قصة‭ ‬‮«‬الجميد‮»‬‭ ‬الأردني،‭ ‬وضيوف‭ ‬جيزيل،‭ ‬وحكاية‭ ‬‮«‬حنا‭ ‬السكران‮»‬


أنباء الوطن -

 

كتب : مالك‭ ‬العثامنة‭ *‬

تحيرني‭ ‬قناة‭ ‬‮«‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‮»‬‭ ‬المعتقة‭ ‬بالخبرة،‭ ‬وكذلك‭ ‬السيدة‭ ‬جيزيل‭ ‬خوري،‭ ‬الأنيقة‭ ‬أيضا‭ ‬والخبيرة،‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬إعداد‭ ‬واختيار‭ ‬ضيوف‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬المشهد‮»‬‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬القناة‭. ‬

أنا‭ ‬لا‭ ‬أقلل‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬أي‭ ‬أحد،‭ ‬فكل‭ ‬إنسان‭ ‬له‭ ‬قيمته‭ ‬في‭ ‬مكانه‭ ‬ومحله،‭ ‬وما‭ ‬يقدمه‭ ‬لهذا‭ ‬العالم،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الإعلام،‭ ‬هناك‭ ‬حوارات‭ ‬تحقق‭ ‬قيمة‭ ‬مضافة‭ ‬للمتلقي‭ ‬ولوسيلة‭ ‬الإعلام،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭.. ‬وهناك‭ ‬حوارات‭ ‬تلميع‭ ‬شخصية،‭ ‬تحقق‭ ‬ما‭ ‬تحققه‭ ‬للوسيلة‭ ‬والعاملين‭ ‬عليها‭ ‬لا‭ ‬للمتلقي‭ ‬والمشاهد‭.‬

قبل‭ ‬مدة،‭ ‬كانت‭ ‬جيزيل،‭ ‬تستضيف‭ ‬سيدة‭ ‬جميلة‭ ‬أيضا‭ ‬هي‭ ‬الكابتن‭ ‬رولا‭ ‬حطيط،‭ ‬فوضعتها‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬كأول‭ ‬كابتن‭ ‬طيران‭ ‬لبنانية،‭ ‬وهو‭ ‬شيء‭ ‬جميل‭ ‬ومميز،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يتفوق‭ ‬بتميزه‭ ‬على‭ ‬سيدات‭ ‬عربيات‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الطيران‭ ‬حققن‭ ‬هذا‭ ‬الإنجاز‭ ‬قبل‭ ‬رولا‭ ‬حطيط‭ ‬بسنوات،‭ ‬ومن‭ ‬هؤلاء‭ ‬مثلا‭ ‬الأردنية‭ ‬كابتن‭ ‬سمر‭ ‬العوران،‭ ‬خصوصا‭ ‬أن‭ ‬قصتها‭ ‬فيها‭ ‬ريادة‭ ‬أكثر،‭ ‬وتشويق‭ ‬منوع،‭ ‬حين‭ ‬نعلم‭ ‬مثلا‭ ‬أن‭ ‬الملك‭ ‬الراحل‭ ‬الحسين‭ ‬بن‭ ‬طلال،‭ ‬وهو‭ ‬المحب‭ ‬للطيران‭ ‬ومارسه‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬أيامه،‭ ‬قد‭ ‬تدخل‭ ‬لدى‭ ‬عائلة‭ ‬الكابتن‭ ‬سمر‭ ‬كي‭ ‬يسمحوا‭ ‬لها‭ ‬بخوض‭ ‬غمار‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭ ‬الجميلة‭ ‬والصعبة‭.‬

نعم،‭ ‬أنا‭ ‬مع‭ ‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬نمطيات‭ ‬برامج‭ ‬الحوار‭ ‬السياسي،‭ ‬وهذا‭ ‬يتطلب‭ ‬جهدا‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬فريق‭ ‬الإعداد،‭ ‬لكن‭ ‬أيضا‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬تبادلني‭ ‬هذه‭ ‬المقدمة‭ ‬كمشاهد،‭ ‬الإحترام‭ ‬العقلي‭ ‬والأخذ‭ ‬بخاطري‭ ‬كإنسان‭ ‬لديه‭ ‬خيارات‭ ‬واسعة‭ ‬بتغيير‭ ‬القناة‭.‬

الحلقة‭ ‬الأخيرة‭ ‬كانت‭ ‬مع‭ ‬السعودية‭ ‬أفنان‭ ‬الشعيبي،‭ ‬وهي‭ ‬سيدة‭ ‬أعمال،‭ ‬تشغل‭ ‬منصب‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬والرئيس‭ ‬التنفيذي‭ ‬لغرفة‭ ‬التجارة‭ ‬العربية‭ ‬–‭ ‬البريطانية‭!.‬

تابعت‭ ‬الحوار،‭ ‬مع‭ ‬شابة‭ ‬سعودية‭ ‬مترفة‭ ‬في‭ ‬تعليمها‭ ‬الغربي،‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬شخصي‭ ‬في‭ ‬السعودية،‭ ‬يخص‭ ‬طبقة‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الحظ‭ ‬والثروة،‭ ‬وتحاول‭ ‬الشعيبي‭ ‬تعميمها‭ ‬كواقع‭ ‬سعودي‭ ‬عام‭.‬

حكايات‭ ‬الرحابنة

لست‭ ‬من‭ ‬حنابلة‭ ‬الفنون،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنني‭ ‬مع‭ ‬التجديد‭ ‬والحديث‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬والغناء‭ ‬والموسيقى،‭ ‬وما‭ ‬زلت‭ ‬أعتقد‭ ‬مثلا‭ ‬أن‭ ‬زياد‭ ‬الرحباني‭ ‬حالة‭ ‬تجديدية‭ ‬في‭ ‬الموسيقى‭ ‬تنتمي‭ ‬لعصر‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬بعد،‭ ‬لكنني‭ ‬منحاز‭ ‬لفكرة‭ ‬أن‭ ‬الرحابنة‭ ‬حالة‭ ‬لا‭ ‬تتكرر،‭ ‬وأي‭ ‬تجديد‭ ‬على‭ ‬فنونهم،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬ضمن‭ ‬معايير‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬عالم‭ ‬اليوتوبيا‭ ‬الجميل‭ ‬الذي‭ ‬خلقوه‭.‬

بصراحة‮…‬‭ ‬عالم‭ ‬الرحابنة‭ ‬واسع‭ ‬وكبير،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬العوالم‭ ‬الرحبانية‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬أغاني‭ ‬السيدة‭ ‬الجليلة‭ ‬فيروز،‭ ‬تظل‭ ‬أغنية‭ ‬‮«‬حنا‭ ‬السكران‮»‬‭ ‬تثير‭ ‬عندي‭ ‬الخيال،‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬الحزن‭ ‬على‭ ‬حنا‭ ‬نفسه‭. ‬من‭ ‬هو‭ ‬حنا‭ ‬السكران؟‭.‬

الراحل‭ ‬منصور‭ ‬الرحباني‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬مقتضب‭ ‬إن‭ ‬حنا‭ ‬كان‭ ‬حلاقا‭ ‬متجولا‭ ‬في‭ ‬ضيعة‭ ‬والدته،‭ ‬وكان‭ ‬يقوم‭ ‬بالحلاقة‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬ثمن‭ ‬زجاجة‭ ‬عرق،‭ ‬أما‭ ‬حبه‭ ‬لبنت‭ ‬الجيران،‭ ‬فيؤكد‭ ‬الرحباني‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الحب‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬اختراعه‭ ‬حين‭ ‬تم‭ ‬وضع‭ ‬كلمات‭ ‬الأغنية‭.‬

شخصيا،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬منصور‭ ‬هو‭ ‬الصانع‭ ‬الحقيقي‭ ‬لهذه‭ ‬الشخصية‭ ‬المتخيلة،‭ ‬إلا‭ ‬أني‭ ‬سأتجاهل‭ ‬دوما‭ ‬الحقائق،‭ ‬التي‭ ‬أوردها،‭ ‬لأني‭ ‬أحب‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سمعت‭ ‬الأغنية‭ ‬أن‭ ‬أغمض‭ ‬عيني‭ ‬وأتصور‭ ‬حنا‭ ‬المسحوق‭ ‬حد‭ ‬التلاشي‭ ‬في‭ ‬حارة‭ ‬ما،‭ ‬وقد‭ ‬انبثق‭ ‬من‭ ‬رماد‭ ‬السخرية‭ ‬والتهكم‭ ‬عاشقا‭ ‬عملاقا‭ ‬من‭ ‬جديد‮…‬‭ ‬أحزانه‭ ‬التي‭ ‬تورق‭ ‬وتكبر‭ ‬غصونها‭ ‬كلما‭ ‬لمح‭ ‬‮«‬بنت‭ ‬الجيران‮»‬،‭ ‬أهم‭ ‬وأكبر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬محيطه‭ ‬‮«‬الصاحي‮»‬‭.‬

حنا‭ ‬السكران‮…‬‭ ‬أحب‭ ‬دوما‭ ‬أن‭ ‬أتخيله‭ ‬حقيقة‭ ‬مرت‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‮…‬‭ ‬عشقت‭ ‬بصدق،‭ ‬ورحلت‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تغادرنا‭ ‬حكاياتها،‭ ‬وقد‭ ‬أورثنا‭ ‬من‭ ‬بعده‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الحزن‭ ‬النبيل‭ ‬الجميل،‭ ‬وأحيانا‭ ‬الحنق‭ ‬على‭ ‬‮«‬بنت‭ ‬الجيران‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬غادرت‭ ‬الحارة‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬حنا‭ ‬يصورها‭ ‬على‭ ‬الحيطان‭.‬

‮«‬الجميد‮»‬‭ ‬ومؤاب‭ ‬وهزيمة‭ ‬العبرانيين

على‭ ‬فضائية‭ ‬أردنية،‭ ‬تابعت‭ ‬برنامجا‭ ‬جميلا‭ ‬و«لذيذا‮»‬‭ ‬عن‭ ‬موسم‭ ‬الربيع‭ ‬ومشتقاته‭ ‬الغذائية‭ ‬في‭ ‬الأردن،‭ ‬ويتصدر‭ ‬‮«‬الجميد‮»‬‭ ‬قائمة‭ ‬المنتجات‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭.‬

صناعة‭ ‬‮«‬الجميد‮»‬‭ ‬ماركة‭ ‬أردنية‭ ‬مسجلة،‭ ‬والأكثر‭ ‬شهرة‭ ‬هو‭ ‬الجميد‭ ‬الكركي،‭ ‬حيث‭ ‬تقول‭ ‬الأسطورة‭ ‬إن‭ ‬ملك‭ ‬مملكة‭ ‬مؤاب‭ ‬القديمة‭ ‬هناك،‭ ‬الملك‭ ‬ميشع،‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬حين‭ ‬هزم‭ ‬العبرانيين‭ ‬احتفل‭ ‬بطبخ‭ ‬اللبن‭ ‬مع‭ ‬اللحم،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يحرمه‭ ‬اليهود‭ ‬كما‭ ‬يُقال‭.‬

تعليقات‭ ‬الأردنيين‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الإجتماعي‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬طرافة‭ ‬وخفة‭ ‬دم،‭ ‬خصوصا‭ ‬تعليقات‭ ‬أهل‭ ‬الجميد‭ ‬نفسه،‭ ‬الكركيون‭ ‬أبناء‭ ‬مؤاب،‭ ‬ومن‭ ‬نافلة‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الكركي‭ ‬ساخر‭ ‬لاذع‭ ‬بالفطرة‭.‬

على‭ ‬خلفية‭ ‬البرنامج،‭ ‬وطرح‭ ‬أسعار‭ ‬الجميد‭ ‬على‭ ‬منصات‭ ‬التداول‭ ‬في‭ ‬البورصات،‭ ‬حسب‭ ‬تعليقات‭ ‬طريفة‭ ‬قرأتها‭ ‬فكرت‭ ‬قليلا‭ ‬في‭ ‬رمزية‭ ‬المشهد‭ ‬‮«‬الجميدي‮»‬‭ ‬مع‭ ‬التباسات‭ ‬واقع‭ ‬الحال‭ ‬الأردني،‭ ‬لأتساءل‭: ‬هل‭ ‬يجوز‭ ‬خصخصة‭ ‬الجميد‭ ‬الأردني؟‭ ‬وعلى‭ ‬فرض‭ ‬تمت‭ ‬خصخصته‭ ‬لا‭ ‬خضخضته،‭ ‬فهل‭ ‬يصح‭ ‬–‭ ‬ومن‭ ‬منطق‭ ‬تماهي‭ ‬الأشياء‭ ‬–‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬‮«‬الفيش‭ ‬أند‭ ‬تشيبس‮»‬‭ ‬شريكا‭ ‬استراتيجيا‭ ‬للجميد؟

سؤال‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬جنون‭ ‬طارىء‭ ‬سريع‭ ‬الذوبان،‭ ‬تضمنه‭ ‬‮«‬نستلة‮»‬‭.‬

‭............‬

‭* ‬إعلامي‭ ‬أردني‭ ‬يقيم‭ ‬في‭ ‬بروكسل

‭............‬

‭- ‬عن‭ ‬‮«‬القدس‭ ‬العربي‮»‬