سواليف‭ ‬مغتربين‭ ‬


أنباء الوطن -

 

كتب‭ : ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بني‭ ‬ياس

اكثر‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬الأسى‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬المغترب،‭ ‬قراءته‭ ‬أو‭ ‬سماعه‭ ‬عبارات‭ ‬تثنيه‭ ‬عن‭ ‬مجرد‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الوطن‭. ‬يخبرني‭ ‬صديق‭ ‬بانه‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬يستشير‭ ‬اقرباء‭ ‬له‭ ‬وأصدقاء‭ ‬بالعودة‭ ‬النهائية‭ ‬إلى‭ ‬الاردن‭ ‬والاستقرار‭ ‬فيها،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬كان‭ ‬يقال‭ ‬له‭ : ‬‮«‬انت‭ ‬مجنون‭!‬؟‭ ‬وين‭ ‬ترجع‭ ‬وعلى‭ ‬شو‭ ‬ترجع؟‭ ‬البلد‭ ‬حالها‭ ‬واقف‭ ‬والكل‭ ‬بده‭ ‬يطلع‭ ‬والكل‭ ‬بدور‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬فرصة‭ ‬للسفر،‭ ‬ولو‭ ‬صحت‭ ‬فرصتك‭ ‬لكل‭ ‬الشباب‭ ‬ما‭ ‬حدا‭ ‬ظل‭ ‬هون‮»‬‭. ‬فيؤجل‭ ‬قراره‭ ‬إلى‭ ‬حين،‭ ‬وتمر‭ ‬السنوات‭ ‬ولا‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬تنفيذه‭. ‬

أكثر‭ ‬المغتربين‭ ‬استقرارا،‭ ‬نفسيا،‭ ‬وماليا،‭ ‬واجتماعيا،‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬هاجروا‭ ‬بتذكرة‭ ‬ذهاب‭ ‬دون‭ ‬عودة،‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬قرارهم‭ ‬واضحا‭ ‬حاسما‭ ‬منذ‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬سفرهم‭ ‬الطويل‭ ‬الأبدي؛‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬غير‭ ‬البلاد،‭ ‬ووطن‭ ‬غير‭ ‬الوطن،‭ ‬فجميع‭ ‬الأوطان‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهم‭ ‬سيان،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬الوطن‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬يطعمهم‭ ‬من‭ ‬جوع‭ ‬ويؤمنهم‭ ‬من‭ ‬خوف‭ ‬وكفى،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬الوطن‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬منغصات‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬ولا‭ ‬نقص‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬والثمرات،‭ ‬فحزموا‭ ‬حقائبهم‭ ‬وباعوا‭ ‬بيوتهم،‭ ‬وصافحوا‭ ‬الاهل‭ ‬والاصدقاء‭ ‬مصافحة‭ ‬المودّعين،‭ ‬وتوجهوا‭ ‬إلى‭ ‬المطار‭. ‬وهناك‭ ‬يكبرون‭ ‬ويكبر‭ ‬ابناؤهم‭ ‬وتمضي‭ ‬السنين،‭ ‬وقد‭ ‬يصيرون‭ ‬معها‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الاوطان‭ ‬البعيدة‭ ‬الغريبة‭. ‬

أما‭ ‬أكثر‭ ‬المغتربين‭ ‬شقاء‭ ‬بغربتهم،‭ ‬فهم‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬غادروا‭ ‬بأجسادهم،‭ ‬دون‭ ‬أرواحهم‭ ‬وقلوبهم،‭ ‬الذين‭ ‬حزموا‭ ‬حقائبهم‭ ‬مترددين،‭ ‬وودعوا‭ ‬أحبتهم‭ ‬متلعثمين،‭ ‬يتقدمون‭ ‬خطوة‭ ‬ويبطئون‭ ‬أخرى،‭ ‬يحتفظون‭ ‬بساعتين؛‭ ‬واحدة‭ ‬بتوقيت‭ ‬البلد‭ ‬المضيف،‭ ‬وأخرى‭ ‬بتوقيت‭ ‬الوطن‭. ‬يواظبون‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬ذويهم،‭ ‬ولا‭ ‬يفوتون‭ ‬حلقة‭ ‬من‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬يسعد‭ ‬صباحك‮»‬،‭ ‬فالأوطان‭ ‬النسبة‭ ‬اليهم‭ ‬ليست‭ ‬سيان،‭ ‬والمفرق‭ ‬و‭ ‬الكرك‭ ‬وإربد‭ ‬والسلط‭ ‬وعمان‭ ‬ليست‭ ‬شيكاغو‭ ‬أو‭ ‬الرياض‭ ‬أو‭ ‬الدوحة‭ ‬أو‭ ‬بروكسل‭ ‬أو‭ ‬برلين‭ .. ‬يحرصون‭ ‬على‭ ‬المكوث‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬متى‭ ‬تيسرت‭ ‬لهم‭ ‬الإجازات،‭ ‬مرة‭ ‬أو‭ ‬مرتين‭ ‬في‭ ‬العام‭. ‬هاجس‭ ‬العودة‭ ‬لا‭ ‬يغادرهم‭ ‬ساعة،‭ ‬لكن‭ ‬السنوات‭ ‬تمر،‭ ‬فيكبرون‭ ‬ويكبر‭ ‬أطفالهم‭ ‬وتكبر‭ ‬مسؤولياتهم،‭ ‬ويصيرون‭ ‬أسرى‭ ‬لاحتياجات‭ ‬ملحة‭.‬

في‭ ‬النهاية،‭ ‬لا‭ ‬المهاجر‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬وطنه‭ ‬ولا‭ ‬المغترب،‭ ‬والفرق‭ ‬بينهما‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬المهاجر‭ ‬يقرر‭ ‬عدم‭ ‬العودة‭ ‬بكامل‭ ‬إرادته،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬المغترب‭ ‬لا‭ ‬يعود،‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يمتلك‭ ‬قرار‭ ‬العودة‭.‬

‭.............‬

‭- ‬عن‭ ‬صفحة‭ ‬الكاتب‭ ‬الشخصية