لولا‭ ‬فسحة‭ ‬الأمل


أنباء الوطن -

 

كتبت‭ : ‬هيا‭ ‬منير‭ ‬كلداني

بداية،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬بأن‭ ‬العربي‭ ‬يتميّز‭ ‬عن‭ ‬الغرب‭ ‬باحترام‭ ‬كبير‭ ‬السن‭ ‬لا‭ ‬يعدو‭ ‬عن‭ ‬كونه‭ ‬كذبة‭ ‬ومحاولات‭ ‬بائسة‭ ‬لتعزية‭ ‬النفس‭ ‬أنّنا‭ ‬ما‭ ‬زلنا‭ ‬بخير‭. ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يُقال‭ ‬أيضاً‭ ‬عن‭ ‬الاحترام‭ ‬والأخلاق‭ ‬والشهامة‭ ‬واحترام‭ ‬المرأة‭ ‬هو‭ ‬كذبة‭ ‬أخرى‭..‬

ويكفي‭ ‬فقط‭ ‬متابعة‭ ‬سهام‭ ‬البذاءة‭ ‬التي‭ ‬انهالت‭ ‬على‭ ‬الكاتبة‭ ‬والشاعرة‭ ‬الأردنية‭ ‬زليخة‭ ‬أبو‭ ‬ريشة‭ ‬لندرك‭ ‬كيف‭ ‬تمحور‭ ‬غالبيتها‭ ‬حول‭ ‬التمييز‭ ‬العمري‭ ‬المقيت‭.‬

بدأت‭ ‬القصة‭ ‬بحملة‭ ‬مسعورة‭ ‬ردّاً‭ ‬على‭ ‬مقال‭ ‬لزليخة‭ ‬نُشِر‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬الغد‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬غسيل‭ ‬الأدمغة‮»‬،‭ ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬مواجهة‭ ‬الفكرة‭ ‬بالفكرة‭ ‬والرأي‭ ‬بالرأي‭ ‬المضادّ‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬تعدّد‭ ‬الآراء‭ ‬والأفكار‭ ‬والذي‭ ‬نرحب‭ ‬به‭ ‬بلا‭ ‬شك،‭ ‬انتقل‭ ‬الحديث‭ ‬إلى‭ ‬مربعات‭ ‬بعيدة‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تدّعيه‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬من‭ ‬أخلاق‭ ‬وفضيلة،‭ ‬كاشفاً‭ ‬بذلك‭ ‬التناقض‭ ‬والانحدار‭ ‬والانفصام‭ ‬الذي‭ ‬ينخر‭ ‬في‭ ‬مفاصل‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭.‬

ولأن‭ ‬كل‭ ‬مواجهة‭ ‬في‭ ‬نظرهم‭ ‬هي‭ ‬بين‭ ‬الحق‭ ‬والباطل،‭ ‬فقد‭ ‬وصل‭ ‬الأمر‭- ‬بكل‭ ‬أسف‭- ‬إلى‭ ‬شطب‭ ‬التاريخ‭ ‬الأدبي‭ ‬والمعرفي‭ ‬والتطاول‭ ‬على‭ ‬الأعراض‭ ‬والتخوين‭ ‬والاتهام‭ ‬بالردّة‭ ‬والتحريض‭ ‬على‭ ‬القتل‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬وصفة‭ ‬سامّة‭ ‬وشيطانية‭ ‬لإسقاط‭ ‬حرمة‭ ‬الدم‭.‬

كم‭ ‬كنت‭ ‬حزينة‭ ‬وأنا‭ ‬أتابع‭ ‬دعوات‭ ‬البعض‭ ‬بتمني‭ ‬الموت‭ ‬للكاتبة‭ ‬زُليخة‭ (‬بجاه‭ ‬ليلة‭ ‬القدر‭ ‬الفضيلة‭) ‬ووصفها‭ ‬بالكافرة‭ ‬والمرتدة‭ ‬والتنويرية‭. ‬وكيف‭ ‬نلطخ‭ ‬ليلة‭ ‬‮«‬سلام‭ ‬هي‭ ‬حتى‭ ‬مطلع‭ ‬الفجر‮»‬‭ ‬بتمني‭ ‬الموت‭ ‬لأحد‭- ‬فضلا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الشخص‭ ‬هو‭ ‬سيدة‭ ‬فاضلة‭ ‬خدمت‭ ‬بلدها‭ ‬لعقود‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يولد‭ ‬معظم‭ ‬من‭ ‬يهاجمها‭ ‬الآن‭.‬

لقد‭ ‬اتضح‭ ‬لنا‭ ‬أيضاً‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬شعباً‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬غالبيته‭ ‬معنى‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬التنوير‮»‬‭ ‬ويعتبرها‭ ‬إساءة‭ ‬ويستخدمها‭ ‬كشتيمة،‭ ‬ولا‭ ‬يعي‭ ‬أيضاً‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬العلمانية‭ ‬والإلحاد،‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬مبدعوه‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭!‬

هؤلاء‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يريدون‭ ‬‮«‬أردن‮»‬‭ ‬على‭ ‬مزاجهم،‭ ‬يريدون‭ ‬‮«‬أردن‮»‬‭ ‬يكفّر‭ ‬ويشتم‭ ‬ولا‭ ‬يحترم‭ ‬المرأة‭ ‬ولا‭ ‬الثقافة‭ ‬ولا‭ ‬الحرية‭ ‬ويختزلون‭ ‬الثقافة‭ ‬بـ‭ ‬أبي‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬أو‭ ‬شيخي‭ ‬قال‭ ‬لي‭! ‬يريدون‭ ‬تحييد‭ ‬العقل‭ ‬وفرز‭ ‬المجتمع‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬معنا‭ ‬أو‭ ‬علينا‮»‬،‭ ‬وحوّلوا‭ ‬المنابر‭ ‬من‭ ‬منابر‭ ‬رحمة‭ ‬ومعرفة‭ ‬إلى‭ ‬منصات‭ ‬دعاء‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬العدو‭ ‬برأيهم‭. ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬هي‭ ‬ذاتها‭ ‬المنابر‭ ‬التي‭ ‬رفضت‭ ‬القيام‭ ‬بصلاة‭ ‬الغائب‭ ‬على‭ ‬أروح‭ ‬شهداء‭ ‬الوطن‭ ‬مؤخراً‭.‬

ولولا‭ ‬الحياء‭ ‬لكنت‭ ‬أرفقت‭ ‬بعضاً‭ ‬من‭ ‬نماذج‭ ‬البذاءة‭ ‬المسيئة‭ ‬لأصحابها‭ ‬قبل‭ ‬غيرهم‭ ‬والتي‭ ‬شهدناها‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬كي‭ ‬يعلم‭ ‬الجميع‭ ‬كم‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬خطر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التردي‭ ‬الفكري،‭ ‬والذي‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬بوطننا‭ ‬وبنا‭ ‬إلى‭ ‬الفناء‭ ‬والموت‭ ‬البطيء،‭ ‬ولكنني‭ ‬مصدومة‭ ‬كيف‭ ‬لكل‭ ‬هذا‭ ‬الكمّ‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬مكامن‭ ‬الخطر‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬أن‭ ‬يحيط‭ ‬بوطني‭ ‬الأردن‭.‬

أين‭ ‬هؤلاء‭ ‬من‭ ‬قول‭ ‬الرسول‭ ‬الكريم‭ ‬‮«‬ليس‭ ‬المؤمن‭ ‬بالطعان‭ ‬ولا‭ ‬اللعان‭ ‬ولا‭ ‬الفاحش‭ ‬ولا‭ ‬البذيء»؟‭ ‬بل‭ ‬أين‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬قوله‭ ‬‮«‬إذا‭ ‬خاصم‭ ‬فجر‮»‬‭ ‬في‭ ‬وصفه‭ ‬لآيات‭ ‬المنافق؟

أجزمُ‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الانغلاقيين‭ ‬ومهاجمي‭ ‬زليخة‭ ‬أبو‭ ‬ريشة‭ ‬لم‭ ‬يقرأوا‭ ‬لها‭ ‬كتاباً‭ ‬واحداً‭ ‬ولا‭ ‬نصاً‭ ‬شعرياً‭. ‬مُحزن‭ ‬فعلاً‭!‬

زليخة‭ ‬أبو‭ ‬ريشة‭ ‬،شاعرة‭ ‬وباحثة‭ ‬وكاتبة‭ ‬وناشطة‭ ‬أردنية‭ ‬نفخر‭ ‬بها‭ ‬جميعاً‭ ‬منذ‭ ‬عقود،‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬لا‭ ‬تبخل‭ ‬علينا‭ ‬بذهب‭ ‬كلماتها‭ ‬وفكرها‭ ‬النيّر‭ ‬والذي‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬أمسّ‭ ‬الحاجة‭ ‬اليه‭.‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنبر‭ ‬أدعو‭ ‬لوقفةٍ‭ ‬من‭ ‬مُحبي‭ ‬الوطن‭ ‬والفكر‭ ‬الحر‭ ‬الإنساني‭ ‬للتصدّي‭ ‬لقوى‭ ‬الظلام‭ ‬والجهل‭ ‬يداً‭ ‬بيد‭ ‬لوطن‭ ‬أجمل‭ ‬يقترب‭ ‬للإنسانيّة‭ ‬والأخلاق‭ ‬الحقيقية‭ ‬الحميدة‭ ‬غير‭ ‬المزيفة‭ ‬وقوانين‭ ‬ومناهج‭ ‬تحصِّن‭ ‬العقل‭ ‬وتحمي‭ ‬الإنسان‭.‬

قالت‭ ‬مرّة‭ ‬زليخة‭: ‬

‮«‬من‭ ‬زمان‭.. ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬خطب‭ ‬الجمعة‭ ‬لتتناول‭ ‬غير‭ ‬الأخلاق‭ ‬وحسن‭ ‬المعاملة،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬المرأة‭ ‬والتحريض‭ ‬عليها‭ ‬موضوعاً‭ ‬أثيراً‭ ‬لدى‭ ‬الخطباء‭ ‬لتقوية‭ ‬شوكة‭ ‬الذكر‭ ‬في‭ ‬قمع‭ ‬المرأة‭ ‬ومحاصرتها‭ ‬ومصادرة‭ ‬جميع‭ ‬حقوقها‭ ‬وأولها‭ ‬حق‭ ‬الاختيار‭!‬

من‭ ‬زمان‭.. ‬كان‭ ‬القرآن‭ ‬هو‭ ‬المصدر‭ ‬المباشر‭ ‬للدين،‭ ‬ولمعظم‭ ‬الناس‭ ‬تفسير‭ ‬الجلالين‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬التديّن‭ ‬ليمرَّ‭ ‬عبر‭ ‬أية‭ ‬قناةٍ‭ ‬من‭ ‬قنوات‭ ‬المتأسلمين،‭ ‬أو‭ ‬دروس‭ ‬الوعظ‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬غالباً‭ ‬أناس‭ ‬جَهَلةٌ‭ ‬متأدلجة‭ ‬ذات‭ ‬إِرَب‭ ‬وغايات‭! ‬أو‭ ‬فضائيات‭ ‬مهووسة‭ ‬بالجنس‭ ‬تحت‭ ‬غطاء‭ ‬الدين،‭ ‬أو‭ ‬مراكز‭ ‬تحفيظ‭ ‬القرآن‭ ‬التي‭ ‬تحفِّظ‭ ‬معه‭ ‬ما‭ ‬تقوله‭ ‬السلفية‭ ‬والإخوان‭ ‬في‭ ‬عذاب‭ ‬القبر‭ ‬وعذاب‭ ‬جهنم‭ ‬وتكفير‭ ‬المختلف‭ ‬وكل‭ ‬ذي‭ ‬عقيدة‭ ‬أخرى،‭ ‬والعنف‭ ‬بأنواعه‭ ‬من‭ ‬اللفظيّ‭ ‬إلى‭ ‬الجسدي‭!‬‮»‬

وها‭ ‬نحن‭ ‬نرى‭ ‬كلّ‭ ‬أنواع‭ ‬العنف‭ ‬اللفظي‭ ‬مسلّطاً‭ ‬عليها‭ ‬الآن،‭ ‬وهي‭ ‬كالعلم‭ ‬الشامخ‭ ‬يرفرف‭ ‬كعلم‭ ‬أردنّنا‭ ‬جميعاً،‭ ‬وطنٌ‭ ‬بحجم‭ ‬الورد‭ ‬إِلَّا‭ ‬أنه‭ ‬له‭ ‬شوكة‭ ‬ردّت‭ ‬الى‭ ‬الشرق‭ ‬الصبا‭.‬

وأنهي‭ ‬كلماتي‭ ‬بـ‭: ‬دعونا‭ ‬لا‭ ‬نفقد‭ ‬الأمل،‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬زليخة‭ ‬دائماً‭.‬

‭........‬

عن‭ ‬‮«‬صوت‭ ‬الأردنيين‮»‬