كرام ولكنا مفاليس


أنباء الوطن -

 

كتب‭ : ‬محمد‭ ‬الديرية‭*‬

‭* ‬محمد‭ ‬الديرية‭ ‬طبيب‭ ‬وكاتب‭ ‬صومالي‭ ‬يصف‭ ‬الأردن‭ ‬والأردنيين‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬جميل‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬كرام‭ ‬ولكنا‭ ‬مفاليس،‭ ‬يقول‭ ‬فيه‭ :‬

‭- ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬أخبرتك‭ ‬عن‭ ‬أيامي‭ ‬في‭ ‬افريقية‭ .. ‬وكتبت‭ ‬لك‭ ‬عن‭ ‬السودان‭ ‬وأهله‭ .. ‬وقد‭ ‬شمألت‭ ‬بي‭ ‬الأيام‭ ‬فرمت‭ ‬بي‭ ‬عبر‭ ‬الأردن‭ .. ‬أي‭ ‬شرق‭ ‬النهر‭ ‬لا‭ ‬غربه‭ .. ‬وكانت‭ ‬وقت‭ ‬قدومي‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬بقي‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬البلاد‭ .. ‬فلم‭ ‬أعبر‭ ‬باتجاه‭ ‬دمشق‭ ‬وهي‭ ‬حاضرة‭ ‬الشام‭ ‬وجنة‭ ‬أهله‭ ‬ومنارة‭ ‬القاصدين‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬العام‭ .‬‭. ‬وجرت‭ ‬عادة‭ ‬أهل‭ ‬تلك‭ ‬الديار‭ ‬أن‭ ‬تطلق‭ ‬الشام‭ ‬على‭ ‬دمشق‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬سائر‭ ‬شمال‭ ‬العروبة‭ ‬كما‭ ‬درج‭ ‬أهلونا‭ ‬في‭ ‬لسانهم‭, ‬ولعل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬تشويقاً‭ ‬لك‭ ‬وحرماناً‭ ‬لمن‭ ‬اقترب‭ ‬ولم‭ ‬يصل‭ .. ‬وعلى‭ ‬أية‭ ‬حال‭ ‬فأن‭ ‬تسافر‭ ‬جيداً‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬بوذا‭ ‬يا‭ ‬بني‭.‬

أتيتها‭ ‬جواً‭ ‬فلم‭ ‬أبصر‭ ‬مائاً‭ ‬من‭ ‬عل‭ .. ‬وكان‭ ‬الوقت‭ ‬ليلاً‭ ‬فلفحنا‭ ‬برد‭ ‬لطيف‭ ‬كأن‭ ‬نسيمه‭ ‬جو‭ ‬الطائف‭ ‬أو‭ ‬صبا‭ ‬صنعاء‭ .. ‬واصطففنا‭ ‬صفاً‭ ‬طويلاً‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬الأعاجم‭ .. ‬يقدم‭ ‬الواحد‭ ‬منا‭ ‬على‭ ‬عربي‭ ‬يستلم‭ ‬جوازك‭ ‬ويبتسم‭ ‬اقتضاباً‭ ‬كمن‭ ‬رابه‭ ‬شك‭ ‬فلم‭ ‬يتأكد‭ ‬منه‭ ‬بعد‭ .. ‬ثم‭ ‬أمرنا‭ ‬بوضع‭ ‬أعيننا‭ ‬على‭ ‬جهاز‭ ‬يبصر‭ ‬في‭ ‬انسان‭ ‬عينك‭ ‬ضوئاً‭ ‬لم‭ ‬أعهده‭ ‬من‭ ‬قبل‭ .. ‬وسألني‭ ‬عن‭ ‬سكناي‭ ‬فما‭ ‬احترت‭ ‬ولا‭ ‬ترددت‭ .. ‬ناولني‭ ‬الجواز‭ ‬ثم‭ ‬قال‭ ‬لي‭ : ‬مرحباً‭ ‬بك‭ ‬في‭ ‬الأردن‭.‬

وقد‭ ‬وجدت‭ ‬بلادهم‭ ‬نظيفةً‭ ‬يشدها‭ ‬الغلاء‭ , ‬جبليةً‭ ‬قليلة‭ ‬الخضرة‭ ‬والماء‭, ‬جل‭ ‬عمالها‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬المحروسة‭, ‬صحة‭ ‬الناس‭ ‬بادية‭ ‬في‭ ‬ملابسهم‭ ‬وألسنهم‭ ‬بها‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬رقة‭ ‬الشام‭ ‬وجفوة‭ ‬أعراب‭ ‬الجنوب‭ .. ‬على‭ ‬أن‭ ‬أصواتهم‭ ‬عميقة‭ ‬القرار‭ ‬كمن‭ ‬دلق‭ ‬في‭ ‬حلقه‭ ‬فنجان‭ ‬قهوة‭ ‬خالي‭ ‬السكر‭ .. ‬يحدثك‭ ‬الرجل‭ ‬منهم‭ ‬فتظن‭ ‬نفسك‭ ‬أمام‭ ‬شاشة‭ ‬الأخبار‭.‬

وأرضهم‭ ‬غير‭ ‬مبسوطة‭ , ‬فلا‭ ‬تنزل‭ ‬من‭ ‬جبل‭ ‬إلا‭ ‬وتصعد‭ ‬أخاه‭ , ‬ذكرتني‭ ‬بكمبالا‭ ‬عاصمة‭ ‬يوغندا‭ ‬ونيروبي‭ ‬ومدناً‭ ‬أخرى‭ ‬مررت‭ ‬بها‭ ‬ولست‭ ‬أذكرها‭ , ‬بنيت‭ ‬على‭ ‬سبعة‭ ‬جبال‭ ‬فوق‭ ‬سبع‭ ‬أراضين‭, ‬وقد‭ ‬درجوا‭ ‬على‭ ‬استغلال‭ ‬كل‭ ‬متر‭ ‬في‭ ‬بيوتهم‭, ‬ففي‭ ‬ناصية‭ ‬كل‭ ‬بيت‭ ‬موقف‭ ‬للسيارات‭ ‬يكون‭ ‬جزئاً‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬الباني‭, ‬ومطل‭ ‬على‭ ‬الشارع‭ ‬يدعى‭ ‬الترس‭ ‬يستغلونه‭ ‬عادة‭ ‬حين‭ ‬يطيب‭ ‬الجو‭ ‬ويحلو‭ ‬السمر‭ ‬فيلقون‭ ‬السلام‭ ‬على‭ ‬العابرين‭ ‬أو‭ ‬يدخون‭ ‬الأرجيلة‭ ‬في‭ ‬جلسات‭ ‬جماعية‭,‬‭ ‬وهم‭ ‬قوم‭ ‬يقدرون‭ ‬الكيف‭ ‬والعصاري‭ ‬ويشربون‭ ‬القهوة‭ ‬سائر‭ ‬الصبح‭, ‬ولم‭ ‬أجد‭ ‬للشاي‭ ‬في‭ ‬أرضهم‭ ‬ميزه‭, ‬غير‭ ‬أنهم‭ ‬مدخنون‭ ‬ولا‭ ‬يجدون‭ ‬غضاضة‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬السيجارة‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬تقاليد‭ ‬الضيافه‭ ‬ولا‭ ‬يكاد‭ ‬يخلو‭ ‬مكتب‭ ‬أو‭ ‬صالة‭ ‬انتظار‭ ‬من‭ ‬منفضة‭ ‬السجائر‭.‬

والمدينة‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬انجليزي‭ ‬عتيق‭ ‬في‭ ‬جعل‭ ‬حركة‭ ‬السير‭ ‬دائرية‭ ‬مربوطة‭ ‬بسلسلة‭ ‬من‭ ‬الأنفاق‭ .. ‬الاشارات‭ ‬الضوئية‭ ‬قليله‭ ‬والأولوية‭ ‬في‭ ‬الدوار‭ ‬لمن‭ ‬قوى‭ ‬قلبه‭ ‬وأغمض‭ ‬عينه‭ ‬وكاتف‭ ‬الآخرين‭ .. ‬على‭ ‬عبوس‭ ‬في‭ ‬ملامحهم‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬تخل‭ ‬أرواحهم‭ ‬من‭ ‬طيبة‭ ‬لاينكرها‭ ‬إلا‭ ‬جاهل‭ ‬أو‭ ‬عذول‭.‬

وهم‭ ‬قوم‭ ‬عمليون‭ ‬جداً‭ , ‬ورثوا‭ ‬عزيمة‭ ‬رجال‭ ‬الجبال‭ ‬ودهاء‭ ‬التجار‭ ‬من‭ ‬نابلس‭ ‬ودأب‭ ‬الفلاحين‭ ‬جهة‭ ‬الشام‭, ‬يستيقظون‭ ‬باكراً‭ ‬ولا‭ ‬يجدون‭ ‬وقتاً‭ ‬للقيلولة‭ ‬أو‭ ‬نوم‭ ‬النهار‭, ‬يعمل‭ ‬الرجل‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬وظيفتين‭, ‬وإن‭ ‬سألتهم‭ ‬عن‭ ‬عبوس‭ ‬ملامحهم‭ ‬وكشرة‭ ‬نزلت‭ ‬فيهم‭ ‬أخبرك‭ ‬الأردني‭ ‬أن‭ ‬غلاء‭ ‬المعيشة‭ ‬لا‭ ‬يترك‭ ‬فرصة‭ ‬لشيء‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬المدن‭, ‬أما‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬البدو‭ ‬افتخر‭ ‬وقال‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬الكشرة‭ ‬مهابة‭ .. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يطلق‭ ‬ضحكة‭ ‬الواثق‭ ‬من‭ ‬كذبته‭ ‬البيضاء‭.‬

وقد‭ ‬يطول‭ ‬حديثي‭ ‬لك‭ ‬عن‭ ‬عمان‭ .. ‬لكنك‭ ‬لن‭ ‬تجد‭ ‬الإنسان‭ ‬الحقيقي‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬ضمت‭ ‬كل‭ ‬نكبات‭ ‬العروبة‭ ‬كبيت‭ ‬قديم‭ ‬يلجأ‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬تردد‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬ضاقت‭ ‬به‭ ‬أرض‭ ‬عربية‭ .. ‬

لكن‭ ‬الأردن‭ ‬لا‭ ‬يشبه‭ ‬الأم‭ ‬كمصر‭ ‬أو‭ ‬العراق‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬اليمن‭ .. ‬ولا‭ ‬يشبه‭ ‬أباً‭ ‬طويل‭ ‬القامة‭ ‬مجروح‭ ‬الكتف‭ ‬كسورية‭ ‬الحبيبة‭ .. ‬يقع‭ ‬كجغرافيته‭ ‬تماماً‭ ‬مكان‭ ‬الأخ‭ ‬المتزوج‭ ‬من‭ ‬ابنة‭ ‬عمك‭ .. ‬لاتتردد‭ ‬في‭ ‬طرق‭ ‬بابه‭ ‬ولكنك‭ ‬لاتطيل‭ ‬المكوث‭ ‬حيائاً‭ ‬أو‭ ‬خجلاً‭ ‬أو‭ ‬عودة‭ ‬لاتجاه‭ ‬جديد‭ .. ‬إذ‭ ‬يصعب‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الأردن‭ ‬دون‭ ‬التفاتة‭ ‬باتجاه‭ ‬فلسطين‭ .. ‬كل‭ ‬شهقة‭ ‬هنا‭ ‬مقدسية‭ ‬الهوى‭ .. ‬ولا‭ ‬تقابل‭ ‬ثلاثة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬اثنان‭ ‬بقاف‭ ‬محكوكة‭ ‬الأطراف‭ ‬من‭ ‬طولكرم‭ ‬أو‭ ‬مد‭ ‬كحزن‭ ‬ليل‭ ‬الخليل‭ .. ‬وإن‭ ‬سألت‭ ‬تكسيا‭ ‬عن‭ ‬أصله‭ ‬فأجابك‭ ‬أنا‭ ‬من‭ ‬مواليد‭ ‬عمان‭ ‬فلا‭ ‬تستغرب‭ .. ‬لكن‭ ‬إن‭ ‬قال‭ ‬لك‭ ‬من‭ ‬سحاب‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬شفا‭ ‬بدران‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬وادي‭ ‬السير‭ ‬فتمهل‭ .. ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬عشيات‭ ‬وادي‭ ‬اليابس‭ ‬ببعيدة‭ ‬عن‭ ‬فم‭ ‬عرار‭.‬

وقد‭ ‬تطورت‭ ‬المدينة‭ ‬بعد‭ ‬اجتياح‭ ‬الكويت‭ .. ‬عاد‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬محملين‭ ‬بجراح‭ ‬على‭ ‬أطرافها‭ ‬رؤوس‭ ‬أموال‭ ‬وكفائات‭ ‬افادت‭ ‬البلد‭ ‬واستفادت‭ ‬منه‭ .. ‬كل‭ ‬نكبة‭ ‬عربية‭ ‬تبات‭ ‬أول‭ ‬ليلة‭ ‬في‭ ‬مطار‭ ‬الملكة‭ ‬علياء‭ ‬بالأردن‭ ‬يا‭ ‬بني‭ .. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ازدهرت‭ ‬بعد‭ ‬اجتياح‭ ‬العراق‭ ‬واحتلاله‭ .. ‬وعلك‭ ‬سامع‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬ألف‭ ‬مرة‭ ‬ولو‭ ‬قدمت‭ ‬عمان‭ ‬بعدي‭ ‬بألف‭ ‬عام‭ .. ‬والحديث‭ ‬عن‭ ‬السوريين‭ ‬وملاجئهم‭ ‬شيء‭ ‬يدمي‭ ‬القلب‭ ‬ويسافر‭ ‬ناياً‭ ‬حزيناً‭ ‬باتجاه‭ ‬أقدم‭ ‬عاصمة‭ ‬للدنيا‭ .. ‬يبات‭ ‬بنوها‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬وزعت‭ ‬بإتقان‭ ‬على‭ ‬أطراف‭ ‬الصحراء‭ .. ‬وإن‭ ‬يكن‭ ‬الأردنيون‭ ‬قد‭ ‬استضافوا‭ ‬الليبيين‭ ‬جرحى‭ ‬والسودانيين‭ ‬مرضى‭ ‬واليمنيين‭ ‬طلاباً‭ ‬وأصحاب‭ ‬مطاعم‭ .. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يدهم‭ ‬وصبرهم‭ ‬كان‭ ‬أطول‭ ‬مع‭ ‬نكبات‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ .. ‬ابتدائاً‭ ‬من‭ ‬اقتتال‭ ‬الأخوة‭ ‬الأعداء‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وطائفية‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬صدام‭ ‬وجنون‭ ‬بشار‭ ‬وإجرامه‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬شعبه‭.‬

وقد‭ ‬زرت‭ ‬المخيمات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬وشتان‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬دور‭ ‬الفلسطينين‭ ‬بعمان‭ .. ‬هذا‭ ‬الرقم‭ ‬الوطني‭ ‬يتقاسمونه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلاد‭ ‬كما‭ ‬يتقاسمون‭ ‬فنجان‭ ‬القهوة‭ ‬وصوت‭ ‬فيروز‭ ‬على‭ ‬الصباح‭ .. ‬لكن‭ ‬الفلسطينين‭ ‬مسكونون‭ ‬بالعودة‭ ‬ومتذمرون‭ ‬من‭ ‬المحسوبية‭ ‬والبطالة‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬شحيح‭ ‬الموارد‭ ‬من‭ ‬أساسه‭ .. ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬ينفي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬منهم‭ ‬رؤوس‭ ‬أموال‭ ‬ضخمه‭ ‬وأساتذة‭ ‬أفذاذ‭ .. ‬لطالما‭ ‬كانت‭ ‬النكبة‭ ‬ثقباً‭ ‬أسود‭ ‬في‭ ‬رئة‭ ‬كل‭ ‬عربي‭ .. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الانسان‭ ‬الجبار‭ ‬طوعها‭ ‬شهادات‭ ‬واستثمارات‭ ‬وإنساناً‭ ‬صعب‭ ‬المراس‭ .. ‬عائلاتهم‭ ‬معروفة‭ ‬غير‭ ‬ممتده‭ .. ‬وفردية‭ ‬الفرد‭ ‬منهم‭ ‬عالية‭ .. ‬قد‭ ‬تعاني‭ ‬معهم‭ ‬لكنك‭ ‬تعود‭ ‬رافع‭ ‬القبعة‭ ‬له‭ ‬أول‭ ‬المساء‭ .. ‬لطالما‭ ‬قلت‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬مررت‭ ‬بها‭ ‬كانت‭ ‬سهلة‭ ‬الوصف‭ .. ‬منداحة‭ ‬المتن‭ ‬لعين‭ ‬عابر‭ ‬قديم‭ .. ‬لكن‭ ‬كيف‭ ‬بربك‭ ‬تصنف‭ ‬شعباً‭ ‬قطعت‭ ‬أرضه‭ ‬لأربعة‭ ‬أجزاء‭ ‬وشتت‭ ‬في‭ ‬المنافي‭ ‬ووقف‭ ‬بنوه‭ ‬طويلا‭ ‬أمام‭ ‬كل‭ ‬ضابط‭ ‬جوازات‭ ‬؟‭!‬

والمخبرون‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلاد‭ ‬معروفون‭ ‬بسيماهم‭ .. ‬تشم‭ ‬رائحة‭ ‬المصدر‭ ‬وهو‭ ‬يجرك‭ ‬لسؤال‭ ‬عن‭ ‬آخر‭ ‬رفع‭ ‬لأسعار‭ ‬البنزين‭ .. ‬وتحترم‭ ‬ذكاء‭ ‬المخبر‭ ‬حين‭ ‬يعرف‭ ‬نفسه‭ ‬بضابط‭ ‬في‭ ‬المخابرات‭ ‬بعكس‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭, ‬وأنت‭ ‬يا‭ ‬بني‭ ‬إن‭ ‬جئتها‭ ‬محتاج‭ ‬لشهادة‭ ‬حسن‭ ‬سيرة‭ ‬وسلوك‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬معاملة‭ ‬حكومية‭ .. ‬لكن‭ ‬للأمانة‭ ‬لن‭ ‬تجد‭ ‬احتراماً‭ ‬في‭ ‬وزارات‭ ‬وطنك‭ ‬كما‭ ‬ستجده‭ ‬وأنت‭ ‬تتوه‭ ‬وتسأل‭ ‬ضابطاً‭ ‬أردنياً‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬بديل‭ ‬أو‭ ‬تحلف‭ ‬له‭ ‬باستعجالك‭ ‬وهو‭ ‬يقسم‭ ‬ويطلق‭ ‬زوجته‭ ‬مرتين‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تنزل‭ ‬لتقاسمه‭ ‬قهوة‭ ‬سوداء‭ ‬أو‭ ‬–‭ ‬يكسبك‭ ‬–‭ ‬كما‭ ‬يقولون‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬منسف‭ ‬ساخن‭ ‬أعدته‭ ‬العائلة‭ ‬قبل‭ ‬قليل‭.‬

وعلى‭ ‬ذكر‭ ‬المنسف‭ .. ‬مر‭ ‬داعية‭ ‬تلفزيوني‭ ‬–‭ ‬وهو‭ ‬رجل‭ ‬لن‭ ‬تذكره‭ ‬الأجيال‭ ‬على‭ ‬أية‭ ‬حال‭ ‬–‭ ‬لافتتاح‭ ‬معرض‭ ‬الكتاب‭ ‬بعمان‭ , ‬تخيل‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬داعية‭ ‬تلفزيوني‭ ‬ليفتتح‭ ‬معرضاً‭ ‬للكتاب‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬أنبتت‭ ‬عرار‭ ‬وكتب‭ ‬عنها‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬منيف‭ ‬وسجن‭ ‬لأجلها‭ ‬هاشم‭ ‬غرايبه‭ ‬لعشر‭ ‬سنين‭ .. ‬ثم‭ ‬دعي‭ ‬–‭ ‬كعادة‭ ‬الكرام‭ ‬هنا‭ ‬–‭ ‬إلى‭ ‬منسف‭ ‬أردني‭ .. ‬لحم‭ ‬مطبوخ‭ ‬بلبن‭ ‬أمه‭ ‬كما‭ ‬وصفه‭ ‬المسيح‭ ‬وهو‭ ‬يوصي‭ ‬بتجنب‭ ‬أرض‭ ‬البرابرة‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬القديم‭ .. ‬يرتكز‭ ‬شامخاً‭ ‬على‭ ‬أرز‭ ‬أبيض‭ .. ‬شيء‭ ‬تدخل‭ ‬يدك‭ ‬فيه‭ ‬فلا‭ ‬تخرج‭ ‬إلا‭ ‬مدسمة‭ ‬الأطراف‭ ‬مشرئب‭ ‬العنق‭ ‬بلبن‭ ‬ثخين‭ ‬مالح‭ ‬يدعى‭ ‬الجميد‭, ‬ويزدان‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬بخبز‭ ‬يدعى‭ ‬خبز‭ ‬الشراك‭ ‬على‭ ‬أطرافه‭ ‬فيأتدم‭ ‬اللحم‭ ‬بالخبز‭ ‬ويمسي‭ ‬أقرب‭ ‬لوصف‭ ‬حسان‭ ‬بن‭ ‬ثابت‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬حين‭ ‬مدح‭ ‬الثريد‭ ‬فقال‭ :‬

إذا‭ ‬ما‭ ‬الخبز‭ ‬تأدمه‭ ‬بلحم‭ : ‬فذاك‭ ‬أمانة‭ ‬الله‭ ‬الثريد

دعي‭ ‬الرجل‭ ‬إلى‭ ‬مأدبة‭ ‬القوم‭ .. ‬وهم‭ ‬يأكلونه‭ ‬وقوفاً‭ ‬احتراما‭ ‬للحم‭ ‬وخوفا‭ ‬على‭ ‬الضيف‭ ‬من‭ ‬الشبع‭, ‬ويأسرونك‭ ‬بالحديث‭ ‬حتى‭ ‬تصافح‭ ‬مقابلك‭ ‬على‭ ‬كف‭ ‬كسيت‭ ‬بالخبز‭ ‬والحب‭ ‬ومرأى‭ ‬وجوه‭ ‬النشامى‭ .. ‬فما‭ ‬استساغ‭ ‬الأكلة‭ ‬وذمها‭ ‬قائلاً‭ : ‬ليتهم‭ ‬قدموا‭ ‬لي‭ ‬شاورما‭, ‬وتلك‭ ‬وأيم‭ ‬الله‭ ‬منقصة‭ ‬للحر‭ .. ‬أن‭ ‬يذم‭ ‬طعام‭ ‬ضيفه‭, ‬وما‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ ‬أبو‭ ‬القاسم‭ ‬بأبي‭ ‬هو‭ ‬وأمي،‭ ‬ولا‭ ‬زاد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬قال‭ : ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بأرض‭ ‬قومي‭ ‬فآكله‭.‬

وقد‭ ‬جلت‭ ‬ديارهم‭ ‬فما‭ ‬أوقفني‭ ‬عسكري‭ ‬ولا‭ ‬طلب‭ ‬مني‭ ‬اقامة‭ ‬أو‭ ‬تأخرت‭ ‬معاملة‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬حكومية‭, ‬اللهم‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬مدخل‭ ‬ضيق‭ ‬لميناء‭ ‬يدعى‭ ‬العقبة‭, ‬أوقفنا‭ ‬فيه‭ ‬مخبر‭ ‬عتيق‭ ‬وتناول‭ ‬اثباتي‭ ‬وصديقي‭ ‬اليمني‭ ‬ثم‭ ‬بدأ‭ ‬بإرسال‭ ‬رسائل‭ ‬مبطنة‭ ‬عن‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬واستقرار‭ ‬الأردن‭, ‬ولمزنا‭ ‬باضطراب‭ ‬بلداننا‭, ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منا‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬سألناه‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬يوقفنا‭ ‬حر‭ ‬في‭ ‬طريقنا‭ ‬للشمال‭ ‬ولا‭ ‬استجوبنا‭ ‬بدو‭ ‬الجنوب‭ ‬الكرام‭ ‬بينما‭ ‬تقيم‭ ‬مدخلا‭ ‬ضيق‭ ‬الفوهة‭ ‬على‭ ‬حدودنا‭ ‬مع‭ ‬ايلات‭ ‬؟‭.‬

وقد‭ ‬شمألنا‭ ‬فنزلنا‭ ‬اربد‭ ‬وألقينا‭ ‬نظرة‭ ‬أسى‭ ‬المخصي‭ ‬على‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة‭ ‬وصافحنا‭ ‬درعا‭ ‬الكرام‭ ‬بالعين‭ ‬دون‭ ‬اليد‭ .. ‬واستضافنا‭ ‬فتى‭ ‬من‭ ‬العمرو‭ ‬يدعى‭ ‬الأمين‭ ‬الربيع‭ .. ‬ولعمري‭ ‬إن‭ ‬وجهه‭ ‬الربيع‭ ‬وقرى‭ ‬ضيفانه‭ ‬البشاشة‭ ‬واصطفاف‭ ‬شيوخ‭ ‬العشيرة‭ ‬للاحتفال‭ ‬بشاعر‭ ‬سوداني‭ ‬نال‭ ‬جائزة‭ ‬الشارقة‭ ‬لهذا‭ ‬العام‭ ‬يدعى‭ ‬محمد‭ ‬عبدالباري،‭ ‬ويماني‭ ‬وجهه‭ ‬ينوب‭ ‬عن‭ ‬قبيلة‭ ‬في‭ ‬المغنم‭ ‬والمكره،‭ ‬وسعودي‭ ‬كريم‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬بعيدة‭ ‬ليتم‭ ‬عقد‭ ‬العروبة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنتظم‭ ‬إلا‭ ‬برائحة‭ ‬عرار‭ ‬نجد‭ ..‬

وإنك‭ ‬إن‭ ‬جئتها‭ ‬لواجد‭ ‬هوائها‭ ‬من‭ ‬أطيب‭ ‬هواء‭ ‬الأرض‭ .. ‬وأرضها‭ ‬جبالاً‭ ‬كسيت‭ ‬بالخضرة‭ ‬كأن‭ ‬طفلاً‭ ‬أحبه‭ ‬الله‭ ‬دار‭ ‬بالياسمين‭ ‬فحفها‭ ‬حفا‭, ‬وتخالك‭ ‬تمشي‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬العروبة‭ ‬حين‭ ‬تمشي‭ ‬بالدروب‭ ‬فلا‭ ‬تميز‭ ‬الشامي‭ ‬من‭ ‬المصري‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬مطعم‭ ‬عراقي‭ ‬أو‭ ‬ناصية‭ ‬يمانية‭, ‬على‭ ‬أن‭ ‬القوم‭ ‬مليئون‭ ‬برموز‭ ‬التعظيم‭ ‬وألفاظ‭ ‬التبجيل‭ ‬لكبارهم‭, ‬فينادون‭ ‬أكبرهم‭ ‬بالعطوفة‭ ‬وأصغرهم‭ ‬بعامل‭ ‬الوطن‭ ‬كناية‭ ‬عن‭ ‬القائم‭ ‬بتنظيف‭ ‬الشوارع‭, ‬ويدعون‭ ‬المراسيل‭ ‬بينهم‭ ‬بالمكاتيب‭, ‬ولا‭ ‬تكاد‭ ‬تجد‭ ‬عجمة‭ ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬الشركس‭ ‬والشيشان‭ ‬والأكراد‭ ‬بينهم‭, ‬كأن‭ ‬هذه‭ ‬الجبال‭ ‬ضمت‭ ‬الجميع‭ ‬ضم‭ ‬الأم‭ ‬فما‭ ‬عاد‭ ‬ثمة‭ ‬غريب‭ ‬ها‭ ‬هنا‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬الفطين‭ ‬ليألف‭ ‬تباين‭ ‬القوم‭ ‬سياسيا‭ ‬وجغرافيا‭ ‬وعرقيا‭ ‬بتمايز‭ ‬أهل‭ ‬المدن‭ ‬والتحضر‭ .. ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬تعرف‭ ‬الفريق‭ ‬الذي‭ ‬يشجعه‭ ‬مقابلك‭ ‬حتى‭ ‬تضع‭ ‬اصبعك‭ ‬على‭ ‬جهة‭ ‬في‭ ‬الخريطة‭, ‬وإن‭ ‬وجدت‭ ‬شيخاً‭ ‬بعمامة‭ ‬نقطت‭ ‬بالأبيض‭ ‬والأسود‭ ‬فلا‭ ‬تظنن‭ ‬لهجته‭ ‬كلهجة‭ ‬صاحب‭ ‬الشماغ‭ ‬الأحمر‭ .. ‬وغني‭ ‬أنت‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭ ‬أهل‭ ‬الدار‭ ‬منبتهم‭ ‬إن‭ ‬قربوا‭ ‬لك‭ ‬مسخناً‭ ‬أو‭ ‬اصطفوا‭ ‬جوارك‭ ‬لمنسف‭.‬

ولا‭ ‬تغادرها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تصعد‭ ‬عجلون‭ ,,‬تلك‭ ‬العدن‭,, ‬حيث‭ ‬لو‭ ‬ولد‭ ‬فيها‭ ‬أعجمي‭ ‬لأمسى‭ ‬شاعراً‭, ‬وزر‭ ‬قلعة‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الكيف‭ ‬فلا‭ ‬تفوت‭ ‬شرابا‭ ‬يعتقه‭ ‬الربضية‭ ‬من‭ ‬مسيحية‭ ‬تلك‭ ‬الديار‭.‬

وقد‭ ‬وجدت‭ ‬سماحة‭ ‬نصارى‭ ‬الشام‭ ‬ها‭ ‬هنا‭ .. ‬تعرفهم‭ ‬بأسماء‭ ‬عوائلهم‭ ‬وصليب‭ ‬يتدلى‭ ‬من‭ ‬أعناق‭ ‬بعضهم‭ .. ‬يتنقلون‭ ‬بين‭ ‬التجارة‭ ‬والطب‭ ‬مهنة‭ ‬سيدنا‭ ‬المسيح‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬وهم‭ ‬كرام‭ ‬كبقية‭ ‬القوم‭, ‬يكسبون‭ ‬الضيفان‭ ‬ويصلون‭ ‬الود‭, ‬ولا‭ ‬تشعر‭ ‬معهم‭ ‬بتلك‭ ‬الجفوة‭ ‬التي‭ ‬يجدها‭ ‬المسلمون‭ ‬عادة‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬مذهبهم‭ ‬من‭ ‬الشيعة‭ ‬مثلا‭.‬

وغض‭ ‬النظر‭ ‬إن‭ ‬مشيت‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدروب‭ .. ‬حيث‭ ‬جمع‭ ‬الله‭ ‬لنسائهم‭ ‬فتنة‭ ‬الغرب‭ ‬ونطق‭ ‬العرب‭ .. ‬فإنهم‭ ‬مشهورون‭ ‬بغضبة‭ ‬للمحارم‭ ‬ولين‭ ‬للغريب‭, ‬وقد‭ ‬يذهب‭ ‬الفتى‭ ‬منهم‭ ‬قتيلا‭ ‬فيدفن‭ ‬على‭ ‬فنجان‭ ‬قهوة‭ ‬إن‭ ‬جاء‭ ‬بالعار‭, ‬غير‭ ‬أن‭ ‬عمان‭ ‬مليئة‭ ‬بدروب‭ ‬الهوى‭ ‬وهي‭ ‬لاتخفى‭, ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬ليس‭ ‬سجية‭ ‬أهل‭ ‬البلد‭ ‬ولا‭ ‬يريدون‭ ‬يوماً‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ديارهم‭ ‬مقصدا‭ ‬للفحش‭ ‬والخنا‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬تخل‭ ‬منها‭.‬

واشغل‭ ‬نفسك‭ ‬بالتنزه‭ ‬والمشي‭ ‬في‭ ‬دروب‭ ‬اللويبدة‭ ‬حيث‭ ‬البيوت‭ ‬العتيقة‭ ‬واصطفاف‭ ‬الورد‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬سكانها‭ ‬الطيبين‭, ‬وانزل‭ ‬لهاشم‭ ‬فقد‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬الأثر‭ ‬عن‭ ‬صديق‭ ‬قديم‭ : ‬من‭ ‬زار‭ ‬الأردن‭ ‬ووقف‭ ‬بجوار‭ ‬العلم‭ ‬فما‭ ‬زارها‭, ‬ومن‭ ‬تصور‭ ‬في‭ ‬مطعم‭ ‬هاشم‭ ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬عمان‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يزرها‭ !‬

وجر‭ ‬القدم‭ ‬باتجاه‭ ‬حبيبه‭ ‬وصف‭ ‬مع‭ ‬السادة‭ ‬الفقراء‭ ‬طويلا‭ ‬بوسط‭ ‬البلد‭, ‬حيث‭ ‬الكنافة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الجهات‭, ‬ثم‭ ‬اشرب‭ ‬شايا‭ ‬في‭ ‬مقهى‭ ‬السنترال‭ ‬الذي‭ ‬أنشيء‭ ‬سنة‭ ‬1930م‭ ‬وكان‭ ‬مجمع‭ ‬الشيوعيين‭ ‬طويلا‭ ‬حتى‭ ‬بات‭ ‬شبيها‭ ‬لتاريخهم‭ ‬بقدمه‭ ‬ونتوء‭ ‬جدرانه‭ ‬وصوت‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬الذي‭ ‬يتنهد‭ ‬ولا‭ ‬يكاد‭ ‬يبين‭, ‬واطلب‭ ‬مقعدا‭ ‬–‭ ‬كعادتهم‭ ‬–‭ ‬على‭ ‬ترس‭ ‬ذلك‭ ‬المقهى‭ ‬أو‭ ‬بلكونته‭ ‬وتأمل‭ ‬مليا‭ ‬المكتبة‭ ‬الأهلية‭ ‬وأقدم‭ ‬مقر‭ ‬لجماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬كبرى‭ ‬الحركات‭ ‬الاسلامية‭ ‬المعارضه‭ ‬أمامك‭ ‬مباشرة‭.. ‬وتذكر‭ ‬وجه‭ ‬المخبر‭ ‬في‭ ‬مدخل‭ ‬العقبة‭ ‬ويداً‭ ‬مدت‭ ‬لكريم‭ ‬على‭ ‬سدر‭ ‬منسف‭ ‬وصوت‭ ‬ماجدة‭ ‬وهي‭ ‬تغني‭ : ‬أعود‭ ‬وكلي‭ ‬حنين‭, ‬وتذكر‭ ‬صليباً‭ ‬على‭ ‬صدر‭ ‬سمراء‭ ‬من‭ ‬قوم‭ ‬عيسى‭ ‬وضحكة‭ ‬عراقي‭ ‬حزين‭ ‬في‭ ‬مشرب‭ ‬ليس‭ ‬بعيداً‭ ‬كوجه‭ ‬مظفر‭, ‬واقلب‭ ‬صفحتي‭ ‬هذه‭ ‬حال‭ ‬وصولك‭ ‬واقرأ‭ ‬على‭ ‬صدرها‭ ‬رداً‭ ‬لعرار‭ ‬حين‭ ‬وضع‭ ‬قرشاً‭ ‬من‭ ‬ذهب‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬المجاعة‭ ‬وكتب‭ ‬على‭ ‬ظهره‭ ‬أجمل‭ ‬وصف‭ ‬لأهل‭ ‬هذه‭ ‬الديار‭ ‬الجميلة‭ :‬

الله‭ ‬يعلم‭ ‬والأيام‭ ‬شاهدة‭ : ‬أنا‭ ‬كرام‭ .. ‬ولكنا‭ ‬مفاليس.

‭............‬

عن‭ ‬الصفحة‭ ‬الشخصية‭ ‬للزميل‭ ‬الصحفي‭ ‬‮«‬نايف‭ ‬المحيسن‮»‬