في متناول اليد ! للدكتور يعقوب ناصر الدين


أنباء الوطن -

من حق المتشائمين من وضعنا الاقتصادي أن يرسموا الصورة باللون الأسود كما يشاءون ، ومن حقي أيضا ألا أكون متشائما ، ولا أقول متفائلا ، ذلك أن لدي ، ولدى آخرين مثلي ردود علمية وعملية على النقاط التي يستند إليها المتشائمون في درجة يأسهم من الحلول التي يمكن أن تخرجنا من أزمتنا الاقتصادية الراهنة ، أما التفاؤل فهو مرتبط بالأمل ، وبحدوث تغييرات جذرية في أوضاع المنطقة المعقدة ، حيث تتساوى قوة وضعف القوى الإقليمية والدولية المؤثرة والمتأثرة بأي ترتيبات جديدة منتظرة !

اختلاف الآراء حول الواقع الدقيق لاقتصادنا الوطني يستند في معظمه إلى تعدد الزوايا التي ينظر منها كل طرف ، ولكن لو استندنا جميعا إلى الحقائق كما هي ، بعيدا عن التنظير والريبة والشك لوجدنا جامعا مشتركا يقودنا إلى طريق واضحة المعالم لا تخرجنا من أزمتنا الراهنة وحسب ، بل تدخلنا إلى مرحلة جديدة ، محصنين بالعقل المخطط ، والتجربة المكتسبة ، والعمل الجاد .

قد يجد البعض راحة في تحميل المسؤولية وإلقاء اللوم على حكومة الدكتور هاني الملقي ، ولا خلاف على دور ومسؤولية الحكومة في معالجة الخلل والبحث عن الأفكار الخلاقة لايجاد الحلول ، عن طريق التفكير والتخطيط الاستراتيجي ، وتفعيل أدواتها المؤسسية ، وحسن الأداء ، ورفع سوية الإدارة العامة ، والتعاون مع القطاع الخاص ، ومع جميع الهيئات ذات العلاقة ، ولكن الخلاف يكمن في عدم جواز إلقاء الأفكار اليائسة ، والأحكام المسبقة على كاهل الحكومة ، معتقدين أنهم قدموا خدمة عظيمة للبلد لمجرد أنهم أعلنوا عن يأسهم وتنصلهم من المسؤولية !

لست أعني شخصا أو جهة بعينها ، وإنما أشير فقط إلى تيار نعرفه ونسمع عنه منذ سنوات طويلة ، تيار يعتقد أن انتقاده لكل شيء ربما يضعه في مساحة اللا مسؤولية ، ولكن المشكلة اليوم أصبحت أكثر تعقيدا ، حيث يتم التعبير بطرق مختلفة عن الصورة العامة للحالة الاقتصادية الاجتماعية ، دون التوقف عند التفاصيل التي تدلنا على حيوية وقدرة الدولة على تجاوز هذه الأزمة الراهنة ، بعدما اجتزنا – دون أن يقر البعض بذلك- الأزمة الأكبر والأخطر عندما كان اللهيب يأكل الأخضر واليابس على مقربة منا ، بل إن بعض الشرر الذي أصابنا تم إطفاؤه على الفور !

ألا يعني ذلك شيئا ، وهل يتوقف التقييم عند الوضع الاقتصادي وأثره الاجتماعي ، ويتم التغاضي مثلا عن القوة الكامنة في موقف الأردن ومكانته وقيمته في المعادلة الإقليمية، وعن سر هذا الاحترام لجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين ، الذي يستقبل في كل وقت من قادة الدول الفاعلة مثل أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين ، ولا ينظر البعض إلى قوة العلاقة مع الدول العربية التي نشكل معها منظومة الأمن القومي ، وفي مقدمتها السعودية ومصر ، وذلك لخلق توازن القوة مع الدول القوية في الإقليم.

إن نظرية قوة الدولة من زاوية الوضع الاقتصادي فقط لا يمكن اعتمادها ، في ظروف غير مسبوقة في المنطقة والعالم ، فقد أصبح بقاء الدولة وسط هذا البحر المائج هو واحد من أهم معايير قوتها إلى جانب الأمن والاستقرار وحيوية العمل والإنتاج ، آخذين في الاعتبار الفرق بين حالة الاقتصاد في السلم وحالته في الحرب ، تلك الحرب التي تغيرت أدواتها وطبيعتها ، ولم تتغير كلفتها ، ألسنا في حرب ضد الإرهاب ؟

أقول كفى لتشويه الصورة ، وإظهار العجز عن التفكير ، ففي متناول اليد الكثير من الحلول ، وما ينقصنا هو ايجاد حاضنة للتفكير ، تخرج عن التسيير العادي للأمور والشؤون العامة ، وتشرك جميع القطاعات في التحليل والتخطيط والتنفيذ ، ولا بد أن نجد طريقة لربط الصلة بين الجميع ، فإذا لم تأت المبادرة من الحكومة فلتكن المبادرة من تلك القطاعات بلا تردد ولا أعذار .