قمتان في الأردن.... عربية وسعودية
كتب : نضال منصور
قمتان في الأردن في شهر آذار، وكلاهما لا يقل أهمية عن أخرى لبلد استطاع أن يشكل نموذجاً عربياً مختلفاً رغم الصراعات والحرائق التي تجتاج الأقليم وتلقي بظلالها القاسية.
قمة عربية لاستعادة التضامن المفقود والبحث عن ضوء يبدد العتمة، يسبقها قمة أردنية سعودية تعلق عليها آمال ورهانات كثيرة.
قبل يومين من القمة العربية التي تعقد في 29 من هذا الشهر يصل العاهل السعودي الملك سلمان إلى عمان في أول زيارة له للأردن منذ توليه العرش، والاستعدادات جارية لاحتفاء غير مسبوق بالملك سلمان مثلما فعلنا حين زارنا المغفور له الملك عبدالله بن عبد العزيز.
يزور الملك سلمان الأردن بعد جولة طويلة له في آسيا يرافقه فيها وفد حكومي كبير ووفد ضخم يزيد عن (1000) مرافق، والتشريفات الملكية والحكومة منشغلة في ترتيبات الاستضافة وتفاصيل الاحتفالات.
ومن الأسئلة الإعلامية التي تسأل أين سيقيم الملك سلمان، والاجابة ربما لم تعلن، ولكن الأرجح رغم عدم الإفصاح أن يقيم العاهل السعودي في قصر الندوة المتاخم للديوان الملكي، وعلى مقربه منه وتحديداً في ميدان الراية ستقام احتفالات ترحيب بضيف الأردن.
الآمال والرهانات على زيارة العاهل السعودي أردنياً كثيرة، وربما لا ترتبط بهواجس سياسية.
فالعلاقات الأردنية السعودية تشكل مفصلاً استراتيجياً، وعمان تـُـقدم مصالحها مع الرياض بالقول والفعل على كل المسارات الأخرى حتى ولو تسببت في انزعاج دول أو غضبها، وهذا ما حدث على أرض الواقع منذ تولي الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية منذ ما يزيد عن 16 عاماً.
ولكن العلاقات الاستراتيجية لا تمنع من مكاشفات سياسية لمستقبل العمل العربي، وما هو مطلوب من القمة العربية، وماذا سيحدث لملف السلام بعد مجيئ الرئيس الأمريكي ترامب، واستمرار نتياهو بسياساته المتشددة، واحتمالات نقل السفارة الأمريكية إلى القدس واستشراء المستوطنات؟!
وطبعاً فإن أسئلة القمة العربية الأساسية ستطرح أيضاً في المباحثات السعودية الأردنية وعلى رأسها الوضع في سوريا واليمن وليبيا.
الهاجس الأكبر والشاغل الأساسي للأردن هو الملف الاقتصادي، فالصعوبات الاقتصادية القاسية التي يمر بها الأردن ليست خافية ولا تحتاج إلى تعريف وتذكير، ولذلك فإن السؤال ماذا سيقدم الملك سلمان للأردن، ماهي المفاجآت الاقتصادية التي يمكن أن تنعش الآمال؟
من المعروف أن السياسات الاقتصادية السعودية تتجه مؤخراً نحو تعزيز الاستثمارات وتعميق الشراكة والمصالح الاقتصادية، أكثر من الذهاب نحو تقديم منح ومساعدات مالية، ولهذا كانت فكرة صندوق الاستثمار الأردني السعودي ليكون بوابة ومنصة المبادرات. المعلومات أن المايسترو وموفد الملك الخاص للسعودية الدكتور باسم عوض أنهى ترتيب أكثر التفاصيل للتصورات التي يمكن البناء عليها وترك الكرة في مرمى الحكومة لتقدم أولوياتها للمشاريع الاقتصادية والتي من المتوقع أن يعلن عنها خلال زيارة الملك سلمان.
ويظل السؤال بعد توقف المنحة الخليجية منذ ديسمبر من العام الماضي، هل ستقدم السعودية دعماً مباشراً للخزينة والموازنة العامة للدولة؟
التكهنات تتوقع أن تستكمل السعودية دعمها وتقدم حصتها كاملة وأكثر للاعوام القادمة، وهذا ربما يشجع دول الخليج وتحديداً الكويت والامارات للاستمرار بدعمهم النقدي للأردن.
القمة الأردنية السعودية ستلقى بظلالها على القمة العربية، فالحضور المبكر للملك سلمان سيقلص من فرص تغيب الزعماء عن القمة التي تعقد في البحر الميت، والتوقعات أن الغياب سيكون محصوراً في الزعماء الذين يتعذر حضورهم أصلاً، مثل الرئيس الجزائري لظروفه الصحية، وكذلك الحال للرئيس الاماراتي، وعلى الأرجح لن يحضر السلطان قابوس المقاطع للقمم العربية منذ فترة طويلة، ولن تمثل سوريا في القمة وسيظل مقعدها شاغراً ولن يحضر الرئيس السوري بشار الأسد رغم ضغوط مورست لانهاء قرار الجامعة العربية بتجميد عضويتها، وفي المقابل لن يحضر قمة الأردن ممثلون للمعارضة السورية مثلما حدث في أول الربيع العربي.
لن تحقق القمة العربية في الأردن المعجزات بعد انهيار منظومة العمل العربي، وبعد كل الحروب الطاحنة التي تشتعل فيها، ولكن الأمل أن تشق كوة للنور لعلها تبدد العتمة أو تنير درباً.
فلسطين أول الملفات التي يريد الأردن أن تستعيد حضورها بعد أن غـُـيبت وغابت، فإسرائيل أدارت ظهرها منذ زمن لأي تسوية سياسية، والرئيس الأمريكي ترامب بانقضاضه على حل الدولتين أشعل الفتن من سيناريوهات قادمة في أغلبها الضحية الشعب الفلسطيني وآماله بالاستقلال.
ومن المتوقع أن تفوض القمة العربية الملك عبد الله كرئيس للقمة ليلعب دوراً عند الإدارة الأمريكية الجديدة لاعطاء زخماً لعملية السلام، ومنذ الآن سربت الصحافة الإسرائيلية خبراً عن قمة سلام في عمان في أيار القادم.
سوريا الملف الثاني على أجندة القمة، وواقع الحال يشي بأن النظام السوري قد أعاد تأهيل نفسه بسبب التطورات الإقليمية.
فالتقارب الأمريكية الروسي، والتقارب التركي الروسي، ربما يدفع دول الخليج وتحديداً السعودية لمراجعة موقفها واسقاط الفيتو عن الحوار مع نظام الأسد، بما يعزز فرص نجاح مفاوضات الاستانة لتكريس حل سياسي توافقي.
الملف اليمني الأكثر تأثيراً على دول الخليج سيكون حاضراً بقوة أيضاً، فإذا حدث اختراق وتقدم في الوضع السوري فإن الأرجح أن يسهم ذلك بحلحلة تعقيدات الملف اليمني، مع أن تصعيد الادارة الأمريكية الجديدة ضد إيران لن يدفع السعودية ودول الخليج للقبول بتسويات مؤلمة.
القمة العربية في الأردن لن تنقذ الحال العربي، أو تعيد التضامن العربي المفقود، وفي أحسن الأحوال قد تحدث اختراقات ولو طفيفة وبصيص أمل يوقف نزيف الدم المستمر منذ أعوام، وربما تكون فرصة لمصافحات ومصالحات عربية وأولها إنهاء حالة الحرد والعتب السعودي المصري، وربما لقاءات أخرى قد لا تراها الكاميرات.
...............
* ملاحظة: النص الكامل لزاويتي المنشورة في جريدة الغد 19/3/2017