عيد‭ ‬تحد‭ ‬للإرهاب‭ ‬


أنباء الوطن -

 

كتب‭ : ‬جميل‭ ‬النمري

‭- ‬شهدت‭ ‬احتفالات‭ ‬الفصح‭ ‬المجيد‭ ‬أمس‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الاستنفار‭ ‬الأمني‭ ‬فوق‭ ‬العادة،‭ ‬لكن‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬شهدنا‭ ‬ردّة‭ ‬فعل‭ ‬تضامنية‭ ‬أهلية‭ ‬وعفوية‭ ‬من‭ ‬مواطنين‭ ‬تداعوا‭ ‬للتواجد‭ ‬أمام‭ ‬الكنائس‭ ‬في‭ ‬مواعيد‭ ‬الصلاة‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬حراستها،‭ ‬وقام‭ ‬مثقفون‭ ‬وفعاليات‭ ‬بالتوجه‭ ‬إلى‭ ‬الكنائس‭ ‬وحضور‭ ‬صلوات‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬العظيمة‭ ‬مع‭ ‬مواطنيهم‭ ‬المسيحيين‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬القوى‭ ‬الظلامية‭ ‬التكفيرية‭ ‬تتحداها،‭ ‬وتقول‭ ‬لها‭ ‬نحن‭ ‬مسلمون‭ ‬نحب‭ ‬إخوتنا‭ ‬المسيحيين‭ ‬ونكرهكم‭ ‬أنتم‭ ‬وننبذ‭ ‬تفكيركم‭ ‬الغريب‭ ‬على‭ ‬ثقافتنا‭ ‬ومفاهيمنا‭ ‬وتقاليدنا‭.‬

لا‭ ‬يحتاج‭ ‬المسيحيون،‭ ‬ولا‭ ‬يطلبون،‭ ‬رعاية‭ ‬استثنائية‭ ‬دون‭ ‬بقية‭ ‬الشعب،‭ ‬لكن‭ ‬بتأثير‭ ‬التفجيرات‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬داهمت‭ ‬مصر‭ ‬يوم‭ ‬أحد‭ ‬الشعانين‭ ‬الأسبوع‭ ‬الفائت،‭ ‬توجب‭ ‬تشديد‭ ‬الاستنفار‭ ‬الأمني،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬مناسبة‭ ‬للدولة‭ ‬وللمجتمع‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬الموقف‭ ‬الحازم‭ ‬المناهض‭ ‬لفكر‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬العنصرية‭ ‬والكراهية‭ ‬للآخر‭ ‬المختلف‭ ‬دينيا‭ ‬أو‭ ‬مذهبيا‭ ‬أو‭ ‬طائفيا،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬تكفير‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يختلف‭ ‬معهم،‭ ‬وقد‭ ‬احتفل‭ ‬المسيحيون‭ ‬بالعيد‭ ‬وذهبوا‭ ‬إلى‭ ‬الكنائس‭ ‬بروح‭ ‬التحدي‭ ‬للإرهاب‭.‬

في‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬الأردن،‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬ولادته‭ ‬كدولة‭ ‬مستقلة،‭ ‬تميز‭ ‬بالاعتدال‭ ‬والانفتاح‭ ‬والقبول‭ ‬للتعدد،‭ ‬حيث‭ ‬تعايش‭ ‬المسيحيون‭ ‬والمسلمون‭ ‬بشراكة‭ ‬ووئام‭ ‬في‭ ‬قراهم‭ ‬وبلداتهم‭ ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬فيها‭ ‬أو‭ ‬انتقلوا‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬أماكن‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الشام،‭ ‬ومن‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬لتكوين‭ ‬الدولة‭ ‬شارك‭ ‬المسيحيون‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬المساواة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬ومؤسساتها‭ ‬وفي‭ ‬المناصب‭ ‬المدنية‭ ‬والعسكرية،‭ ‬وعندما‭ ‬تم‭ ‬فرز‭ ‬الأراضي‭ ‬وتمليكها‭ ‬في‭ ‬ثلاثينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬كانت‭ ‬العشائر‭ ‬والعائلات‭ ‬المسيحية‭ ‬تحصل‭ ‬تلقائيا،‭ ‬وعلى‭ ‬قدم‭ ‬المساواة‭ ‬بدون‭ ‬أي‭ ‬تمييز‭ ‬ووفق‭ ‬نفس‭ ‬الأسس،‭ ‬على‭ ‬حصصها‭ ‬من‭ ‬الأرض،‭ ‬في‭ ‬تأكيد‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬المواطنة‭ ‬المتساوية‭ ‬والكاملة،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬تمييزا‭ ‬إيجابيا‭ ‬طالما‭ ‬أعطي‭ ‬للمسيحيين‭ ‬في‭ ‬التمثيل‭ ‬النيابي،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬حضورهم‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المناصب‭ ‬بنسبة‭ ‬ربما‭ ‬تفوق‭ ‬نسبتهم‭ ‬العددية،‭ ‬وساعد‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أسبقيتهم‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬والتأهيل‭ ‬خصوصا‭ ‬للمناصب‭ ‬الفنية‭.‬

ما‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬المسيحيين‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬الأقليات‭ ‬غير‭ ‬الدينية،‭ ‬مثل‭ ‬الشركس‭ ‬والشيشان،‭ ‬فلم‭ ‬نشهد‭ ‬أي‭ ‬توترات‭ ‬عرقية‭ ‬أو‭ ‬مظاهر‭ ‬عداء‭ ‬أو‭ ‬صدامات،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬المشاركة‭ ‬الكاملة‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬ومؤسساتها،‭ ‬والأمر‭ ‬ذاته‭ ‬بالنسبة‭ ‬للدروز‭ ‬وأقليات‭ ‬أخرى‭ ‬أقل‭ ‬حجما‭ ‬مثل‭ ‬الأكراد‭ ‬أو‭ ‬الأرمن‭. ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬طبيعة‭ ‬المجتمع‭ ‬هي‭ ‬هذه‭ ‬فإن‭ ‬القيادة،‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬الملك‭ ‬المؤسس‭ ‬ومنذ‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬لنشوء‭ ‬الدولة،‭ ‬حرصت‭ ‬على‭ ‬رعاية‭ ‬التنوع‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الوحدة‭ ‬وحماية‭ ‬النسيج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬القبول‭ ‬والتضامن‭ ‬وتكريس‭ ‬بنية‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬المشاركة‭ ‬والاندماج،‭ ‬ولذلك‭ ‬تجد‭ ‬الروح‭ ‬الوطنية‭ ‬الأردنية‭ ‬راسخة‭ ‬ومتجذرة‭ ‬ومتوارثة‭ ‬عند‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الفئات‭.‬

قد‭ ‬يكون‭ ‬الطارىء‭ ‬الذي‭ ‬أقلق‭ ‬المسيحيين‭ ‬هو‭ ‬صعود‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬كثيرا‭ ‬بفعل‭ ‬ثقتهم‭ ‬أن‭ ‬ركائز‭ ‬الدولة‭ ‬والنظام‭ ‬وثقافة‭ ‬المجتمع‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تؤثر‭ ‬عليها‭ ‬وتغيرها‭ ‬أي‭ ‬أجندة‭ ‬أخرى،‭ ‬وخطاب‭ ‬الأخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬نفسه‭ ‬حاول‭ ‬دائما‭ ‬طمأنة‭ ‬المسيحيين،‭ ‬لكن‭ ‬خطاب‭ ‬بعض‭ ‬الأوساط‭ ‬ومظاهر‭ ‬التشدد‭ ‬الديني‭ ‬كانت‭ ‬تحمل‭ ‬ما‭ ‬يقلق‭ ‬المسيحيين‭ ‬ويضايقهم‭ ‬حتى‭ ‬ظهور‭ ‬موجة‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب‭ ‬التي‭ ‬ضربت‭ ‬المنطقة‭ ‬وشهدت‭ ‬الموصل‭ ‬نموذجا‭ ‬لما‭ ‬ينتظر‭ ‬مسيحيي‭ ‬الشرق‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬الظلامية‭.‬

لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬جلية‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬قوى‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬المسيحيين‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬الجميع،‭ ‬بمستقبل‭ ‬مظلم‭ ‬كما‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬نمط‭ ‬السلطة‭ ‬الذي‭ ‬أقامته‭ ‬داعش،‭ ‬وعليه‭ ‬فإن‭ ‬وعيا‭ ‬متجددا‭ ‬بقيم‭ ‬الاعتدال‭ ‬والتسامح‭ ‬وقبول‭ ‬التعدد‭ ‬يصعد‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التطرف‭ ‬والظلامية‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬أيديولوجيا‭ ‬الكراهية‭ ‬والموت‭. ‬ولعل‭ ‬المجزرة‭ ‬الناجمة‭ ‬مؤخرا‭ ‬عن‭ ‬التفجيرات‭ ‬الإجرامية‭ ‬للحافلات‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬والشيوخ‭ ‬من‭ ‬السوريين‭ ‬المهجرين‭ ‬من‭ ‬الفوعا‭ ‬وكفريا‭ ‬ليست‭ ‬أقل‭ ‬دلالة‭ ‬من‭ ‬تفجيرات‭ ‬كنائس‭ ‬مصر،‭ ‬وهي‭ ‬تقول‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬عن‭ ‬العقلية‭ ‬الإجرامية‭ ‬السوداء‭ ‬التي‭ ‬تحرك‭ ‬قوى‭ ‬التطرف‭ ‬الديني‭ ‬والمذهبي‭ ‬تجاه‭ ‬الجميع‭.‬

‭.......‬

‭- ‬عن‭  ‬‮«‬الغد‮»‬