوة في الأداء.

ثالثا: مجلس جديد يعتمد على الكتل والبرامج ، أي أننا بحاجه الى

برلمان يقوم على البرامج لا الفرديات، وعلى الكتل لا الفزعات، وعلى مساءلة النائب عبر أدائه العام لا عبر خدماته اليومية. وهذا هو الأساس لبناء حياة سياسية مستقرة.

فالأردن يقف اليوم أمام لحظة إختبار مهمه ،

إما قرار شجاع ينقل البلاد إلى مرحلة سياسية جديدة تقوم على التمثيل والإصلاح الحقيقي، وإما خطوات جزئية ترقيعيه تهدئ الشارع مؤقتا لكنها تعيد إنتاج الأزمة لاحقا ، وقد أثبتت الدولة الأردنية في محطات عديدة قدرتها على إتخاذ القرارات الكبرى عندما تتطلب المصلحة الوطنية ذلك ، وخلاصة الحديث تقضي بأن

حل البرلمان ليس هدفا بحد ذاته، بل وسيلة لإصلاح الإعتلالات ، إذا جاء ضمن مشروع إصلاحي كامل وحقيقي ، أما الحل دون إصلاح شامل، فسيكون مجرد تبديل للوجوه وتدوير للفشل مع بقاء المشكلة ذاتها، في وقت لم يعد فيه الشارع يحتمل تكرار الأخطاء أو إعادة تدوير الأزمات ، لذلك فإن الحاجة باتت ملحة وضرورية لحل البرلمان ضمن رؤية وإستراتيجية وطنية واضحة .

عميد اردني متقاعد