‮«‬‭ ‬خدمة‭ ‬العَّلمْ‭ ‬‮«‬‭.. ‬مطلباً‭ ‬وضرورة


أنباء الوطن -

 

كتب‭ : ‬يوسف‭ ‬الحلو

ثلاثة‭ ‬شهور‭ ‬فقط‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬المدة‭ ‬الزمنية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تفصل‭ ‬بين‭ ‬خروجي‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الجامعة‭ ‬الأردنية‭ ‬وحتى‭ ‬وصولي‭ ‬الى‭ ‬بوابة‭ ‬ومدخل‭ ‬الكلية‭ ‬العسكرية‭ ‬الملكية‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الوطن‭ ‬عنوانا‭ ‬للإنجاز‭ ‬وبوصلة‭ ‬للطموح‭, ‬وكنا‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬نجلس‭ ‬كطلبة‭ ‬نتشارك‭ ‬الأفكار‭ ‬وكاسة‭ ‬القهوة‭ ‬اليتيمة‭ ‬وعلبة‭ ‬السجائر‭ ‬نخطط‭ ‬بكل‭ ‬إدراك‭ ‬وعفوية‭ ‬للإجابة‭ ‬على‭ ‬سؤال‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬كان‭ ‬عاملاً‭ ‬مشتركا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الجلسات‭.. ‬ماذا‭ ‬بعد‭ ‬الجامعة‭ !‬؟‭ ‬حتى‭ ‬التقينا‭ ‬‮«‬‭ ‬الغالبية‭ ‬منا‭ ‬‮«‬‭ ‬معا‭ ‬تحت‭ ‬سارية‭ ‬مرتفعة‭ ‬نؤدي‭ ‬التحية‭ ‬للوطن‭ ‬والعلم‭.‬

قد‭ ‬أجد‭ ‬الكثير‭ ‬ممن‭ ‬يؤيدني‭ ‬أو‭ ‬يعارضني‭ ‬في‭ ‬طرحي‭ ‬المطالبة‭ ‬بعودة‭ ‬العمل‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬خدمة‭ ‬العلم‮»‬‭ ‬ولكنها‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬عودة‭ ‬الى‭ ‬الإتجاه‭ ‬الصحيح‭ ‬لإعادة‭ ‬تصويب‭ ‬لأوضاع‭ ‬كثيرة‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬تشويه‭ ‬الحياة،‭ ‬فهي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬المخرج‭ ‬الوحيد‭ ‬المتبقي‭ ‬الذي‭ ‬سيعمل‭ ‬على‭ ‬ضبط‭ ‬هذا‭ ‬المد‭ ‬الهائل‭ ‬في‭ ‬التجاوز‭ ‬الوقح‭ ‬على‭ ‬منظومة‭ ‬القيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والسلوكية‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تشكل‭ ‬تهديدا‭ ‬حقيقيا‭ ‬لأمن‭ ‬المجتمع‭ ‬واستقراره‭.‬

مجتمعيا‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬الأسرة‭ ‬ولا‭ ‬العشيرة‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬القبيلة‭ ‬ضامنا‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬السلوك‭ ‬وتهذيبه‭ ‬ولا‭ ‬مراقبا‭ ‬محايدا‭ ‬للتجاوزات‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬الأفراد‭ ‬بسبب‭ ‬عنجهية‭ ‬التفكير‭ ‬والتأثر‭ ‬والإقتناع‭ ‬بالأفكار‭ ‬التي‭ ‬تعزز‭ ‬الأنا‭ ‬وحب‭ ‬الظهور‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬القيم‭ ‬والتقاليد‭ ‬والعادات‭ ‬الأصيلة‭.‬

تربويا‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬ينكر‭ ‬فشل‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬التعليمية‭ ‬في‭ ‬مناهجها‭ ‬الركيكة‭ ‬وآدائها‭ ‬المتواضع‭ ‬من‭ ‬المدرسة‭ ‬وحتى‭ ‬الجامعة‭ ‬في‭ ‬تجسيد‭ ‬معاني‭ ‬الإدراك‭ ‬والحس‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬لدى‭ ‬الطلبة‭ ‬حتى‭ ‬باتت‭ ‬التجاوزات‭ ‬ظاهرة‭ ‬للعيان‭ ‬في‭ ‬المستوى‭ ‬المتدني‭ ‬للمخرجات‭ ‬التعليمية‭.‬

قانونيا‭ ‬صار‭ ‬التجاوز‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬السمة‭ ‬الغالبة‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬تعاملاتنا‭ ‬اليومية‭ ‬كأفراد‭ ‬ومؤسسات،‭ ‬وظهرت‭ ‬تلك‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬وقفنا‭ ‬أمامها‭ ‬مصدومين‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬الجرأة‭ ‬في‭ ‬تجاوزات‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬حاضرة‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أسوأ‭ ‬التوقعات‭ ‬لتكون‭ ‬أعمالا‭ ‬وسلوكيات‭ ‬شبه‭ ‬يومية‭ ‬تتطاول‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬الضوابط‭ ‬القانونية‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬أحد‭ ‬الخطوط‭ ‬الحمراء‭.‬

الحل‭.. ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مخرجا‭ ‬هو‭ ‬بإعادة‭ ‬العمل‭ ‬بنظام‭ ‬خدمة‭ ‬العَلم‭ ‬والذي‭ ‬فرضت‭ ‬علينا‭ ‬الظروف‭ ‬الإقتصادية‭ ‬توقف‭ ‬العمل‭ ‬به‭ ‬كشرط‭ ‬من‭ ‬شروط‭ ‬الإصلاح‭ ‬الإقتصادي‭ ‬والذي‭ ‬جاء‭ ‬بنتائج‭ ‬عكسية‭ ‬قاسية‭ ‬فارتفع‭ ‬عدد‭ ‬طلبات‭ ‬التوظيف‭ ‬في‭ ‬ديوان‭ ‬الخدمة‭ ‬المدنية‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬ألفا‭ ‬الى‭ ‬300‭ ‬ألفا‭ ‬ومستويات‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬البطالة‭ ‬والفقر‭ ‬والكساد‭ ‬وارتفاع‭ ‬للأسعار‭ ‬وزيادة‭ ‬مسعورة‭ ‬لفرض‭ ‬الضرائب‭ ‬وكلها‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬الأزمة‭ ‬الأقتصادية‭ ‬والأخلاقية،‭ ‬وهما‭ ‬عنصران‭ ‬متلازمان‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬فالآلاف‭ ‬من‭ ‬الطلبة‭ ‬خريجو‭ ‬الثانوية‭ ‬العامة‭ ‬والجامعات‭ ‬بلا‭ ‬عمل‭ ‬وبلا‭ ‬هدف،‭ ‬يصاحب‭ ‬ذلك‭ ‬عوامل‭ ‬وظروف‭ ‬قاسية‭ ‬جميعها‭ ‬تنادي‭ ‬بالعصيان‭ ‬الأخلاقي‭ ‬والتمرد‭ ‬السلوكي‭ ‬ولا‭ ‬ضابط‭ ‬لذلك‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مؤسسة‭ ‬قائمة‭ ‬بالأساس‭ ‬على‭ ‬الضبط‭ ‬والربط‭ ‬لتعيد‭ ‬تقويم‭ ‬الأشياء‭ ‬وتحافظ‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تربية‭ ‬عسكرية‭ ‬تُصّحح‭ ‬المسار‭ ‬وتعيد‭ ‬توجيه‭ ‬الشباب‭ ‬الى‭ ‬طريق‭ ‬الصواب‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تهاون‭ ‬ولا‭ ‬تطاول‭ ‬فالكل‭ ‬تحت‭ ‬القانون‭ ‬عندها‭ ‬سيتعلم‭ ‬الجميع‭ ‬معنى‭ ‬المواطنة‭ ‬الحقيقية‭ ‬المجتمعية‭ ‬والسلوكية‭ ‬بشكل‭ ‬يضمن‭ ‬لهم‭ ‬حماية‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬مكوناتهم‭ ‬كأفراد‭ ‬يمثلون‭ ‬رصيدا‭ ‬وطنيا‭ ‬غاليا‭.‬

مشاهدات‭ ‬الأمس‭ ‬وكل‭ ‬الأعوام‭ ‬السابقة‭ ‬‮«‬ولا‭ ‬أعمم‮»‬‭ ‬في‭ ‬شوارعنا‭ ‬ومدارسنا‭ ‬وجامعاتنا‭ ‬وأسواقنا‭ ‬ستجعلنا‭ ‬نشاهد‭ ‬من‭ ‬شبابنا‭ ‬إن‭ ‬قاموا‭ ‬بالإنخراط‭ ‬بخدمة‭ ‬العَّلم‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬المدة‭ ‬شبابا‭ ‬مدركين‭ ‬واعين‭ ‬لمفهوم‭ ‬المواطنة‭ ‬والمظهر‭ ‬والسلوك‭ ‬والأحترام‭ ‬وكل‭ ‬معاني‭ ‬القيم‭ ‬والأخلاق،‭ ‬وعلى‭ ‬أقل‭ ‬تقدير‭ ‬سيتمكنون‭ ‬من‭ ‬التفريق‭ ‬في‭ ‬طعم‭ ‬ثمن‭ ‬الرجولة‭ ‬بين‭ ‬الشرب‭ ‬من‭ ‬مطرة‭ ‬الماء‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬وزجاجة‭ ‬الشمبانيا‭ ‬الخضراء‭.‬

يوسف‭ ‬الحلو‭ ‬–‭ ‬10‭ ‬شباط‭ ‬2017