هل‭ ‬نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬مطاوعة‮»‬‭ ‬و«شرطة‭ ‬دينية»؟‭!‬


أنباء الوطن -

 

كتب : عريب‭ ‬الرنتاوي

‭- ‬أذهلتني‭ ‬إفادات‭ ‬شهود‭ ‬عيان‭ ‬التقيت‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬ترتيب‭ ‬مسبق‭ ‬في‭ ‬خيمة‭ ‬رمضانية،‭ ‬تناولوا‭ ‬فيها‭ ‬تفاصيل‭ ‬“غزوة‭ ‬الجامعة‭ ‬الألمانية”‭ ‬في‭ ‬مأدبا‭ ... ‬

المطعم‭ ‬الذي‭ ‬جرت‭ ‬مداهمته‭ ‬مرخص‭ ‬سياحياً‭ ‬كما‭ ‬قالوا،‭ ‬وهو‭ ‬يستقبل‭ ‬زبائنه‭ ‬من‭ ‬الطلبة‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬اعتراض‭ ‬أو‭ ‬تدخل‭ ‬رسمي،‭ ‬إلى‭ ‬ان‭ ‬حصلت‭ ‬“الشكوى‭ ‬الكيدية”‭ ‬بحقه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬منافسين‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬متشددين،‭ ‬فكانت‭ ‬المداهمة‭ ‬لوكر‭ ‬“الكفار”‭ ‬و”المارقين”،‭ ‬حيث‭ ‬علت‭ ‬أصوات‭ ‬رجال‭ ‬الشرطة‭ ‬“كفار”‭ ‬واقتادوا‭ ‬الشبان‭ ‬بغلظة‭ ‬وتحقير،‭ ‬وأخرجوا‭ ‬الفتيات‭ ‬من‭ ‬صالات‭ ‬المطعم‭ ‬دون‭ ‬السماح‭ ‬لهن‭ ‬بأخذ‭ ‬حقائبهن‭ ‬اليدوية‭ ‬أو‭ ‬الاتصال‭ ‬بذويهن‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬ودائماً‭ ‬بتهمة‭ ‬أن‭ ‬القوم‭ ‬ارتكبوا‭ ‬“أمراً‭ ‬فرياً”،‭ ‬وأنهم‭ ‬“كفرة”‭ ‬لا‭ ‬يستحقون‭ ‬الاحترام‭ ‬والمعاملة‭ ‬التي‭ ‬يمليها‭ ‬القانون‭.‬

بعض‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬المطعم‭ ‬قفزوا‭ ‬من‭ ‬نوافذ‭ ‬الطابق‭ ‬الثاني‭ ‬هرباً‭ ‬من‭ ‬المداهمة،‭ ‬مع‭ ‬أنه‭ ‬مرخص‭ ‬سياحياً،‭ ‬وقد‭ ‬عاود‭ ‬تقديم‭ ‬الوجبات‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬مجاناً‭ ‬كتعويض‭ ‬لضحايا‭ ‬“غزوة”‭ ‬اليوم‭ ‬السابق‭... ‬

طلبة‭ ‬وطالبات‭ ‬ضبطوا‭ ‬في‭ ‬“حالة‭ ‬تسلل”،‭ ‬فعرّضوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬لمعاملة‭ ‬أشد‭ ‬قسوة‭ ‬وازدراءً،‭ ‬العبارات‭ ‬والتلميحات‭ ‬التي‭ ‬تفوه‭ ‬بها‭ ‬أفراد‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬المداهمة،‭ ‬خرجت‭ ‬عن‭ ‬التكفير‭ ‬إلى‭ ‬الإيحاء‭ ‬بالانحطاط‭ ‬الخلقي‭ ... ‬المسيحيون‭ ‬من‭ ‬الطلبة‭ ‬والطالبات،‭ ‬جرت‭ ‬معاملتهم‭ ‬بالمثل،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يطلب‭ ‬منهم‭ ‬الصعود‭ ‬الى‭ ‬سيارات‭ ‬الشرطة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أخرجوا‭ ‬بطاقاتهم‭ ‬الشخصية‭ ‬أو‭ ‬أظهروا‭ ‬الصلبان‭ ‬المعلقة‭ ‬على‭ ‬صدورهم‭ ‬أو‭ ‬المرسومة‭ ‬وشوماً‭ ‬على‭ ‬أجسادهم‭.‬

لكأننا‭ ‬أمام‭ ‬غزوة‭ ‬للشرطة‭ ‬الدينية‭ ‬و”مطاوعة‭ ‬جدد”‭ ‬برداء‭ ‬الجهات‭ ‬المولجة‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون‭... ‬لكأننا‭ ‬أمام‭ ‬“هيئة‭ ‬الأمر‭ ‬بالمعروف‭ ‬والنهي‭ ‬عن‭ ‬المنكر”‭ ‬أو‭ ‬“شرطة‭ ‬حماس”،‭ ‬وقد‭ ‬تشكلت‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬وجه‭ ‬حق‭ ‬أو‭ ‬قانون،‭ ‬فيما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬“بلدان‭ ‬المنشأ”،‭ ‬تتعرض‭ ‬لتقليص‭ ‬صلاحياتها،‭ ‬وتواجه‭ ‬تحديات‭ ‬جمة‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬المطالب‭ ‬الدولية‭ ‬بمحاربة‭ ‬التطرف‭ ‬والغلو‭ ‬والإرهاب‭... ‬لكن‭ ‬من‭ ‬أسف،‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الأردن،‭ ‬وفي‭ ‬ذروة‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬“الدولة‭ ‬المدنية‭ ‬وسيادة‭ ‬القانون”‭ ‬ومحاربة‭ ‬التطرف‭ ‬وحفظ‭ ‬التعددية‭ ‬وحرية‭ ‬الاعتقاد‭ ‬والتعبير‭ ‬والضمير‭.‬

بالمعنى‭ ‬القانوني‭ ‬الحرفي‭ ‬للكلمة،‭ ‬إشهار‭ ‬الإفطار‭ ‬يعد‭ ‬تجاوزاً‭ ‬للقانون‭ ‬“المتقادم”،‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات،‭ ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعارض‭ ‬هنا‭ ‬مع‭ ‬تراخيص‭ ‬تمنح‭ ‬لمحلات‭ ‬سياحية‭ ‬بعينها‭ ‬ويُسمح‭ ‬لها‭ ‬بالعمل‭ ‬في‭ ‬نهارات‭ ‬شهر‭ ‬الصيام‭ ... ‬

فأي‭ ‬قانون‭ ‬يتعين‭ ‬تنفيذه‭ ‬والحالة‭ ‬كهذه؟‭ ... ‬ثم،‭ ‬وبفرض‭ ‬أن‭ ‬الطلاب‭ ‬والطالبات‭ ‬تجاوزوا‭ ‬على‭ ‬القانون،‭ ‬فهل‭ ‬يحق‭ ‬لأحد‭ ‬أن‭ ‬يطلق‭ ‬عليهم‭ ‬وسم‭ ‬“الكفار”،‭ ‬ومن‭ ‬أعطى‭ ‬الشرطة‭ ‬الحق‭ ‬بتكفير‭ ‬الناس،‭ ‬أليست‭ ‬هذه‭ ‬وظيفة‭ ‬الظلاميين‭ ‬والتكفيريين‭ ‬الذين‭ ‬نزعم‭ ‬بأننا‭ ‬نحاربهم‭ ‬صبح‭ ‬مساء؟‭ ... ‬أما‭ ‬كان‭ ‬بالإمكان‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬هذه‭ ‬الإهانات‭ ‬والاتهامات،‭ ‬بل‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬إثارة‭ ‬أجواء‭ ‬الرعب‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬طلبة‭ ‬وطالبات‭ ‬على‭ ‬مقاعد‭ ‬الدراسة‭ ‬والتحصيل‭ ‬الأكاديمي؟

شجعني‭ ‬الزميل‭ ‬باسل‭ ‬الرفاعية‭ ‬على‭ ‬تناول‭ ‬الموضوع،‭ ‬الذي‭ ‬ترددت‭ ‬طويلاً‭ ‬قبل‭ ‬تناوله،‭ ‬عندما‭ ‬عرض‭ ‬على‭ ‬صفحته‭ ‬على‭ ‬الفيسبوك‭ ‬فصولاً‭ ‬لغزوة‭ ‬أخرى،‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬“باص”‭ ‬متجه‭ ‬من‭ ‬عمان‭ ‬للعقبة،‭ ‬وكيف‭ ‬أن‭ ‬الشركة‭ ‬الناقلة‭ ‬المعروفة‭ ‬ومؤسسات‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون،‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬قطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬فتاتين‭ ‬مسيحيتين‭ ‬متجهتين‭ ‬من‭ ‬عمان‭ ‬إلى‭ ‬“ثغر‭ ‬الأردن‭ ‬الباسم”،‭ ‬لتعترضهما‭ ‬دورية‭ ‬مرور‭ ‬وتنزل‭ ‬الفتاتين‭ ‬من‭ ‬الحافلة‭ ‬بطريقة‭ ‬وصفها‭ ‬الرفايعة‭ ‬بالمذلة‭ ‬والمهينة،‭ ‬في‭ ‬“هذه‭ ‬الدولة‭ ‬المفصومة”‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبيره‭.‬

والحقيقة‭ ‬أننا‭ ‬أمام‭ ‬حكومات‭ ‬مفصومة‭ ‬حقاً،‭ ‬تستسهل‭ ‬العمل‭ ‬بقاعدة‭ ‬“امشي‭ ‬الحيط‭ ‬الحيط”،‭ ‬تفادياً‭ ‬لابتزاز‭ ‬المزايدين‭ ‬والمتزايدين‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الأصوات‭ ‬العالية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تكف‭ ‬عن‭ ‬ملء‭ ‬الأرض‭ ‬والفضاء‭ ‬ضجيجاً‭ ‬وادعاءً‭ ‬زائفاً‭ ...‬حكومات‭ ‬تلبس‭ ‬ثوباً‭ ‬غير‭ ‬ثوبها،‭ ‬وتصر‭ ‬على‭ ‬مقارعة‭ ‬المتشددين‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬ملعبهم،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬ملعب‭ ‬سيادة‭ ‬القانون‭ ‬والدولة‭ ‬المدنية‭ ‬والتعددية‭ ‬الدينية‭ ‬والفكرية‭ ‬والثقافية‭ ... ‬حكومات‭ ‬تخشى‭ ‬المواجهة‭ ‬مع‭ ‬“مراكز‭ ‬القوى”،‭ ‬فتصر‭ ‬على‭ ‬الظهور‭ ‬بمظهر‭ ‬لا‭ ‬يليق‭ ‬بها‭ ‬ولا‭ ‬ينسجم‭ ‬مع‭ ‬سياساتها‭ ‬وتوجهاتها،‭ ‬وإلا‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬“سيادة‭ ‬القانون”‭ ‬ومحاربة‭ ‬النهج‭ ‬التكفيري‭ ‬الظلامي،‭ ‬فيما‭ ‬جهات‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون،‭ ‬تستسهل‭ ‬تكفير‭ ‬الناس‭ ‬والتعامل‭ ‬معهم‭ ‬كمجرمين‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يعرضوا‭ ‬على‭ ‬الجهات‭ ‬القضائية‭ ‬المختصة‭.‬

مؤسف‭ ‬أننا‭ ‬نستمع‭ ‬للقصص‭ ‬ذاتها‭ ‬تجري‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬رام‭ ‬الله‭ ‬وبيت‭ ‬لحم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الأجهزة‭ ‬الشرطية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وبالاعتماد‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬ذاته،‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬الأردني،‭ ‬الذي‭ ‬نعتقد‭ ‬أنه‭ ‬آن‭ ‬أوان‭ ‬مراجعته‭ ‬بشكل‭ ‬شامل‭ ‬وجذري،‭ ‬فلا‭ ‬نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬لـ‭ ‬“مطوعين”‭ ‬في‭ ‬شوارعنا‭ ‬ولا‭ ‬لشرطة‭ ‬دينية‭.‬

‭... ‬نحن‭ ‬مع‭ ‬حق‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬شعائرهم‭ ‬وعبادتهم‭ ‬واختبار‭ ‬تعدديتهم،‭ ‬فمن‭ ‬شاء‭ ‬فليصم‭, ‬ومن‭ ‬شاء‭ ‬فليفطر‭ ... ‬ثم‭ ‬لماذا‭ ‬نحارب‭ ‬غير‭ ‬الصائمين،‭ ‬ونتعامى‭ ‬عن‭ ‬محاسبة‭ ‬غير‭ ‬المصلين‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬وهل‭ ‬سيتعين‭ ‬على‭  ‬رجال‭ ‬الشرطة‭ ‬أن‭ ‬يطاردوا‭ ‬البائعين‭ ‬والمارة‭ ‬أمام‭ ‬المسجد‭ ‬الحسيني‭ ‬لعدم‭ ‬التحاقهم‭ ‬بالصلاة؟‭ ... ‬

من‭ ‬الذي‭ ‬أعطى‭ ‬الصوم‭ ‬قيمة‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬الصلاة،‭ ‬وفقاً‭ ‬لمنطق‭ ‬العبادات‭ ‬وأركان‭ ‬الإسلام‭ ‬الخمس؟

قبل‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭ ‬قامت‭ ‬الدنيا‭ ‬ولم‭ ‬تقعد‭ ‬عندما‭ ‬أطلق‭ ‬الصديق‭ ‬ذوقان‭ ‬عبيدات‭ ‬صيحته‭ ‬الشهيرة‭: ‬“داعشية‭ ‬في‭ ‬مناهجنا”‭ ... ‬اليوم‭ ‬نحذر‭ ‬من‭ ‬داعشية‭ ‬في‭ ‬تشريعاتنا‭ ‬وداعشية‭ ‬في‭ ‬ممارسات‭ ‬وسلوك‭ ‬بعض‭ ‬أجهزتنا‭ ‬الرسمية،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يحدثونك‭ ‬عن‭ ‬استراتيجية‭ ‬وطنية‭ ‬شاملة‭ ‬لمحاربة‭ ‬التطرف؟‭!‬