الهندسة‭ ‬الديمغرافية‭ ‬وأشكال‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري


أنباء الوطن -

 

كتب‭ : ‬سليمان‭ ‬أبو‭ ‬ارشيد

اختلف‭ ‬رئيسا‭ ‬الموساد،‭ ‬الحالي‭ ‬يوسي‭ ‬كوهين‭ ‬والسابق‭ ‬تمير‭ ‬باردو،‭ ‬خلال‭ ‬مداخلتيهما‭ ‬في›مؤتمر‭ ‬مئير‭ ‬داغان‭ ‬للأمن‭ ‬والإستراتيجية›،‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬نتانيا،‭ ‬حول‭ ‬تشخيص‭ ‬الخطر‭ ‬الإستراتيجي‭ ‬الذي‭ ‬يواجه‭ ‬إسرائيل،‭ ‬حيث‭ ‬يعتقد‭ ‬كوهين،‭ ‬الذي‭ ‬عين‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬نتنياهو‭ ‬الحالية،‭ ‬أن‭  ‬هذا‭ ‬الخطر‭ ‬يتجسد‭ ‬بـ»القنبلة‭ ‬النووية‭ ‬الإيرانية‮»‬‭ ‬بينما‭ ‬يرى‭ ‬باردو،‭ ‬الحائز‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬أمن‭ ‬إسرائيل‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬القنبلة‭ ‬الديمغرافية‮»‬‭ ‬تشكل‭ ‬مصدر‭ ‬التهديد‭ ‬الوحيد‭ ‬لإسرائيل‭.‬

خلاف‭ ‬الرجلين‭ ‬هو‭ ‬عودة‭ ‬إلى‭ ‬نقاش‭ ‬إسرائيلي‭ ‬–‭ ‬إسرائيلي‭ ‬قديم،‭ ‬سبق‭ ‬وتخلل‭ ‬عملية‭ ‬أوسلو‭ ‬في‭ ‬بداياتها‭ ‬وشكل‭ ‬شقه‭ ‬المتعلق‭ ‬بالقنبلة‭ ‬الديمغرافية،‭ ‬مبررا‭ ‬للتيار‭ ‬الداعي‭ ‬للانفصال‭ ‬عن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬حفاظا‭ ‬على‭ ‬يهودية‭ ‬الدولة،‭ ‬وهو‭ ‬مبرر‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬مع‭ ‬تهاوي‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬وارتفاع‭ ‬الأصوات‭ ‬المطالبة‭ ‬بضم‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭.‬

وينطلق‭ ‬أصحاب‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬من‭ ‬حرصهم‭ ‬على‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني،‭ ‬الذي‭ ‬تقف‭ ‬‮«‬دولة‭ ‬اليهود‮»‬‭ ‬في‭ ‬مركزه‭ ‬وتخوفهم‭ ‬من‭ ‬انزلاق‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬ممارسات‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري،‭ ‬التي‭ ‬تضعها‭ ‬نهاية‭ ‬في‭ ‬مصاف‭ ‬دولة‭ ‬الأبرتهايد،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬سيؤلب‭ ‬العالم‭ ‬ضدها‭ ‬ويضطرها‭ ‬إلى‭ ‬تفكيك‭ ‬نظام‭ ‬الأبرتهايد،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا‭.‬

الأصوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المذكورة‭ ‬تتزايد‭ ‬مع‭ ‬تعالي‭ ‬الأصوات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬لا‭ ‬تخفي‭ ‬اتهامها‭ ‬لإسرائيل‭ ‬بإقامة‭ ‬نظام‭ ‬أبرتهايد،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬أبرزها‭ ‬تقرير‭ ‬منظمة‭ ‬الاسكوا‭ ‬التابعة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭.‬

التقرير‭ ‬المذكور،‭ ‬ورغم‭ ‬سحبه‭ ‬بضغط‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬شكل‭ ‬اتهاما‭ ‬صريحا‭ ‬مفاده‭ ‬أن‭  ‬إسرائيل،‭ ‬بسياساتها‭ ‬وممارساتها،‭ ‬مذنبة‭ ‬بارتكاب‭ ‬جريمة‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ (‬أبارتهايد‭) ‬كما‭ ‬تعرفها‭ ‬صكوك‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬استنادا‭ ‬إلى‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الدولية‭ ‬لمناهضة‭ ‬الأبارتهايد،‭ ‬وإلى‭ ‬نظام‭ ‬روما‭ ‬الأساسي،‭ ‬المتعلق‭ ‬بالهيمنة‭ ‬العرقية‭. ‬

تخوف‭ ‬الأصوات‭ ‬المذكورة‭ ‬لا‭ ‬ينبع‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬التخوف‭ ‬باتهام‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالأبرتهايد‭ ‬وإنما‭ ‬من‭ ‬الإدراك‭ ‬بأن‭ ‬تفكيك‭ ‬الأبرتهايد‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬لاحقا،‭ ‬سيعني‭ ‬تفكيك‭ ‬الدولة‭ ‬اليهودية‭ ‬بصفتها‭ ‬دولة‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬المستغرب‭ ‬أن‭ ‬يحتل‭ ‬مبدأ‭ ‬الدولة‭  ‬اليهودية‭ ‬كما‭ ‬يعبر‭ ‬عنه‭ ‬القانون‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وتصميم‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬صدارة‭ ‬تقرير‭ ‬الإسكوا‭ ‬الذي‭ ‬أكد‭ ‬وجود،‭ ‬الغرض‭ ‬والمقصد‭ ‬للهيمنة‭ ‬العرقية،‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المصمم‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض‭ (‬الأبرتهايد‭) ‬بشكل‭ ‬جليّ‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬القوانين‭ ‬الإسرائيلية‭. ‬

تقرير‭ ‬الإسكوا‭ ‬أشار‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬إلى‭  ‬سياسة‭ ‬الأراضي،‭ ‬حيث‭ ‬ينص‭ ‬قانون‭ ‬الأساس‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬جواز‭ ‬نقل‭ ‬الأراضي،‭ ‬التي‭ ‬تحتفظ‭ ‬بها‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬أو‭ ‬هيئة‭ ‬التطوير‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬أو‭ ‬الصندوق‭ ‬القومي‭ ‬اليهودي،‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الاشكال‭. ‬كما‭ ‬ينص‭ ‬كذلك‭ ‬قانون‭ ‬ممتلكات‭ ‬الدولة‭ ‬لعام‭ ‬1951‭. ‬

وتطرق‭ ‬التقرير‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬الهندسة‭ ‬الديمغرافية،‭ ‬التي‭ ‬تخدم‭ ‬غرض‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬دولة‭ ‬يهودية،‭ ‬مشيرا‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬إلى‭ ‬قانون‭ ‬العودة‭ ‬الذي‭ ‬يمنح‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬حق‭ ‬دخول‭ ‬إسرائيل‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬الجنسية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يمنع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الحق،‭ ‬ويشير‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬منح‭ ‬إسرائيل‭ ‬للمنظمة‭ ‬الصهيونية‭ ‬العالمية‭ ‬والوكالة‭ ‬اليهودية‭ ‬سلطة‭ ‬قانونية،‭ ‬لتيسير‭ ‬الهجرة‭ ‬إليها‭ ‬وخدمة‭ ‬مصالح‭ ‬المواطنين‭ ‬اليهود‭ ‬بشكل‭ ‬تفضيلي‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬المجالات‭.‬

وعودة‭ ‬إلى‭ ‬تجدد‭ ‬النقاش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الداخلي،‭ ‬المصحوب‭ ‬بدعوات‭ ‬الضم‭ ‬وسحب‭ ‬السيادة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬فإنه‭ ‬نقاش‭ ‬حول‭ ‬ترتيب‭ ‬سلم‭ ‬الأولويات‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬يدور‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬يحاولون‭ ‬الهروب‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭  ‬ومن‭ ‬يعتقدون‭ ‬بضرورة‭ ‬التوقف‭ ‬عند‭ ‬الواقع‭ ‬الديمغرافي‭ ‬الذي‭ ‬يرسم‭ ‬صورة‭ ‬قاتمة‭ ‬لمستقبل‭ ‬إسرائيل‭ ‬كـ»دولة‭ ‬يهودية‮»‬‭.‬

ويرى‭ ‬هؤلاء،‭ ‬كما‭ ‬يعبر‭ ‬عنهم‭ ‬رئيس‭ ‬الموساد‭ ‬السابق،‭ ‬أن‭ ‬على‭  ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬أن‭ ‬تختار‭ ‬بين‭ ‬المرغوب‭ ‬والمطلوب،‭ ‬بمعنى‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬دفن‭ ‬الرأس‭ ‬في‭ ‬الرمل،‭ ‬ومواجهة‭ ‬الواقع‭ ‬الديموغرافي،‭ ‬كما‭ ‬يعتقدون‭ ‬بأن‭ ‬ضم‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬أو‭ ‬أجزاء‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل،‭ ‬سيحول‭ ‬الصراع‭ ‬من‭ ‬صراع‭ ‬حدود‭ ‬يتعلق‭ ‬بأراض‭ ‬محتلة،‭ ‬إلى‭ ‬صراع‭ ‬وجود‭ ‬يطال‭ ‬طبيعة‭ ‬إسرائيل‭ ‬وماهيتها‭ ‬كدولة‭ ‬يهودية‭ ‬تمارس‭ ‬سياسة‭ ‬فصل‭ ‬عنصري،‭ ‬وهو‭ ‬بذلك‭ ‬سيستدعي‭ ‬شعار‭ ‬تفكيك‭ ‬الدولة‭ ‬اليهودية‭ ‬بصفتها‭ ‬دولة‭ ‬أبرتهايد‭.  ‬

‭................‬

‭- ‬عن‭ ‬موقع‭ ‬‮«‬عرب‮٤٨»‬