كل‭ ‬الفخر‭ ‬والتعظيم‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬الكرك‮»‬ وأهلها


أنباء الوطن -

 

في‭ ‬خضم‭ ‬أحداث‭ ‬الهجمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬‮«‬كرك‮»‬‭ ‬العز‭ ‬والشهامة؛‭ ‬علقت‭ ‬على‭ ‬إحدى‭ ‬إدراجات‭ ‬الصديق‭ ‬‮«‬الزرقاوي‮»‬‭ ‬المغترب‭ -‬دون‭ ‬اغتراب‭- ‬مالك‭ ‬العثامنة‭ ‬بالقول‭ ‬أن‭ ‬‮«‬للكرك‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬معانٍ‭ ‬عظيمة‭ ‬وذكريات‭ ‬أثيرة،‭ ‬ولذلك‭ ‬قصص‭ ‬تروى‭..‬بكل‭ ‬حب‮»‬‭.. ‬

وللوفاء‭ ‬أروي‭ ‬فيما‭ ‬يلي‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬ذكرياتي‭ ‬عن‭ ‬الكرك‭ ‬بكل‭ ‬حب‭ :‬

كنا‭ ‬في‭ ‬الزرقاء‭ ‬أواخر‭ ‬الخمسينيات‭ ‬نُسمى‭ ‬‮«‬الزعران‭ ‬الأربعة‮»‬،‭ .. ‬و‭ ‬‮«‬الزعرنة‮»‬‭ ‬هنا‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬توصيف‭ ‬أطلقه‭ ‬الأهل‭ ‬والأساتذة‭ ‬للتحبب‭ ‬لأن‭ ‬فيه‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬قصر‭ ‬قاماتنا‭ ‬ولطول‭ ‬باعنا‭ ‬في‭ ‬الأفعال‭ ‬المتميزة؛‭ ‬‮«‬سامي‭ ‬سليمان‭ ‬خليفات‭-‬من‭ ‬السلط‮»‬،‭ ‬وبسام‭ ‬محمد‭ ‬القرعان‭ ‬من‭ ‬‮«‬طيبة‮»‬‭ ‬إربد،‭ ‬وجمال‭ ‬محمد‭ ‬ذنيبات‭ ‬من‭ ‬الكرك؛‭ ‬ومحدثكم‭ ‬‮«‬الرمحي‮»‬‭ ‬المولود‭ ‬غربي‭ ‬النهر‭ ‬قبل‭ ‬شهرين‭ ‬من‭ ‬لم‭ ‬شمل‭ ‬العائلة‭ ‬الصغيرة‭ ‬في‭ ‬‮«‬الزرقاء‮»‬‭.‬

أربعتنا‭ ‬أبناء‭ ‬لعسكريين‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬العربي‭ ‬وجيران‭ ‬وأبناء‭ ‬حارة‭ ‬واحدة‭ ‬‮«‬كانت‭ ‬تكنى‭ ‬بالحارة‭ ‬الشامية‮»‬‭ ‬لوقوعها‭ ‬شمالي‭ ‬حي‭ ‬‮«‬جامع‭ ‬العرب‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬تشاركنَا‭ ‬في‭ ‬التعلم‭ ‬‮«‬الكتاتيبي‮»‬‭ ‬عند‭ ‬الشيخ‭ ‬المتجهم‭ ‬الصارم‭ ‬‮«‬عبد‭ ‬المنعم‮»‬‭ ‬إمام‭ ‬جامع‭ ‬العرب‭ ‬منذ‭ ‬الرابعة‭ ‬من‭ ‬عمرنا،‭ ‬‮«‬وتلك‭ ‬قصة‭ ‬أخرى‭ ‬تستحق‭ ‬التسجيل‮»‬،‭ ‬وكنا‭ ‬ننتقل‭ ‬من‭ ‬فصل‭ ‬دراسي‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬إبتدائيات‭ ‬الزرقاء‭ ‬بنجاح‭ ‬وتميز‭ ‬مع‭ ‬بعض،‭ ‬بل‭ ‬إننا‭ ‬كنا‭ ‬نصر‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬مترافقين‭ ‬بتوسيط‭ ‬الأهل‭ ‬وبالرجاء‭ ‬لمعلمينا،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬القاسم‭ ‬الإعدادية‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬الزرقاء‭ ‬الثانوية،‭ ‬وما‭ ‬فرق‭  ‬أربعتنا‭ ‬دراسياً‭ ‬إلا‭ ‬‮«‬العلمي‭ ‬والأدبي‮»‬‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬صحبتنا‭ ‬ودراستنا‭ ‬الليلية‭ ‬في‭ ‬منازلنا‭ ‬المتواضعة‭ ‬مع‭ ‬بعض‭.‬

نعم‭ ‬أحببت‭ ‬الكرك‭ ‬منذ‭ ‬أحاديث‭ ‬صديقي‭ ‬‮«‬جمال‭ ‬الكركي‮»‬‭ ‬الطفولية‭ ‬عن‭ ‬البيدر‭ ‬والحصاد‭ ‬في‭ ‬عطلته‭ ‬الصيفية‭ ‬ببلدته‭ ‬التي‭ ‬تطابق‭ ‬مشاهداتي‭ ‬في‭ ‬عطلاتي‭ ‬الصيفية‭ ‬في‭ ‬مسقط‭ ‬رأسي‭ ‬‮«‬البيرة‮»‬‭ ‬غربي‭ ‬النهر‭.‬

وتتالت‭ ‬معارفي‭ ‬عن‭ ‬الكرك‭ ‬في‭ ‬دروسنا‭ ‬عن‭ ‬قلعتها‭ ‬و‭ ‬‮«‬أرناط‮»‬‭ ‬وصلاح‭ ‬الدين‭ ‬‮«‬محررها‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬أقسم‭ ‬أن‭ ‬ينازل‭ ‬مغتصب‭ ‬ملكها‭ ‬ويقتله‭ ‬بيده‭ ‬بعدما‭ ‬أسر‭ ‬شقيقته‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬للحج،‭ ‬وقد‭ ‬فعل‭ ‬في‭ ‬حطين‭.‬

ثم‭ ‬كانت‭ ‬الصدمة‭ ‬حينما‭ ‬وفر‭ ‬لنا‭ ‬أهلنا‭ ‬رغم‭ ‬فقرهم‭ ‬في‭ ‬الابتدائية‭ ‬مصاريف‭ ‬رحلة‭ ‬مدرسية‭ ‬إلى‭ ‬مادبا‭ ‬والكرك‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬‮«‬جمال‭ ‬الكركي‮»‬‭ ‬بادعاء‭ ‬ذوية‭ ‬‮«‬ولويش‮»‬‭.. ‬‮«‬هي‭ ‬الكرك‭ ‬بدها‭ ‬رحلة؟‭.. ‬كل‭ ‬صيفية‭ ‬بتقضيها‭ ‬هناك‮»‬‭!. ‬

وحدث‭ ‬أن‭ ‬غاب‭ ‬الصديق‭ ‬جمال‭ ‬الكركي‭ ‬‮«‬مؤقتاً‮»‬‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬المرحلة‭ ‬الإعدادية‭ ‬حينما‭ ‬انتقل‭ ‬مركز‭ ‬عمل‭ ‬والده‭ ‬الضابط‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬القدس‭ ‬حيث‭ ‬سكنت‭ ‬العائلة‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬بيت‭ ‬حنينا،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬جمال‭ ‬وأشقائه‭ ‬متواصلين‭ ‬أكثر‭ ‬مع‭ ‬إخوالهم‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الخليل‭ ‬ولذلك‭ ‬معانٍ‭ ‬عظيمة‭ ‬لا‭ ‬يدركها‭ ‬كثيرون‭!.‬

وفي‭ ‬إعدادية‭ ‬القاسم‭ ‬أوائل‭ ‬الستينيات‭ ‬حدث‭ ‬أن‭ ‬تدخلت‭ ‬السلطات‭ ‬الأمنية‭ ‬لتنفيذ‭ ‬قسري‭ ‬لنقل‭ ‬عقابي‭ ‬إلى‭ ‬الكرك‭ ‬لإثنين‭ ‬من‭ ‬مدرسينا‭ ‬أحدهما‭ ‬أستاذ‭ ‬للعلوم‭ ‬إسمه‭ ‬هاني‭ ‬من‭ ‬الخليل،‭ ‬والآخر‭ ‬أستاذ‭ ‬التاريخ‭ ‬المحبب‭ ‬إلى‭ ‬قلوبنا‭ ‬‮«‬علي‭ ‬الملكاوي‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬دفعنا‭ ‬للاحتجاج‭ ‬باعتصام‭ ‬طلابي‭ ‬عفوي‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬المدرسية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الملكاوي‮»‬‭ ‬أراح‭ ‬صدورنا‭ ‬حينما‭ ‬قال‭ ‬لنا‭ ‬معتزاً‭ ‬و‭ ‬مودعاً‭ ‬ومطمئناً،‭ ‬وهو‭ ‬مساق‭ ‬ومقيد‭ ‬‮«‬إن‭ ‬الكرك‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‮»‬‭ ‬هي‭ ‬أجمل‭ ‬نقل‭ ‬و‭ ‬‮«‬عقاب‮»‬‭..!.. ‬ما‭ ‬رفع‭ ‬نبضات‭ ‬الحب‭ ‬في‭ ‬قلبي‭ ‬للكرك‭ ‬أكثر‭ ‬وأكثر‭.‬

وعاد‭ ‬‮«‬جمال‮»‬‭ ‬الكركي‭ ‬من‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬حنينا‮»‬‭ ‬أكثر‭ ‬حناناً‭ ‬وانتماءاً‭ ‬للنهر‭ ‬بضفتيه‭ ‬‮«‬أعمامه‭ ‬وأخواله‮»‬‭ ‬وعاد‭ ‬ليشاركنا‭ ‬مسيرة‭ ‬‮«‬الزعران‭ ‬الأربعة‮»‬،‭ .. ‬لكنه‭ ‬ما‭ ‬عاد‭ ‬قصير‭ ‬القامة‭ ‬فقد‭ ‬اشتد‭ ‬عوده‭ ‬وطالت‭ ‬قامته‭ ‬عنا‭ ‬الثلاثة‭ ‬قصار‭ ‬القامة‭..!‬،‭ ‬لقد‭ ‬غاد‭ ‬المهاب‭ ‬بطوله‭ ‬السامق‭.‬

وفي‭ ‬الزرقاء‭ ‬الثانوية‭ ‬تطل‭ ‬‮«‬الكرك‮»‬‭ ‬على‭ ‬طلبتها‭ ‬بهيبة‭ ‬ووقار‭ ‬مديرها‭ ‬المطلق‭ ‬سراحه‭ ‬من‭ ‬الاعتقال‭ ‬الأستاذ‭ ‬والكاتب‭ ‬العروبي‭ ‬مؤلف‭ ‬كتب‭ ‬الجغرافية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬‮«‬بركات‭ ‬الطراونة‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يبحث‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬عن‭ ‬أبناء‭ ‬الفقراء‭ ‬وأبناء‭ ‬صغار‭ ‬الجنود‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬العربي‭ ‬ليحثهم‭ ‬على‭ ‬العلم‭ ‬والتفوق‭ ‬مقدماً‭ ‬التسهيلات‭ ‬والمساعدات‭ ‬لهم‭ ‬ولعائلاتهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السبيل‭.‬

‮«‬جمال‭ ‬الكركي‮»‬‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬كباقي‭ ‬الزعران‭ ‬الأربعة‭ ‬‮«‬سمير‭ ‬وسامي‭ ‬وبسام‮»‬‭ ‬في‭ ‬‮«‬التوجيهية‮»‬‭ ‬عام‭ ‬‮8691،‭ ‬فقرر‭ ‬له‭ ‬والده‭ ‬عنوةً‭ ‬وتجبراً‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬الجيش‭ ‬‮«‬مجنداً‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬عليه‭ ‬إعادة‭ ‬تقديم‭ ‬التوجيهية‭ ‬ثانية‭ ‬أثناء ‬الخدمة‭ ‬العسكرية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تمكنت‭ ‬شخصيا‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬للكويت‭ ‬والعمل‭ ‬في‭ ‬صحافتها، مبتدئاً من مرحلة كنس أرضية قسم المونتاج قبل درجات السُلم،‭ ‬كما‭ ‬وصل‭ ‬سامي‭ ‬إلى‭ ‬برشلونة‭ ‬لدراسة‭ ‬الطب،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أصبح‭ ‬بسام‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬ضباط‭ ‬حماية‭ ‬الطائرات‭ ‬الملكية‭ ‬الأردنية؛‭ ‬وحين‭ ‬ذاك‭ ‬تمرد‭ ‬‮«‬جمال‭ ‬الكركي‮»‬‭ ‬بأن‭ ‬إلتجأ‭ ‬سياسياً‭ ‬إلى‭ ‬النظام‭  ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬الذي‭ ‬وفر‭ ‬له‭ ‬فرصة‭ ‬دراسة‭ ‬الأدب‭ ‬الإنجليزي،‭ ‬حيث‭ ‬وردتني‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬أيلول‭ ‬البائسة‭ ‬رسائله‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬البصرة،‭ ‬بعيد‭ ‬وقت‭ ‬من‭ ‬رسائل‭ ‬من‭ ‬الأهل‭ ‬حول‭ ‬رغبة‭ ‬إبن‭ ‬الكرك‭ ‬‮«‬جمال‮»‬‭ ‬بالاقتران‭ ‬بشقيقتي‭ ‬الأقرب‭ ‬إلى‭ ‬قلبي،‭.. ‬وللأسف‭ ‬أن‭ ‬الأهل‭ ‬لم‭ ‬يتقبلوا‭ ‬الأمر،‭ ‬والأكثر‭ ‬أسفاً‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬صاحب‭ ‬التأثير‭ ‬ولا‭ ‬القرار‭! ‬

‮«‬جمال‭ ‬الكركي‮»‬‭ ‬توفاه‭ ‬الله‭ ‬منذ‭ ‬عدة‭ ‬سنوات،‭ ‬وكان‭ ‬قد‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬البلاد‭ ‬منذ‭ ‬مدة‭ ‬بعفو‭ ‬خاص،‭ ‬حيث‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬التربوي‭ ‬مدرساً‭ ‬ثم إداريا‭ ‬في‭ ‬الزرقاء،‭ ‬وقد تقابلنا‭ ‬مراراً‭ ‬في‭ ‬مناسبات‭ ‬عديدة،‭ ‬فقد‭ ‬توفاه‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬الكهولة‭ ‬‭ ‬فكان‭ ‬أول‭  ‬الراحلين ‬إلى‭ ‬رحاب‭ ‬الرحمن‭ ‬من عصبة‭ ‬الزعران‭ ‬الأربعة،‭ ‬وفي‭ ‬بيت‭ ‬عزائه‭ ‬التقيت‭ ‬بابنه‭ ‬الأكبر‭ ‬‮«‬محمد‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬صنو‭ ‬أبيه ‬مكافحاً‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬مستشفى‭ ‬الأمير‭ ‬فيصل‭ ‬بالرصيفة‭ ‬‮«‬آمر‭ ‬مقسم‮»‬‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يتابع‭ ‬فيه‭ ‬دراسته‭ ‬الجامعية‭.‬

لعائلة‭ ‬الصديق‭ ‬الصدوق‭ ‬‮«‬جمال‭ ‬ذنيبات‭ ‬الكركي‮»‬‭ ‬ولكل‭ ‬أهل‭ ‬الكرك‭ ‬أجمل‭ ‬آيات‭ ‬التقدير‭ ‬والاحترام‭.‬

ألم‭ ‬أقل‭ ‬لكم‭ ‬أن‭ ‬‮«‬للكرك‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬معان‭ ‬عظيمة‭ ‬وذكريات‭ ‬أثيرة‮»‬‭.. ‬